الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th April,2005 العدد : 101

الأثنين 2 ,ربيع الاول 1426

استراحة داخل صومعة الفكر
رقص الفطرة
معيض البخيتان
166 صفحة من القطع الصغير
سعد البواردي

إذا كان للفطرة رقص كما اختار شاعرنا عنواناً لديوانه فإن علينا أن ننتظر على مسرح حياتنا حركات أشبه بالدعابة البريئة.. أو الدعاية لفرح فطري بريء من رقصة الثعبان (أو الشيطان) أو تلك الرقصة التي تسبق صرعة الموت..
هل إنها رقصة معاناة. وبخت جميل حاول شاعرنا معيض أن يعوضنا بها عن تلك الحركات التي تتلوى بها الأجساد ويتألم منها إحساس الإنسان بأنه ضحية ألم لا يملك كتم جراحاته.. ولا لجم صرخاته الموجد؟! هل ان رقصات فطرته طاهرة تؤرخ للحياة.. أم أنها ظاهرة إحساس بوجع إنساني متجذر في أعماق النفس يهزه هزاً دون إرادة منه.. ولا رغبة فيه؟!.. لننتظر..!
(الطاهرة والتاريخ) لعلها البوابة الأولى التي نلج منها إلى عالم رقصات طفولته الفكرية.. عما يتحدث؟
مرحبا أهلا بموفور الجنان
وبرب الجود والعهد المصان
مرحبا بالعدل في موكبه
خضرة الأرض وتاريخ المكان
بطليق الحب من مذهبه
ابيض منهم الخير مُعان
مؤمن يستقطر البربر
مثلما يجري به نبع الحنان
هل انه رقص قطرات المطر المتساقطة على أرض عطشى..؟ أم رقص الجنان والعطش وهو يستقبل في لهفة ماء السماء كي تطفئ لديه أداء ظمئه؟
مورق كالماء في غيمته
كل ما استكثرت الآفاق بان
وما دام شبهه بالماء فهو غير ماء.. بل هو شيء آخر أكثر ثراء. وأكبر عطاء أنه التاريخ حيث نماء الروح.. وري العقل..
كبرت قدسية الحب فما
انبل الجهد، وما أحلى الأذان
هتف الكون بأعلى صوته
ومدار الكون فينا الحرمان
وحدة مترعة الطيب كما
كشف الباري لها سر الزمان
كانت رقصة فرح فطري داخل النفس المؤمنة تمايلت حولها أبيات شعره مأخوذة بجمالها وجلالها.. ومن رقصة التاريخ إلى رقصة الرياض حيث سنابل الحب تحركها نسيمات الاشتياق.. والاستباق إلى مضامنها:
الرياض الرياض مهوى الصبابه
مأزر المجد والعروق المذابة
واحة أورق الزمان عليها
واصطفاها ملاحة ومهابه
كم تعرت وكم تصبت ومادت
واستبدت تمردا وصلابه
وما دامت مادت فإنها رقصت ولكن بإيقاع أحلى من إيقاع الطبل وأغلى من ضربات الدفوف.. انه يستعذب حركتها:
يا ابنة المجد حبك الفذ فينا
رائع المد مستهيم الصبابة!!
حدثينا عن التمزق قبلا
وعن الليل وهو يعلف غابة!!
حدثينا عن الدموع المذابة
وعن الهم بُعداه. وعذابه!!
وعن الطفل كيف يولد كهلا
وعن الشيخ كيف أبلى شبابه!!
تساؤلات ثرة تستوجب علامات استفهام (؟؟) لا تعجب (!!).. باسمها أقول له لا طفل يولد كهلا إلا إذا كان ظلا عاريا وسط خيال اليأس.. أما الشيخ وكلنا ذلك الشيخ الطاعن في السن قضى شبابه متراقصا مع إيقاع الحياة من حوله ككل الناس.. ولكن بحركات فطرية محكومة بقواعد زمنية لها رقصة عمل.. وحركة أمل.. كلتاهما كفتان لميزان طبيعي وطبيعي صحراوي يستمد من الجلد والجد والجهد والاجتهاد مقومات حياته..
يا رياض المطيبين تمادي
في هوانا.. وشرّعي أبوابه
بل نحن الذين نتمادى في هوانا وليست هي.. إنها مكان.. ونحن الإنسان الذين نعمر المكان ونملؤه بحركة الرقص الفطري.. لأنه العمار.. شاعرنا البخيتان
يحث عما وراء الحضارات:
الحضارات آلات وعبيد
بُنيت بالدماء وخبث الطوية
حسنا لو أن شاعرنا أعاد نظرته من جديد لوجد أن الشطرين في وضعهما الحالي من خلال الوزن لا يتفقان مع إيقاع الأبيات التالية لهما: يمكن لهم اتساق الحركة على نحو ما يلي:
الحضارات آلة وعبيد
بنيت بالدما وخبث الطويه
حائط الصين من عظام العرايا
وأبو الهول سره في الضحية
وعواميد عهد روما بثور
في صفا الأرض لم تزل تبدُ حية
وغزاة الفضا اباليس حرب
ضد معنى الوجود للبشريه
أوافقك يا صديقي أن الإنسان البائس دائما هو الضحية. على جماجمهم وأجسادهم وعلى وقع السياط قامت معالم حضارتهم.. وعلى الغزو تفتحت شهيتهم الجائعة، ولكن.. ألم تكن الحياة نفسها منذ ان عرفت وحتى اللحظة قائمة على حائط غير معتدل، القوي فيه يفترس الضعيف حتى خارج معالم سور الصين واهرامات مصر وعواميد روما.. الحروب المدفوعة بالكره والطمع والاحتواء والتفرد منذ القدم قدمت على مذبح التوحش مئات الملايين وأكثر.. وما برحت تقدم دون ان تتقدم شبرا واحدا نحو واحة الضمير والعقل.. إنه عالم مجنون مجنون..
(توثبات اللهفة) لا بد وأن تجيء سريعة واسعة الخطوات نحو هدفها:
يا حبيبي ارتجي لقياك من ألف وعام
ارضع الجوع عليها كلهيف الطين
في حكم المدى العطشان
لا قلبي ولى يوما، ولا البلوى معينه!!
يا حبيبي. آه.. لو اوجعتني لا..
شاعرنا يقدم شروطه المسبقة.. انه يقبل.. ويرفض من أجل المساومة أمام جلسة المفاوضات كما هي حال المفاوضات الدولية.. ولكن في النهاية تبقى كلمة القوي هي النافذة.. ورغبته هي المطاعة.. فهل شاعرنا فرض نفسه على حبيبه؟! أم أن أوراقه احترقت بعد ان اخترقت قلبه رصاصة الحب غير القاتلة؟ إنه
يعرفها بنفسه كما لو أنها لا تعرف!
فإلي يا حبيبي بعضنا لحم من الحرمان
بعض من ثرى الشوق وبعض آه
من خفق السكينة.. هكذا عدنا..
بعض (آه) تشكل مشكلة تماماً كبعض (ايه).. لا بد أن تأتي كاملة كي يتحدد المسار.. إلا انه لا يقدر على حسم الإجابة فهو متردد متردد وخائف فلديه طوفان الصحاري، وهوج الرياح، وعبر الدهر، وسفينة متأرجحة لا تبرح مكانها.. وهو يمسك بمجداف لا سلطة له:
تعالي وامسحي جرح الصبا المعلول
في دوامتي نفس حزينة
يا منى الروح تعالي كيفما شئت
لا كما شاء هو.. ولن تأتي فالتسول والتوسل فوق رصيف الحب لا يطعم فما.. ولا يبل ظمأ.. أشعر يا صديقي ان توثبات لهفتك جاءت باهتة دونما انتظرت.. فسردها.. وتقطيع أوصالها.. ثم طرحها كفكرة غير محكومة الصورة والإطار انتقص من جمالياتها.. ومن التوثب اللاهث إلى نفثة وجع أراد لنا شاعرنا معيض البخيتان ان نلتفت جميعا إليها ونصغي الى دقاتها الموجعة:
أثرت ان ألقي عزاي
من ذا يجاذبني مناي؟!
من ذا يلوّح بالشفيف
من الظما لبطاح ماي؟!
ديلم ما كرع الصبا
في كل منقوش انتشاي؟!
الشفيف. وبطاح الماء. وكرع الصبا.. وانتشاء المنقوش مفردات جافة لاهثة لعل في الآي ما يرطبها في ذهن المتلقي!
أهي عفريتة من الجن؟! أم ماردة من الإنس تلك التي من أجلها نفث وجعه؟!
جن الجبال دفوفها
هيمى وخطفتها ابتداي
ركضي تمرد بالهوى
هذا بداي. وذا بداي
وأرى العناقيد التي
تسري السراة بها صداي
هرمت بأوتاري الغنا
منذ متى مزج احتساي
حتى أنا يا صديقي أعلن على رؤوس الأشهاد أن مخيلتي هرمت بأوتار عدم الفهم ربما لقصور وعجز.. وربما لضبابية شعرية لا يفهم لغزها أحد. ليتك تستريح من لهث يجهدك.. ويجلد غيرك بسوط لا يضيف اليه تجربته.. ولا يضفي عنده معلومة..
هذه المرة أرجو ألا تنكسر الجرة.. فحبه مشحون بالانتظار.. أشد من القتل!
اين أنت يا حبيبي
ليلة السبت الذي ولى
وعصر الجمعة؟
اركض الساحات، والخانات
أخلاط من الأجناس مثل الامتعة
لماذا الركض.. اقطع المساحات والخانات أفضل:
السمات الكثر فيما
جاء هذا الجمع مكتظا. ولم تأت معه
حرموني منك. كم شابكتها
في هدب القلب طيوف موجعه؟!
ومن ذا يكون؟ لقد حكم على روحه بالتعب. وعلى بدنه بالخوف، وعلى دربه بالضياع لقد عذبه واسلمه الى درجة البؤس واليأس والحرمان! بعد ان طوف عنه في كل مكان فما رأى إلا اقداما حافية ورؤوساً مهطعة.
ما تعودت أرى في الخلق
إلا ما أرى فيك.. الجهات الأربعه
لقد دلنا عليه.. بدأت ملامح الصورة تقترب:
الشذى المرعوش، والنخل العوالي
والحريفات الثمار الممرعة واختلاط الضوء
هو نفسه ألمنا الى الحيرة من جديد.. إنه يسأله: من أنت؟! يطالبه بالدنو منه وقد هده هوس الشوق إليه:
ضمني.. ما ابرد الصحراء في الليل
المدى ما بيننا ما اجوعه..
لعله يقصد المكان بحرّه.. وقرّه.. برمضائه.. وجباله الممرعة.. هكذا أتصور..
هذه المرة اخذنا الشاعر معه في نقلة جديدة بعيدا عن اللهاث واللهفة. الى العيد بما يعنيه من حب وعطاء ووفاق:
ما أعذب العيد ما أذكى سجاياه
واسعد الخلق مزهوا بلقياه
وافلح المؤمنين البيض تعمره
والطاهر الحر والى وعاطاه
وانضر الناس في أزكى مباهجه
والكون منجزة حفلى، وأفواه..
اكتفي بهذه الأبيات مكتفيا من غنيمة العيد وبهجته بالإياب.. لأن ملامح وجهه مليئة بالتجاعيد.. وأعراض الأنفلونزا الحادة.. شاعرنا البخيتان جاء وفيا لشاعر راحل تميز بأصالة شعره.. وعذوبة فكره.. بلند الحيدري:
أرثي بلند وانه لخليق
وبمثله يتحسر المنطيق
بمثله هنا تعطي مفهوما عكسيا لا يقصده الشاعر.. والصحة (لمثله) يتحسر أرباب النطق أو المنطق على رحيله..
الشاعر الإنسان ملء اهابه
حب يمور ومرحب وصديق
مرحب هنا لا اعرف وظيفتها إن كانت من الترحيب فأرى بها أن تأتي هكذا (حب يمور مرحب. وصديق) القصيدة لمسة وفاء يشكر عليها صديقنا الشاعر.. وان جاءت دون مستوى الرثاء بسردها اللفظي والفني.. مثلا:
من أي مائدة طعمت وعرشا
في النفس منها ماء ورفيق
عرشا من العراش أمام قصعة اللحم هذا نفهمه.. إلا أن الذي لا نهضمه أن تحشر في بيت لا مكان لها فيه توصيفا ولا توظيفا.. أبيات كثيرة تشكو من الهزال لعل شاعرنا يعيد النظر فيها يطعمها من مائدة أكثر ثراء لغويا، وفنيا.. وأخاله يستطيع ذلك إن حاول.
مرثيته للراحل الشاعر محمد حسن عواد لا تبتعد في بنائها الشعري عن مرثيته لبلند الحيدري.. كلتاهما تفتقران إلى جرعة دواء منشطة:
أجتزئ من مرثيته الثانية هذه الأبيات:
تتهادى على التجاليد خصبا
آدمي التلوين. حر المفاد
أثملتنا من كل خلق طليق
مستشار المذاق والامتداد
والد مفعم البداءة ضخم
ينتهي عنده مدى الرواد
البداءة.. والضخامة مفردتان لا تصلحان لمرثية تمجد راحلا.. لعل اجمل أبياته في مرثيته تلك التي تقول:
سل كبار العقول والشعرعنه
ومحبي الإخلاص في كل داء
وتولى كالبدر في هالتيه
بين دفق السنا ومحض الوداد
مع أن البدر له هالة واحدة.. صورته الثانية منكسرة حين يتحول إلى هلال.. شاعرنا كما هو كريم في خلاله كريم في طباعه.. انه يتحدث عن كرم الطباع.. فأي انطباع أعطى لنا؟!
فرع القمة مرفوع الجبين
واثقا من نيلها. طلق اليمين!!
أين من أبلى وأعلى ذكره
عبرة تروى لكل المبصرين!!
جانب من الثناء في شعره يعني به من..!
علمونا الحب من نخوتهم
فتفهمنا الهوى مغتبطين
لماذا الهوى يا صديقي.. أليس الوفاء أحسن.. ومرة ثانية لماذا علامات التعجب إنها في غير مكانها الذي جاءت من أجله.. أخذنا شاعرنا معه في رحلة تاريخية أندلسية لبنت، الولادة بنت المستكفي:
لهفي على ولادة الأندلس
من ظلمة التاريخ في الأندلس
تغادر القوم على مجدهم
وقطعوه إربا في الفلس
فضيعوا ما اختال من ذكرهم
حتى السماوات طوال النفس
(تغادر) أبدلها بتكالب.. اختال من الخيلاء.. والعرب يا صديقي لا يختالون بأمجادهم وإنما يعتزون بها.. الأجدر إبدال مفردة (اختال) ب(ذاع) ماذا عن ولادة بنت المستكفي العنوان:
احدوثة تبقى.. وولادة
رمز الخرافي الذي ما التبس
اندى من البدر الذي ولدت
مارف في الأذهان أو ما همس
البدر لا يفيض ندا، وإنما ضوءا.. الند ملتصق اكثر بالطل.. وبالغيوم..
كانت، وكان الحب أنشودة
مشبوبة الأفواه مثل القبس
أبيات أخالها اقرب إلى التقبل نسبة إلى إخوانها.. كهذا البيت:
المارد الشعر. ومحمومه
في كل لون للحياة لعس..
مارد ومحموم يلعس.. او حتى يلحن بقصيد مذاق الشعر وثقافة مفرداته.. وخذ مثلا هذه الأبيات التي
والمترع العنقود ما تنتمي
اليه من ذوق طليق الهوس
فالمغرب الثرار قارورة
مرعوشة السحر رهيف المسس
حسنا إن منحنا شاعرنا بيتا نهتدي به في عتمة وغمة رحلتنا منحنا شيئا من أمل أن شاعرنا وقع ضحية افتعال وليس انفعال.. انه يستعجل ولادة شعره قبل ان يتشكل مولودا كامل النمو العضوي، احسب لو انه انفعل بالفكرة واسلم لها خياله ويراعه لأمكن له أن يعطينا عطاء ثريا نلتهمه كوجبة غذائية فكرية متكاملة العناصر البروتينية. والنشوية. والدهنية..
بآهته على الأندلس وولادتها.. بل وآهاته نقفل راجعين معاً إلى حيث جئنا.. وإلى حيث نلتقي داخل هذه الصومعة من جديد
أواه.. آهات توالت بنا
وجهشة في الصدر لم تتجسد
صدقت يا أخي.. ولكن الآهات لا تعيد مرؤوسا قديما فقد..


الرياض ص.ب 231185
الرمز 11321 فاكس 2053338

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved