Culture Magazine Monday  11/06/2007 G Issue 202
فضاءات
الأثنين 25 ,جمادى الاولى 1428   العدد  202
 

قراءات في الاختلاف الثقافي (2)
سعيد البازعي

 

 

أحد النقاد الذين عنوا بالاختلاف الثقافي هو الأمريكي أوين ألدرج Aldridge الذي يبرز المشكلات الكامنة في تبني المناهج البحثية الغربية في دراسة الآداب الآسيوية مستشهداً بآراء عدد من الكتاب الآسيويين الصينيين واليابانيين، إلى جانب باحثين غربيين سبقوا ألدرج نفسه إلى تبيان موقف مشابه. من أولئك هتشسون ماكولي بوسنيت الذي رأى في نهاية القرن التاسع عشر أن النماذج الأجنبية في الفنون الأدبية تصير بلا معنى (حين تحمل إلى ظروف اجتماعية واضحة الاختلاف عن تلك التي أنتجت في سياقها).

ولم يكن ألدرج أو بوسنيت الوحيدين في تبني هذه الرؤية بين المختصين الغربيين في النقد المقارن فقد أعلن ما يشبه آرائهما الناقد الفرنسي رينيه إيتيامبل Etiemble في حديثه عن أزمة الأدب المقارن ونقده للمركزية الأوروبية التي صبغت الدراسات المقارنية الأوروبية للآداب الأخرى وفي طليعتها الآداب الآسيوية.

الدارسون الآسيويون وذوو الأصل الآسيوي من المقيمين في الغرب، انطلقوا من هذا الموقف الذي سبق أن عبر عنه أمثال إتيامبل وألدرج. ومن أولئك الباحثة الأمريكية الصينية الأصل بولين يو والياباني المقيم في الولايات المتحدة تاكايوكي يوكوتا موراكامي. ودراسات هؤلاء ليست في تطورها بعيدة عن تطور الدراسات ما بعد الاستعمارية أو ما بعد الكولونيالية التي ازدهرت في الغرب منذ أواسط الثمانينات على أيدي باحثين معظمهم أيضاً من مناطق آسيوية أو إفريقية يقيمون في الغرب مثل: إدوارد سعيد وهومي بابا وعبد الجان محمد وتشاكرافورتي سبيفاك. فالموقف الأساسي متشابه أو واحد في جوهره من حيث إنه ينتقد الخلل في العلاقات الثقافية بين الغرب وغيره والفرضيات الأيديولوجية التي تقوم عليها تلك العلاقات فيما يتعلق بالمركزية الأوروبية أو كون الغرب هو المركز المهيمن بقيمه ومنطلقاته الفكرية والثقافية عموماً.

في دراسة بعنوان (مؤثرات تغريبية: الأدب المقارن والتراث الصيني)، تنطلق بولين يو، التي عملت أستاذة في جامعات أمريكية مرموقة مثل كولومبيا وكاليفورنيا لوس أنجلوس، من النظرة الدونية السائدة في الغرب لأية دراسات مقارنة تعنى بالأدب الصيني. غير أن ذلك لم يحل بالطبع دون نشاط بحثي يستهدف المقارنة بين الآداب الغربية والأدب الصيني، وإن كانت النتائج التي توصل إليها بعض الباحثين تستثير أسئلة منهجية تتصل بالفرضيات التي انطق منها أولئك الباحثون. فقد انطلق البعض، كما تقول يو، من القول بوجود (كونيات) universals أو مشتركات عالمية تبرر المقارنة بين الأنماط والأعمال الأدبية في التراثين الغربي والصيني، الأمر الذي أدى إلى توظيف للمقاربات أو النظريات النقدية الغربية في دراسة الأدب الصيني ابتداءً من النقد الجديد (أي النقد الذي تطور في الثلاثينات والأربعينات في الولايات المتحدة).

غير أن المشكلة في كل هذا، كما تقول الباحثة، هي في هشاشة الافتراض بكونية تلك الكونيات أو بما هو مشترك في تلك المشتركات: (عند التدقيق يتضح أن المشتركات الأدبية، دون اختلاف يذكر، مشتركات غربية) أكثر من كونها كونية أو عالمية، ويعني هذا أن المقاربات النقدية الغربية نفسها ليست سوى في نهاية المطاف سوى ما تبدو عليه، أي مقاربات غربية:

معظم المقاربات الغربية، من النقد الجديد فصاعداً، لا مقابل لها في الموروث النقدي الصيني، وتتأسس على مجموعة من الفرضيات الفلسفية والأدبية المختلفة، الأمر الذي يجعل من الممكن نبذها بوصفها غير ذات صلة في أفضل الأحوال، أو استعمارية ثقافياً في أسوأها.

ومن الأمثلة البارزة على التحيز الكامن في تلك المقاربات الغربية انطلاقها من المحاكاة بوصفها قيمة أدبية موروثة من اليونان وقلما تخضع للاختبار أو المناقشة لأنها تحولت إلى مسلمات. فمفهوم المحاكاة التي أكدها أفلاطون ثم أرسطو تقوم على وجود ثنائية أنطولوجية تقول بوجود حقيقة متعالية على الواقع التاريخي المعيش، وفكرة التعالي والمتعاليات عموماً غائبة عن الثقافة الصينية أساساً، كما تؤكد الباحثة.

النتيجة المترتبة على هذا والتي تناقشها الباحثة الصينية الأصل هو تأثير كل ذلك على دراسات نوع شعري مثل القصيدة الغنائية التي تتخذ منها مثالاً على كيفية نشوء سوء الفهم نتيجة لتحيز المقاربات والنظريات وما تنطوي عليه من مفاهيم ومصطلحات. فالانطلاق من مبدأ المحاكاة جعل القصيدة الغنائية، كما تفهم حسب الموروث اليوناني - الغربي، تتراجع في الأهمية مقارنة بالأنواع الأخرى، مثل الملحمة، إضافة إلى إساءة فهمها حين تدرس في سياقات أدبية غير غربية انطلاقاً من ذلك المبدأ. فالقصيدة الغنائية الصينية، مثلاً، لا تنطلق من مفهوم التخيل أو المحاكاة وإنما من مفهوم الصدق والحقيقة، وتقتبس الباحثة مقولات نقدية صينية قديمة وحديثة تبين ما تذهب إليه. فهناك شواهد نصية كثيرة تؤكد أن القصيدة الغنائية الصينية مرتبطة بوقائع تاريخية محددة، (القصيدة تقرأ بوجه عام بوصفها تعليقاً على وضع تاريخي معين) ومن واجب مفسر النص أو المعلق عليه أن يوضح المؤثر المسؤول عن ولادة القصيدة. بيد أن سؤالاً يتبادر للذهن هنا حول ما إذا كانت السمة التي تشير إليها الباحثة، أي ارتباط القصيدة بمناسبة أو ظرف تاريخي، هي في حقيقة الأمر من سمات الموروث الشفاهي بشكل عام وليس في الصين وحدها. فالموروث الذي تستمد منه الباحثة أمثلتها يعود إلى القرون الميلادية الأولى أي الفترة التي يصعب تصور أن تكون الكتابة فيها هي السائدة أو أداة التواصل بين الشاعر وجمهوره.

هذا التساؤل لا يقلل على أية حال من أهمية الأطروحة التي تبني عليها بولين يو مناقشتها، فالموروث اليوناني الذي تطورت منه مفاهيم الشعر الغنائي الغربي ومنها المحاكاة كانت تهيمن عليه الشفاهية، ومع ذلك كانت سماته الأساسية مختلفة.

من ناحية أخرى تثير الباحثة مسألة تحتفظ بوجاهتها بعيداً عن مسألة الشفاهية هذه، حين تشير إلى أن الباحثين في الأدب الصيني سواء كانوا صينيين أو متأثرين بالنظريات والمناهج الغربية يثيرون مسائل لا معنى لها في سياق ثقافة مختلفة، كما في بحثهم في ذلك الأدب عن أنواع أدبية لم تتطور في الصين لمجرد أن تلك الأنواع موجودة في الغرب. فانطلاقاً من القول بوجود مشتركات إنسانية على مستوى الأدب يضطر أولئك إلى تبرير لماذا يفتقر الأدب الصيني إلى المأساة والملحمة، أو، في الاتجاه المعاكس، تبرير لماذا تطورت أخيراً ولكن خفية. والنتيجة الطبيعية لذلك التوجه هي تبخر عدد من الاختلافات المهمة... في جوهر الأشكال والأنواع).

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «5135» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة