الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th November,2003 العدد : 36

الأثنين 15 ,رمضان 1424

«للحياة لون آخر» لعبدالكريم النملة..
الفاعلية المستلبة...!
محمد الدبيسي

في لعبة السرد القصصي، تتضافر الوظائف الفنية.. لابراز هوية النص والناص.. وتجسيد مدى العلاقة بينهما.. أو انفكاك أحدهما عن الآخر.. حالة منح النص صورته النهائية.. قبل الدخول في عملية التلقي..
وإذا كانت النظريات الحديثة، تعد عملية التلقي ذاتها، صنيعاً يدخل في صميم العملية الابداعية.. ويختمر مع الجينات النصية، وبالتالي تصبح الصورة النهائية.. هي القيمة التي كونها النص بالضرورة.. والتي يعسى إليها وينطلق منها..!
وفي اشكالية النص/ والناص.. وانفصالهما.. وتشبث الناص باجراءاته الكتابية في توجيه صيرورة الأحداث والشخصيات.. أو تركها تعيش حياة النص وتعبر عن الموقف.. وتقدم الحدث بحيويته الواقعية.. والتي تضطلع بها بشكل أساسي قدرة الكاتب الفنية.. وامتلاكه لأدوات اللعبة السردية..
و«عبدالكريم النملة» يراوح بشكل مربك ومرتبك في آن.. ليكون تطبيقاً لما أسلفته..!
فبدهية المسار الفني للكاتب السردي تتنامى بشكل هرمي متراكم، لزخم تجربته أو محاولاته القصصية..!
فهي تجربة في مجمل إنجازاتها، تبرز ملامح قدرة لم تكتمل بصورتها النهائية.. بالرغم توافر محركاتها في تفاصيل النص الذي يكتبه، والافكار والأحداث التي يعبر عنها.. والتي يلتقطها من فورات الحراك المجتمعي ومفاصل حياة «الناس» الذين يعايشهم..! وهي محاولة، لا لالتباسها في داخله كأحداث بلحظة الكتابة والتعبير الفني، والحكي السردي، الذي يختار القصة مساقاً لبنيته.. وانعدام الخط التراكمي في وحدات هذه التجربة المتمثلة في ثلاث مجموعات تتمايز نصوصها، ما بين لغة المخيلة الجمالية وصياغاتها البيانية، وضياع خيط البداية السردي، وهو ذات السبب الذي يجعل الصورة الفنية في مسافة قلقة ومتباينة من نص لآخر..!
وفي مجموعته الجديدة (للحياة لون آخر) يحاول عبدالكريم النملة القبض على لحظات المتخيل واقتناص تداعياتها، ففي حين كانت مجموعته الثانية (تجليات الطرق الخلفية) الصادرة عام 1419هـ تتبرعم في حضورها.. ما بين نفس حواري مظهري.. واستجابة عفوية للتسجيل الذاتي، لما يشبه الخاطرة الطويلة، المتلبسة بمظهرية سردية في حبكتها كمواقف وحوارات وشخصيات، وفي عادية لغته وارتهانها للوصفية الخالية من التأزم والقلق النفسي، ومجموعته الجديدة، تحتاط لنصوصها باستقلالية فنية، تجعل من النواة النصية لديه تشكلا سرديا باتجاه العمق، واستجلاء الموقف بتكوين محاوره قبلا واستنفاد شحنة الحوار، وتشكيله لغوياً، بالقدر الذي تمكنه منه ذائقته المرنة التي تنحو لتكامل محاورها على المشهد السردي.
ولعل نصاً مثل (للحياة لون آخر) صـ51، يتابع فيه الكاتب خيوط الحدث الواقعي ويستثمر تفاصيله لابراز معنى تعبيري لشخصياته بالصياغة النصية المتاحة له وفرزه تبعا لمقاطع دلالية مستقلة عضويا ومترابطة في دلالتها العامة، تجعل من أسلوبه القصصي سرداً يتكون بالتشاكل ما بين الواقعي المرئي/ والمتخيل المعبر عنه.
فما بين مقاطع هذا النص تتمظهر الوحدة الحدثية كنواة آنية.. يبدأ الكاتب منها بتتبع الفضاء الواقعي المشاهد.. والشخصيات التي تحضر بأثرها وليس بشخوصها المجردة.. إذ يسلبها الكاتب تناغم الحضور بين أجزاء كينونتها النصية.. حتى لا يكون لها قدرة على الفعل الاختياري استجابة لتحولات الدلالة النصية.. ووفقا لملابسات الحدث وتشعباته..!
فهي شخصيات يحركها الكاتب.. ليفقدها بعض فاعليتها الوجودية.. ويتدخل في اصدار الفعل وتوجيه التفريعات السردية داخل النص.
وإن قارب على التفوق الفني في السير في هكذا (لعبة) دون أن يفتقد نصه فاعليته الفنية إجمالاً أو يتدنى للمباشرة والانشائية، فإنه في نص آخر (معالجة) صـ17 يحقق تعادلاً نصياً متوازياً.. بين حضوره ككاتب.. يستوحي الموقف ويعبر عن تفاصيله، وبين الشخصيات المكونة للموقف ذاته كبنية فنية، يشتتها بحوار مرتبك وغير موائم للصياغة التي قدم بها الاسطر الأولى للنص.. بالرغم من تفوق صياغته اللغوية، وقفاً لمقدرته الخاصة على الكتابة.. من تجاوز حركة الحوارات المركبة والتسجيلية المكشوفة..!
ويكرر الاشكالية ذاتها في نص (احتياج) و(انتظار) و(الخلاص) حين تصبح مساحة الحوار والشخصيات، مساحة قلقة، تنسحب من يديه أطرافها فتهيم في فضاءات تعبيرية، وهو ما يجعل الحدث متراخياً في صياغته العامة.. وفي حبكته الداخلية.. وفي تكوينه للوحدة النصية المستقلة، التي تفرضها حتمية الكتابة السردية.. واثبات استقلالية النص..
وإن حاول افراغ النص من عنصري الحوار والشخصية، فإنه ينساب إلى ذائقة كتابية تأملية. لا تجيد تجسيد لحظات اللاوعي.. أو تدوين جمالية التصور الفني، للحالة..!
مما يغيب الحدث القصصي، ليتلبس بالتداعي الحر والمنفلت من مقاييس السرد كما في نص (جنون اللحظة) ص45.
أما الفضاء البصري.. فقد غاب بشكل كلي في تشكيل دلالات فنية داخل المساحات التي احتوت النصوص، ويتضح انفلاتها من أي ذوق فني يتحسس أهميتها في النصوص المعاصرة. فقد احتشدت النصوص في الصفحات.. بشكل يفقد المتلقي أهمية الفضاء البصري الذي أمامه.. واستغرقت الكتابة الصفحات بالكامل.. بينما ظلت صفحات بيضاء بالكامل بعد نهاية كل نص وظهرت عشوائية اختيار المساحات الفارغة بين المقاطع.. وكذلك في كتابة المقاطع الحوارية في النصوص بعامة..
ولعل نصاً وحيداً حقق نوعاً من التوازي في استغلال الدلالة البصرية للكتابة، كفضاء.. يحقق الكاتب من خلاله امكانات الكتابة وتقنياتها، بما في ذلك تقنيات توزيع المادة المدونة على مساحات الصفحة وبدايات الأسطر ونهاياتها.. والصياغة الاخراجية، كمستوى نهائي يصل النص بمتلقيه، وهو نص (شتباه) ص95.
واللافت في هذه المجموعة، استعداد الكاتب لانجاز النص السردي عبر ممكنات ذاتية، تؤهله لصياغة مساره السردي.. حيث تنبئ الدلالات الكلية لهذه النصوص، ولزمات اختيار العناوين والتي جاءت ما بين صياغات مصدرية وأخرى مكثفة عبر كلمات محددة، لاستنفاد رصيدها الدلالي في فحوى القص. إنما تتجاوز به إلى وعي مرحلي في مسافة بناء النص القصصي إلى استيجاد محركات قرائية تنمي نظرته الى الواقع الحياتي في مفاصله الاشكالية، لتصبح (رؤية) يحلل من خلالها ذلك الواقع، ويصنع من شخصياته وتوتراته ويومياته. مادة قابلة للتشكل السردي، استجابة لذائقة تشحذها القراءات الحرة في انجازات القصة القصيرة المعاصرة ورموزها في المشهد الثقافي.
* عبدالكريم النملة.. للحياة سوق آخر «مجموعة قصصية»، المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2002 الطبعة الأولى، بيروت.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved