الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th November,2003 العدد : 36

الأثنين 15 ,رمضان 1424

الأسطورة
فجر الإبداع الإنساني

تأليف: كارم محمود عبدالعزيز
القاهرة: هيئة قصور الثقافة، 2002
عندما بدأ الإنسان القديم يتحسس ملامح العالم في محاولة لاستئناس ظواهره المتوحشة وأحداثه المفاجئة وتقلباته الحادة، لم يكن العقل الإنساني شب عن الطوق واكتملت له الأدوات التي تمكنه من رصد الظواهر وتحليلها وفهم قوانينها وآليات حركتها، ومن ثم التحكم فيها. باختصار لم يكن العقل الإنساني عقلا علميا، لهذا لجأ الإنسان إلى الاسطورة، واستمد توازنه من تلك القصص الخيالية الخرافية التي يفسر من خلالها ظواهر الكون والطبيعة وقصة الخلق وغيرها من الظواهر التي لم يكن بمقدوره أن يستظهر قوانينها العلمية ويسخرها لصالحه.
وهذا الكتاب «الاسطورة فجر الإبداع الإنساني» يصحبنا إلى علم الأساطير ونظرياته وجهود علمائه كما يصحبنا إلى تلك القصص الخارقة التي شغلت طفولة الإنسان وصباه، فبعد أن يقدم المؤلف في القسم الأول من الكتاب أهم الدراسات النظرية للأساطير، وجهود العلماء على اختلاف مشاربهم وتخصصاتهم حول الاسطورة وعلاقتها بأشكال المعرفة الأخرى، يقدم لنا نماذج من أهم أساطير العالم القديم مثل أساطير مصر القديمة وأسطورة الطوفان في بلاد ما بين النهرين وأسطورة الإله المفقود في تركيا، على أن أهم ما يقدمه المؤلف في هذا الجزء مجموعة من الأساطير التي سرقها حاخامات اليهود من تراث الشرق الأدنى القديم وضمنوها كتبهم المقدسة باعتبارها تراثا يهوديا مثل اسطورة صراع الرب مع التنين.
وينبهنا المؤلف إلى أن الاسطورة لم تنته بعد إنتاجا أو استهلاكا، رغم سيادة عصر العلم والتكنولوجيا وثورة المعلومات، فلا تزال شعوب كاملة في أفريقيا على سبيل المثال تعيش على الاسطورة ولا تزال العناصر الاسطورية قائمة في أذهان شعوب العالم الثالث، ولا تزال الأساطير عناصر إلهام يوظفها الأدباء والفنانون في أعمالهم المعاصرة.
على أن المؤلف يميز في كتابه هذا بين الاسطورة والخرافة حين يقول «ترتبط الاسطورة في أذهان الكثيرين ارتباطا خاطئا بالخرافة، حيث يتعامل هؤلاء مع كلتيهما باعتبارهما شيئا واحدا، والحقيقة أن الاسطورة تختلف تماما عن الخرافة، فإذا كانت الخرافة نتاجا للخيال الصرف الذي لا يتكئ على أية مرجعية واقعية، فإن الاسطورة تفقد مصداقيتها ومجالها إذا هي لم تتكئ في الأصل على ذلك الواقع الموجود بالفعل، ثم بعد ذلك تلجأ إلى الخيال العميق في صياغتها لذلك الواقع. وإذن فالأسطورة كانت هي الوسيلة المبكرة التي عكست توق الإنسان إلى المعرفة وإلى محاولة فهم العالم كما عكست أسلوبه في الرد على التساؤلات الملحة والاحاجي الملغزة التي جابهته بها الطبيعة والكون من حوله حتى صارت الوعاء الفكري الأول الذي خرجت منه الفلسفة والأدب والفن والحكمة والطقوس والاعراف.
وتتسم الاسطورة بمكونات وعناصر خاصة يرصدها المؤلف، منها أنها تشتمل على مجموعة من الأفكار عن العالم وكذا مجموعة من القصص عن شخوص خيالية في صورة أبطال خارقين يتسمون بخاصية التعالي، أي الافلات من قيود الزمان والمكان والتجربة اليومية وتحديداتها، فضلا عن أنها شخصيات تفوق الواقع المعقول مدعومة بقوى خارج الواقع تمنحها القدرة على تحقيق إرادتها فوق البشرية.
والأسطورة تشير دائما إلى أحداث يظن أنها وقعت في الماضي السحيق بكل ما تتحرك فيه هذه الأحداث من عوالم غريبة.
وتنقسم الأساطير إلى أنواع عديدة منها الاساطير الكونية مثل أساطير الخلق وأساطير التحول والأساطير المتعلقة بنهاية العالم. ومنها أساطير الكائنات الخارقة مثل اسطورة أوزيس، وآدونيس، وتموز وأنيس وأساطير الأبطال الحضاريين مثل اسطورة برومثيوس عند الاغريق وغيرها.
وإذا كانت الاسطورة هي الوعاء الفكري الأول لأشكال المعرفة فما هي علاقتها الآن بالمعارف المختلفة التي استقلت واصبحت لها ابنيتها الخاصة؟ بداية قد لا نرى علاقة بين العلم والأسطورة، من حيث إن الفكر العلمي يصف الظواهر وصفا واقعيا موضوعيا بحتا، أما الفكر الأسطوري فإنه يصف الظواهر من خلال التصورات والخيال الجامح للإنسان، ولكن المؤلف يتفق مع «كلود ليفي شتراوس» في أن العلم والأسطورة يؤديان وظيفة واحدة وهي محاولة فهم العالم وتفسير ظواهره، فضلا عن أن العلم لم يصبح قادرا على تفسير صدقه الخاص فحسب بل على تفسير ما كان صادقا إلى حد ما في التفكير الأسطوري أيضا.
أما الصلة بين الاسطورة والتاريخ فهي قوية جدا فالمادة الاسطورية مصدر مهم للمادة التاريخية، ولفهم حقيقة العالم القديم، فقد كانت الاسطورة هي الوعاء الذي وضع فيه الإنسان القديم خلاصة فكره وأحداث حياته ومضمون حركته.
وتظهر علاقة الاسطورة بالفنون والآداب وكأنها علاقة اندماج كامل من حيث استفادة الفنون والآداب بعناصر الأساطير، وبما يكمن فيها من أخيلة مجنحة تلهم الأدباء والفنانين فيضا من الصور التي يعبرون من خلالها عن المعاني والرؤي والأساطير. من ناحية أخرى تضيف مادة زاخرة للثقافة الشعبية أو للفلكلور مثل الشعر الشعبي والأمثال والحكايات الشعبية والألغاز، وتشترك الأساطير والفنون الشعبية في أن كلا منهما مجهول المؤلف وكلا منهما ينقل شفاهة جيلا بعد جيل فتضيف إليه المخيلة الإنسانية ما تراه صالحا وتحذف منه ما تجاوزه الزمن.
وينتقل المؤلف إلى رصد عدد من الأساطير القديمة التي تركت آثارها الممتدة في الفكر الإنساني مثل أساطير مصر القديمة ومنها اسطورة «تاسوع عين شمس» التي تجسد الآلهة في صورة بشرية محضة وترتكز على فعل الخلق المادي والنشوء الجنسي والتناسل. واسطورة «إيزيس وأوزوريس» التي تجسد فكرة البعث وفكرة الحياة والخروج من رقدة العدم وتنتصر للعدالة وتصف القيامة والسيئات.
ومن بلاد ما بين النهرين (العراق القديم) يقدم المؤلف أساطير الطوفان ومنها الاسطورة السومرية (لوح نفر) وقد وردت هذه الاسطورة عن الطوفان على كسرة تمثل الثلث الأسفل من لوح عثر عليه في مدينة «نفر» بالعراق وهو لوح ذو ستة أعمدة خصص جزء كبير من محتوياته لقصة الطوفان ويرجع تاريخ هذا اللوح إلى عام 1600 ق.م، وتتضمن الاسطورة قرار الآلهة بإحداث الطوفان وتدمير الجنس البشري بينما تبدو بعض الآلهة غير راضية وغير سعيدة بهذا القرار بعد ذلك يظهر «زيوسدرا» بطل الطوفان السومري وهو ملك تقي كان شغوفا بالاتصال بالوحي الإلهي في الأحلام.
وقد وردت اسطورة الطوفان كذلك على اللوح الحادي عشر من ألواح ملحمة جلجامش، أما اسطورة الإله المفقود «فهي اسطورة حثية، والحثيون شعب هندو أوروبي سكن أواسط الأناضول وآسيا الوسطى، في بقعه تسمى «بلاد خاني» وفي هذه الاسطورة تتخذ الآلهة مظهرا إنسانيا فالإله تيليبينوس يغضب ويثور ويحنق ويختبئ ثم يعود ويظهر في وطنه. أما اسطورة «التنين» فتحكي صراع الأبطال أنصاف الآلهة ضد التنين، الذي يتخذ أشكالا مختلفة للحيوانات الوحشية، وقد ظهرت هذه الاسطورة قبل اليهودية في تراث الشرق الأدني بينما أخذها حاخامات اليهود وضمنوها كتبهم المقدسة باعتبارها من تراثهم. يقع الكتاب في (430) صفحة من القطع العادي.
++++++++++++++++++++++++++
www.albayan.co.ae
++++++++++++++++++++++++++
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved