الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th November,2003 العدد : 36

الأثنين 15 ,رمضان 1424

هؤلاء مرُّوا على جسر التنهدات
شاعر مليكة القصيم
الطائر مسافر

بقلم/علوي طه الصافي
نزار قباني.. ذلك الشاعر الذي لم يعش مرحلته حاضراً/ محضوراً فحسب، بل وضع بصماته العشر على المرحلة التي عاشها حيث أصبح كل شاعر يريد لفراشاته الطيران.. ولطيوره التحليق، أن يمر من «بوابة القباني» الرئيسة لدخول «مدينة الشعر» التي كانت تحتوي على «مطارات» خاصة لاطلاق أي صاروخ.. أو «مكوك» جديد!!
نزار قباني.. الشاعر الذي اختلف معه من اختلف.. واتفق معه من اتفق.. فكثرت حوله، وعنه.. ضده، ومعه، الدراسات الطويلة.. والآراء العابرة المبتسرة لكنني لم أقرأ في يوم من الأيام رداً يدافع من خلاله عن نفسه.. رغم أن الدفاع عن النفس حق مشروع للجميع.
مشكلته إذا كانت هذه مشكلة انه إذا نُشرت له قصيدة جديدة، تداعت لها كل أرجاء الوطن العربي بطوله، وعرضه.. وحفظتها، أو بعضاً منها أصوات الملايين.. وحرصت كل صحيفة، أو مجلة عربية على إعادة نشرها لكسب قراء جدد.. فقد كان شعره «كالعملة الصعبة» التي تباع في كثير من الأقطار العربية في «السوق السوداء»،، وتتداول في السر!!
دواوينه الشعرية كان يمنع دخولها في بعض البلدان مثلها كمثل «المخدرات».. أو أفلام «الخلاعة والعري» حماية للقراء، والقارئات من الفساد.. والانحراف.. ومع ذلك تدخل دواوينه غرف نوم الشباب، والشابات.. ويندر أن تخلو مكتبة «خاصة» من هذه الدواوين!!
كان «امبراطوراً» دون أن يتوج على كل الشعوب العربية.. وكان «طاؤوساً» أكبر من كل الطواويس.. وكان «هرماً»، والآخرون سياحاً تحبس «الدهشة» عقولهم، وأنفسهم!!
وكان «مدرسة» لها تلاميذها الذين تلقوا «ألفباء» الشعر في فصولها.. ونحن مهما اختلفنا عليه، أو اتفقنا معه لا نستطيع ان نقول إنه ليس شاعراً.. وأن مدرسته «القبانية» لم تترك بصماتها على شعر كثير من الشعراء العرب.. وبخاصة في بداية تفتح زهور شاعرياتهم!!
وصديقنا محور هذه الحلقة، لم ينج من طغيان مدرسته المؤثِّرة بشكل عنيف حاد، لأسباب يطول شرحها.. وتحتاج إلى دراسة مستقلة.
اقرأ هذين البيتين كمثال:
شفتاك قبلتا لي الورد
من منكما المحظوظ بالورد
إن الهوى في القبلتين هنا
يحتار في شفتين من يهدي
إذا كُنتَ قرأتَ شعر «القباني» في الغزل دارساً متعمقاً.. ألا تشعر أن روحه الطاغية تسكن هذين البيتين؟ سؤال تقريري، لا استنكاري!!
وصديقنا في مطلع شبابه.. وبداية شعره.. كان مثله مثل المئات من الشعراء الذي مروا أثناء مسيرتهم الشعرية بمدرسة «القباني».. لكنهم بعد ذلك وجدوا « ذواتهم الشعرية الخاصة» فألغوا مفردات « معجم المدرسة القبانية » لتكون لهم «معاجمهم» التي تتناغم مع توجهاتهم.. وتنسجم مع مواهبهم!!
عرفته، أول ما عرفته عندما جئت للعمل منقولاً مع إدارتي في بداية الثمانينيات الهجرية.. إلى الرياض.. أي أن معرفتي به مر عليها الآن أكثر من ثلاثة عقود.. وكان الأدب، وحب الأدب هوالذي جمعنا.. وألَّف بين قلبينا مع عدد آخر من الشباب الذين كانوا في عمرنا.. وإذا فرَّقت بين أعمارنا من السنوات فقد استطاعت العلاقة الأدبية أن تلغي هذه الفروق فلم تقف في مسيرتنا حدود، أو فواصل زمنية!!
قال شعره «العذري» مبكراً.. كان كالعصفور يتنقل من وردة، إلى زهرة.. قبل أن تتشكَّل هويته الشعرية.. ولأنه كان ملتزماً «عائلياً، وأسرياً واجتماعياً» فلم يوقِّع قصائده باسمه الصريح.. بل اختار اسماً رومانسياً، فيه حزن «الغربة».. ووجع «الاغتراب».. هذا الاسم المستعار الذي له أكثر من دلالة هو (مسافر)!!
كما أسلفتُ كان من المفتونين بشعر «نزار قباني» الذي كان مالىء الدنيا، وشاغلها فقرأ دواوينه ابتداء من أولها «طفولة نهد» الذي حين صدر كان له صوت تفجير قنبلة جديدة الاختراع.. لكنه أدار له ظهره حين بدأ يوظف شعره سياسياً.. ويسلّط سهامه المسمومة على تاريخ الأمة العربية.. وينشر لعناته الحاقدة على العرب بألفاظ «سوقية».. وصور شعرية قبيحة تنال مكانتهم.. وتحوَّل من شاعر صوَّر نفسه أنه نصير «المرأة العربية»، في الوقت الذي لم يسبقه، ولم يأت بعده شاعر «عرَّى» جسد المرأة العربية.. وكشف مستورها فتحوَّل إلى شاعر (رافض، مرفوض) كما يرى الصديق الناقد (جلال العشري) رحمه الله.
أدار ظهره ليقرأ «السيَّاب».. و«أمل دنقل»... و«صلاح عبدالصبور».. و«فتحي سعيد»..«عفيفي مطر».. و«نازك الملائكة»،، و«أحمد الصافي».. و«الزهاوي».. و«الجواهري».. و«الرصافي».. و«أحمد شوقي».. و«حافظ إبراهيم».. و«أحمد فتحي».. و«علي محمود طه».. وغيرهم، إلى جانب قراءاته الشعرية التراثية.. فأخذ منهم أحسن مايلائم تركيبته النفسية، ويلتقي مع «مزاجه الفني».. و«قيمه الاجتماعية».
حين تعرَّفتُ عليه كنت يومها مشرفاً على صفحات الأدب، والفكر، والثقافة في مجلة (اليمامة) مساء.. كان يمر عليَّ بسيارته مع صديق الطرفين الحبيب (حمد عبدالله القاضي) لنلتقي بالصديق (عبدالله الماجد) الذي كان يميل إلى «النقد الأدبي».. والاطلاع على كتب النقد بكثرة.. ثلاثة كانوا يشعرونني انني لست مجرد صديق فحسب، بل شقيق روحي يشاركونني آلامي، وآمالي.. فأنسوني شعور الاغتراب بعيداً عن أهلي، وأشقائي الذين يعيشون في «جدة»، و«جيزان».. وملأوا فراغ حياتي إلى حد أن عدة سنوات تمر دون أن آخذ إجازة لزيارتهم .. لا أبالغ إذا قلتُ إنهم جعلوني أشعر بمودتهم أكثر من بعض أشقائي.. ولأن أجدادنا العرب كانوا أصحاب حكمة، فقد كانوا على أكثر من حق حين قالوا: «رب أخ لك لم تلده أمك».. كان هذا شعورنا نحن «المربع» المتساوي الزوايا والأضلاع.. وحين أقول ذلك إنما أقوله لأنه لا أحد منا يشعر أنه أفضل من الآخر.. كأننا «توائم».. وصدق حبيبنا المصطفى مسك ختام الرسل والأنبياء جد كل تقي محمد عليه الصلاة والسلام حين قال في حديثه الشريف: «الأرواح جنود مجندة ما تآلف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» أو بما معناه.
كنتُ أشعر وما أزال، وسأظل انني كسبتُ جواهر ثمينة.. وعقود لؤلؤ لاتقدر بفلوس الدنيا.. وهذا خير، وأفضل من «حمراء النعم»!!
بمرور الأيام أشرفَ على صفحتي «كل شيء » الكشكول، وبدأ يكتب نثراً فنياً جاذباً ومنعشاً من خلال زاوية تحمل عنواناً تتطلع إليه كل شعوب الأرض هو «غُصن زيتون» كأنه يعبّر عما في أعماقه.. لكنه استمر على توقيعه باسمه الشعري المستعار (مسافر).. وقد ينهيها بأبيات قصيرة من ذوب شعره «الرومانسي» يومذاك ثم انضم إلينا القاص/ الصحافي الفلسطيني (اسماعيل كتكت) الذي لو استمر في كتابة القصة القصيرة لأصبح اليوم من أعلامها في الوطن العربي.. وبخاصة ان «دار العودة» في بيروت استقبلت مجموعته الأولى بعنوان «الرجل الذي وُلد مرتين» بترحاب.. لكنني لم أعلم شيئاً عنها إلى الان، لانقطاع أخبار الصديق (كتكت) عني، رغم معرفتي بانه مقيم بالقاهرة.. لقد كان يعمل معنا في المجلة، ليس حباً في العمل، وانما ليكون معنا.. وقد كان يقدّم استطلاعات صحافية مثيرة متجدِّدة تحت عنوان «الكاميرا السحرية»، ويوقعها بالحرفين الأولين من اسمه (ألف.كاف).. وقد ربطتني به بصورة خاصة علاقة قوية.. وصداقة متينة.
معذرة لهذه «التخريجة» لدور الصديق (كتكت) في علاقته الحميمة بالمربع المتساوي الزوايا، والاضلاع، داعياً له بالتوفيق في حياته الجديدة، وأن نجتمع من جديد.
لا أشك انكم قد عرفتم صديقنا محور هذا الموضوع بعد أن عرفتم اسمه الشعري المستعار (مسافر) الذي مايزال يضعه بعد ان كشف عن اسمه الحقيقي (أحمد الصالح مسافر).. وبعد إحساسه بحضوره الشعري من خلال الاعجاب الكبير الذي لقيه من القراء، والأدباء، والشعراء، والنقاد.. وطبع أول دواوينه بعنوان (عندما يسقط العراف).
وتصوروا رغم العلاقة التي بيننا لم يهدني شيئاً من دواوينه.. ولم أهده شيئاً من كتبي.. بعد أن باعدت بيننا الأيام والظروف الطارئة جسدياً.. لكننا ظللنا نلتقي دائماً روحياً.. وقليل جداً بواسطة الهاتف رغم اننا نعيش في مدينة واحدة.. وهذه من أكبر جنايات المدينة، والتمدن على الناس.. فالتمدد العمراني قاد إلى اتساع الشقة بين الأهل.. والأصدقاء!!
حين وصلتُ إلى هذه النقطة لمع في ذاكرتي (فلاش)، أو ضوء مفاجىء، لا أدري من أين أبرق، وأزهر.. شاهدتُ من خلاله مدينة «عنيزة» الباهرة.. ربما لأن من أكتب عنه هنا هو من هذه المدينة التي من ضمن الصفات التي أطلقها عليها «أمين الريحاني» في كتابه المعروف «ملوك العرب» صفة «مليكة القصيم» التي اخترتها عنواناً لهذا الموضوع.. وربما قرأتُ فيما شاهدت أن ثلة كريمة من أصدقائي الذين أعتز بهم هم من هذه المدينة الباهرة بأبنائها البررة.. أذكر منهم على سبيل المثال مع حفظ الألقاب والمناصب: (عثمان الصالح عبدالعزيز الخويطر عبدالله القرعاوي عبدالله الغذامي صالح القرعاوي عثمان القرعاوي أحمد الصالح «مسافر» حمد عبدالله القاضي عبدالرحمن السماعيل إبراهيم التركي بندر عثمان الصالح).. مع الاعتذار لمن لم تحضرني اسماؤهم.
كنتُ إذا غبتُ في إجازة يقوم الصديق الشاعر (أحمد الصالح) بالاشراف على صفحات الأدب في المجلة نيابة عني.. وأحياناً يقوم بذلك غيره.. وفي المقابل إذا غاب هو في إجازة أقوم نيابة عنه بالاشراف على صفحتي «كل شيء» ، «الكشكول».
وقد اكتشفتُ خلال معرفتي بالصديق (أحمد الصالح) كثيراً من المزايا الحميدة.. والخصال النبيلة.. وهو لا يقول «النكتة» لكنه يسمعها ويضحك لها.. وهو من النوع الكتوم.. تشعر من خلال معايشتك له انه لايحمل هموماً حياتية.. لكن شعره كالصب يفضحه.. فهو يستعيض عن «الفضفضة» الاجتماعية إلى ترجمة ما يختزنه من خلال شعره.. لهذا فان الدارس لشعره العاطفي، وغير العاطفي، يستطيع أن يحلّل نفسيته ليصل إلى أعماقه الدفينة.
ولكي يصل إلى هذه الأعماق، فان عليه توظيف «المذهب النفسي» في النقد.. ورغم أن جريدة «الجزيرة» خصَّصت في إحدى المرات صفحات الأدب فيها عن (أحمد الصالح) إلا أن مانشر عنه كان مجرد انطباعات، ومشاعر لا تقدّم شيئاً عنه بصفته شاعراً.. والجديد الذي استفدت منه ما كتبه الصديق، وزميل العمل سابقاً الدكتور (عبدالرحمن السماعيل) الذي كشف عن جانب لم يكن معروفاً عن الصديق (أحمد الصالح)... وهوشعر «الاخوانيات».
ولا أتذكر أن أحداً ممن كتبوا عنه أشار ولو مجرد اشارة إلى كتاباته النثرية الفنية الجميلة التي كان يكتبها تحت عنوان زوايته «غصن زيتون» في مجلة «اليمامة».. ولا أدري لماذا لم يقم هو بطباعة هذه الكتابات النثرية في كتاب؟
أعرف ان عدداً من الأدباء، والشعراء يحجمون عن طباعة بداياتهم خشية النقاد بعد ان أصبحوا رموزاً.. مع أنني ضد هذا الموقف، لأن البدايات لها حلاوة الحب الأول.. والنقاد حين يتناولونها سيضعون للفترة الزمانية حقها من الاهتمام.. وربما جاءت هذه البدايات في صالح المبدع لأنها ستعكس قدراته الفنية على التجاوز في زمن قد لا يكون طويلاً.. هذا جانب، ومن جانب آخر فان البدايات لا تعكس إلا مرحلة من مراحل مسيرة المبدع.. ولكل مرحلة ظروفها، وأدواتها ، وأساليبها!!
وكنا نحن أصدقاء (أحمد الصالح) نغبطه على كثرة المعجبين، والمعجبات بنثره، وشعره.. وكان بعضهم لا يكتفي بالكتابة، بل يتصل هاتفياً.. والقراء في رأيي من الجنسين هم وقود المبدع.. وهم المحرّك لفكره، وتفكيره.. وهم «ترمومتر» الرضا والنجاح.. وفيهما السعادة للمبدع الذي يحترق أثناء إبداعه!!
أما الكاتب الذي لا «يهش، ولا ينش» مثلي فليس لهم أمام احتراقهم إلا رحمة الخالق التي وسعت كل شيء.. والله المستعان.
++++++++++++++++++++++++++
ص.ب (7967) الرياض (11472)
++++++++++++++++++++++++++
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved