الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th November,2003 العدد : 36

الأثنين 15 ,رمضان 1424

قرض الكتب لايغني من قرض العشب
كتب الأستاذ/ محمد عبدالرزاق القشعمي في المجلة الثقافية الصادرة يوم 24/8/1424هـ مقالاً بعنوان: الكتابة بأجر لم تكن معروفة من قبل.. استعرض في مقاله رسالتي الأستاذين الكريمين ضياء الدين رجب وعثمان حافظ رحمهما الله ولست هنا بصدد اجترارها.. ولكن العنوان استوقفني.. حيث إن الكتابة ربما لم تكن معروفة بهذا الاسم.. سوى عملية النسخ اليدوي للمصنفات في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية.. وهي المعروفة اليوم بمهنة ناسخ آلة كاتبة.. أو مصفف حروف على الكمبيوتر.. وكلهم لم يكونوا يعملون بدون أجر حسب علمي..
كانت الألقاب المعروفة في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية تنحصر في: عالم.. فقيه.. أديب.. شاعر الخ.. وكلهم يزعمون أنهم طلبة علم.. وكان الخلفاء والأمراء والوزراء والوجهاء (رجال الأعمال) يتسابقون لتبني طلبة العلم.. وتفريغهم لما نذروا أنفسهم له.. ويحكى أن الخليفة هارون الرشيد أعطى الإمام أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة رضي الله عنهما مبلغ كذا وكذا.. لأنه أفتاه في مسألة كانت تحيره.. مع أنه كان يشغل يومها وظيفة رئيس القضاة..
لا يخفى على كل ذي بصيرة أن الأوضاع في الجزيرة العربية عموماً كانت مأساوية حقا طيلة القرون الماضية.. حتى هيأ الله سبحانه وتعالى للملك عبدالعزيز طيب الله ثراه تأسيس المملكة العربية السعودية.. وقد كانت الأولوية المطلقة لديه هي محاربة الجهل والفقر والمرض.. ولم يكن جلالته رحمه الله بعيداً عن إرهاصات القرن العشرين.. وتموجاته الرهيبة على المستوى الدولي..
كانت الموارد المالية في بداية عهد الملك عبدالعزيز شحيحة جداً.. ولكن همته وطموحاته وإصراره العجيب أكبر من الإمكانيات الموجودة لديه.. ولإدراكه بأهمية دور الثقافة والمثقفين فقد سعى لجذب القلة القليلة من المثقفين في عصره إليه.. ووضعهم أمام مسؤولياتهم عند الله والناس والتاريخ.. فلم يخيبوا ظنه..
ولأن الأمية كانت متفشية فقد كانت الأولوية للتعليم.. على حساب صناعة الأدب والثقافة.. فبالتعليم يمكننا التغلب على الفقر والمرض أيضاً.. ويمكننا إيجاد بيئة صالحة لنمو صناعة الأدب والثقافة.. وأعتقد أنه ينبغي توثيق هذه الظروف الصعبة والجهود الصلبة للتغلب عليها.. لأنها جزء من تاريخنا.. ولولاها لم نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم.. وأود التنبيه هنا إلى أن التركيز على الشخصيات فقط وتجاهل الظروف التي عاشتها.. سوف يجرد هذه الشخصيات من أهم مقوماتها..
وقد سبق للأستاذ/ عثمان حافظ أن كتب في بعض مذكراته أنه بعد حصوله وشقيقه علي حافظ رحمهما الله على تصريح من جلالةالملك عبدالعزيز بإصدار جريدةالمدينة.. فقد كتبا إلى مقامه الكريم رسالة طلبا فيها دعمه المالي.. وقد قلت قبل قليل: إن جلالته لم يكن بعيداً عن إرهاصات القرن العشرين.. وتقلباته الرهيبة على المستوى الدولي.. ولذلك كتب إليهما بما معناه: عند إصدار التصريح كنا نتوقع أن يكون في هذا النشاط ما يغنيكم عن استجداء المعونة..
وقد كانت لفتة كريمة من جلالته لتذكيرهما بالمتغيرات الاقتصادية والثقافية على مستوى العالم.. وبما أنهما رضيا هذا النشاط فعليهما مسايرة المستجدات.. ومع ذلك لم يبخل عليهما بالمساعدة المالية المطلوبة.. والدعم المعنوي.. مع أن الوضع المالي للدولة حينها لم يتحسن كثيراً.
لا أعتقد أن الأستاذ/ ضياء الدين رجب كان يسعى إلى مصلحة ذاتية عاجلة.. عندما كتب رسالته إلى الأستاذ عثمان حافظ.. بقدر ما كان يرغب في تذكيره بأن قرض الكتب لايغني قرض العشب.. وأعذر الأستاذين علي وعثمان حافظ لأن الظروف التي كانت سائدة في ذلك الوقت لم تساعدهما على تطوير الموارد المالية للجريدة.. ليتمكنا من صرف مكافآت للكتاب فيها.. ومع ذلك حفظاً حقوق الملكية الفكرية عن طريق إهدائه بشتا.. أما التقدير الأدبي فما زال محفوظاً إلى الأبد..
هل تذكرون قضية البيضة والدجاجة؟ حسنا: ذكرت قبل قليل أن الخلفاء والأمراء والوجهاء سعوا إلى تفريغ طلبة العلم لما نذروا أنفسهم له... والآن: هل تحسبون أن المال يستطيع صنع الأدب والثقافة من لا شيء(؟) وأرجو ألا يقول لي أحدهم إن طلبة العلم (يومها) قد استثمروا عائدات التفرغ في امتلاك المساكن الفاخرة.. والسيارات الفارهة.. الخ.. دون أن يقدموا أي إنتاج علمي أو أدبي أو ثقافي ملموس..
قلت قبل قليل إن عهد الملك عبدالعزيز كان فترة تأسيس.. بدأت من تحت الصفر.. فكانت الأولوية للتعليم.. وقد سار أبناؤه البررة الكرام على نفس نهج والدهم في تقريب العلماء والأدباء.. ومآثر سيدي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي العهد حفظهما الله تحتاج إلى كتاب.. وليس مجرد مقال.. ويكفي أن أشير إلى أن الأميرين الكريمين سلطان وسلمان هما صديقان للمثقفين والصحفيين.. أما الأمير عبدالعزيز بن فهد فمعروف عنه أنه جابر عثرات الكرام..
إذا كان نهج الملك عبدالعزيز وأبنائه وأحفاده من بعده: لا تعلم يساره ما أنفقت يمينه.. فمن واجبنا التركيز على مآثرهم وتسجيلها للأجيال القادمة بجميع تفاصيلها.. لأن المثل يقول: لا يشكر الله من لا يشكر الناس..
تتساءل بعض رموزنا الثقافية عن سر غياب حفلات التكريم الرسمية للأدباء والعلماء والمثقفين.. وأحب أن أطرح عليهم سؤالا: أين هو العمل الثقافي أو الأدبي أو الإنجاز العلمي على المستوى المحلي الذي يستحق التكريم؟ في حين أن كل المشاريع المطروحة في الساحة حتى الآن هي مجرد نسخ متكررة.. وليس فيها ابداع غير مسبوق(..).
بقي دوررجال الأعمال في دعم الحركة العلمية والثقافية والأدبية.. وهذا يستحق مقالا مستقلا.. إذا يسر الله لي بالتوفيق من عنده.. وعلى الله قصد السبيل..
++++++++++++++++++++++++++
عبدالرحيم بخاري
EMail.:arb813@saudionline.com.sa
++++++++++++++++++++++++++
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved