الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th November,2003 العدد : 36

الأثنين 15 ,رمضان 1424

النقد الدنيوي عند إدوارد
سهام القحطاني

يقول ادوارد سعيد في كتابه الاستشراق (لقد كان الشرق، تقريباً، اختراعاً غربياً.. فالشرق جزء تكاملي من حضارة أوروبا وثقافتها الماديتين.. ويعبر الاستشراق عن ذلك الجزء ويمثله ثقافياً، بل حتى عقائدياً من حيث نهج التابة، والصورة، والمعتقدات المذهبية وحتى البروقراطية الاستعمارية والأساليب الاستعمارية. ويرتبط بهذا التراث الجامعي، موضوع هذه الدراسة، معنى أكثر عمومية للاستشراق، فالاستشراق أسلوب من الفكر قائم علي تمييز وجودي «انوطلوجي» ومعرفي «ايستمولوجي» بين الشرق و«في معظم الأحيان» «الغرب»). من يقراء كتاب الاستشراق ثم كتاب العالم والنص والناقد سوف يلاحظ أن القاعدة التي ينطلق منها ادوارد تكاد تكون وحدة أو هكذا خيِّل لي، وكتاب الاستشراق يسبق كتاب العالم والنص بالقراءة عندي، فقد قرأت أولهما منذ سبع سنوات باللغتين العربية والانجليزية، وإن كانت انجليزية كلاسيكية صعبة يصعب استيعابها لغير المتخصصين، ولا شك أن استيعابي لكلا الكتابين في تطور متصاعد ومحصول منضوج كلما تكرر الفعل القرائي، كما يلاحظ قارئ كتب ادوارد سعيد تلاحق الأفكار في المقطع الواحد، وهذا بدوره يصعّب الاستيعاب الأولي للمقروء فلا تدري أيكما يركض خلف الآخر ليسابقه أنت أم الفكرة، وتحسب نفسك أحد رجال أليوت الخاوين «إنها أشبه بصوت ريح تهب على الهشيم.. شكل بلا نظام ظل بلا لون.. قوة مشلولة إيماءة بلا حركة»، أما كتاب العالم والنص فقرأته قبل خمس سنوات باللغتين، وأعود له من تارة إلى أخرى من أجل المطالعة وهذا ما جعله قريباً مني من سابقه، ولعلي آثرت أن أقدم لهذا المقال الذي يتحدث عن النقد الدنيوي عند ادوارد سعيد، بمقتطع من كتابه الاستشراق، لأوضح رؤية ادوارد في مفهوم الحضارة الشرقية والغربية، أو قل الحضارة الغربية في تكوين وجود ثقافة شرقية، وهذه الرؤية عنده أقصد رؤية الامتداد دون تفاصيل لما هية مخصوصة للتحيز الثقافي أو ما يطلق عليه القرابة والتقرب والبنوة والتبني التي يطرحها من خلال كتابه العالم والنص والناقد وكتاب «العالم والنص والناقد» أو The World,The Text, And Critic عبارة عن مجموع مقالات نقدية كتبها ادوارد سعيد ما بين عام «1981م إلى 1996م» ويستفتحها بتميد عنوانه «النقد الدنيو» في بداية التمهيد يعرض لنا أشكال النقد ويقسمها إلى أربعة أشكال: هي: النقد العملي الذي تجده في مراجعه الكتب والصحف الأدبية، والثاني هو التاريخ الأدبي والأكاديمي الذي بدأ منذ القرن التاسع عشر كدراسة الأدب الكلاسيكي والفيلولوجيا وتاريخ الحضارة، الثالث هو التقويم والتأويل من زاوية أدبية، والرابع هو «النظرية الأدبية»، ويفرق إدوارد سعيد بين الأشكال الثلاثة الأولى، فيقول إن الشكل الأول والثاني قصر على المختصصين، أما الشكل الثالث «التقويم والتأويل» مع أنه عمل أكاديمي إلا أنه ليس مقصوراً على المحترفين، بل يستطيع القيام به من يملك أبسط المعاني حول «كيفية قراءة القصيدة وكيفية الاستمتاع بالتعقيد الذي تنطوي عليه فكرة ميتافزيقية، وكيفية وجوب تصورهم ان للأدب واللغة الرمزية ثمة سمات فريدة يستحيل تقليصها إلى موعظة أخلاقية أو سياسية بسيطة»، أما الشكل الرابع، من أشكال النقد النظرية الأدبية، ويعرّف رنيه ويليكك نظرية الأدب بأنها «النظرية التي تدرس مبادئ الأدب وأنواعه ومعاييره» ويعرفها نصيف جميل في كتابه الأدب المقارن «نظرية الأدب فهي ذلك العلم الذي يعنى بالاجابة عن السؤال العام التالي: ما الأدب؟ وهو بذلك يأخذ على عاتقه واجب دراسة قوانين تطور الأب وإبداعه.. وتياراته الفنية وأصدقائه وأنواعه وأشكاله والخصائص البنائية لتكوين الأعمال الأدبية، واللغة، وغير ذلك من المسائل التعبيرية» «فيرى أن من أسهم في بروزها في السبعينات فضل النظريات اللغوية مثل البنيوية والتفكيكية.
أما مفهوم النقد الدنيوي، الذي يتحدث عنه ويداخل معه مفهومات أخرى أو قل يكون من حيثيات أخرى مفهوماً له مثل الوعي وخدمة الموجودة المادي للحياة، وتحويل سلطة الثقافة من الخاص إلى العام والتمازج مع الفعل الاجتماعي، كل تلك الأشياء تبلور النقد الدنيوي لديه، الذي تقصد به الاهتمام بتفصيل الوجود اليومي المعروف باسم الوضع والحدث وتنظيم السلطة.
يذهب إلى التحدي الذي يفرضه العالم الدنيوي أمام الناقد وهو قدرته على الاستفادة من أدوات تعبير هذا العالم لا عبر النظريات المجردة، بل من خلال ما تثيره النصية من علاقات يستطيع أن يستغلها الناقد، مثل القرابة والتقرب، التكرار والتعدد المطلق للتفاصيل والجسد وحاسني البصر والسمع، أما الوعي النقدي عنده، هو وليد العالم الاجتماعي الذي ينتمي إليه المرء، كما أنه جزء من الواقع عنده، لا تعني البتة اضفاء مسحة من الشرعية على الوضع الحالي أو الالتحاق بركب طبقة كهنوتية من البطاركة والميتافيزيقيين الدوغماتيين. إن كل مقالة في هذا الكتاب تؤكد على الترابط بين النصوص وبين الوقائع الوجودية للحياة البشرية والسياسة والمجتمعات والأحداث، فالوقائع المتعلقة بالقوة والسلطة والمتعلقة أيضاً بضروب المقاومة التي يبديها الرجال والنساء والحركات الاجتماعية والسلطات والمعتقدات التقليدية هي الوقائع التي تجعل النصوص أمراً ممكناً، وهي التي تطرحها لقراء تلك النصوص، وهي التي تستقطب اهتمام النقاد.. ثم يقول: ما معنى أن يكون لدى المرء وعي نقدي إذا كان موقف المفكر، كما كنت أحاول أن أشير، موقفاً دنيوياً وإذا كان على الهوية الاجتماعية للمفكر، جراء ذلك النزوع الدنيوي نفسه، أن تتضمن شيئاً أكثر من تعزيز مظاهر تلك الثقافة التي لا تأمر أعضاءها إلا بالتوكيد، والامتثال وحب؟ إن هذا الكتاب بأسره محاولة للإجابة على هذا السؤال.. وموقفي، ومرة ثانية، هوأن الوعي النقدي المعاصر يقف بين اغراءين متمثلين بقوتين عاتيتين مترابطتين تستقطبان الاهتمام النقدي.
فالأولى هي الثقافة التي يرتبط بها النقاد بالقرابة «بالولادة والانتماء القومي والمهنة»، والثانية هي الطريقة أو المنظومة التي يكتسبها النقاد من خلال التقرب «بالقناعة الاجتماعية والسياسة، وبالظروف الاقتصادية والتاريخية، وبالجهد الشخصي والإرادة الحديدية»، وكلتا هاتين القوتين ما فتئتا تدأبان على ممارسة الضغوط منذ ردح طويل من الزمن إلى أن وصلتا بالنقد إلى وضعه الراهن:
ولذلك فإنني اقترح أن تكون هذه الوقائع مثار اهتمام النقد والوعي النقدي والحقيقة أن تمهيد ادوارد سعيد لم يحتوي على فكرة النقد الدنيوي، بل احتوى على أفكار أخرى لا تقل أهمية من النقد الدنيوي كالثقافة كمفهوم التقرب والقرابة، الذي يسوقها من خلال تحربة الكاتب أورباخ في كتابه «محاكاة» ووجدت أن من الظلم لها أن أعرضها في ضيق من مساحة ولعلي اتحدث عنها في مرات أخرى.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved