Culture Magazine Monday  11/06/2007 G Issue 202
فضاءات
الأثنين 25 ,جمادى الاولى 1428   العدد  202
 

رواد النهضة الأدبية ونقد التجربة:
مفهوم النهضة وأسبابها«1»
...د. سلطان سعد القحطاني *

 

 

عندما نتحدث عن النهضة يتبادر إلى الذهن كلمة نقيضة لهذه الكلمة، في دلالتها وما تعني، فالنهضة تعني التغيير، كالقيام بعد القعود، فالناهض بعكس القاعد، والنهضة تعني الحركة في مقابل الجمود؛ وهذا بالفعل ما حصل، بل هو السبب الرئيس في كل نهضة، فنهضة أوروبا قامت ضد جمود الكنيسة الكاثوليكية، ونهضة العرب قامت ضد تخلف العقل وجمود الفكر وتفشي الجهل وسوء الإدارة العثمانية وضعفها، وظهور العرقيات التركية، والدعوة إلى إضعاف اللغة العربية واستبدالها بالتركية المحكية وإقصاء العنصر العربي من التعليم.. والمدرسة (الرشدية) في كل من: مكة المكرمة والمدينة المنورة والأحساء، دليل على ما نذهب إليه، مما حدا بالعرب إلى إيجاد بديل عن هذا الفراغ العلمي والتجهيل ومسح الثقافة العربية، فأوجدوا المدارس العربية الخاصة، ومنها: مدارس الفلاح في كل من مكة المكرمة وجدة، ومدرسة العلوم الشرعية في المدينة المنورة، وخمس مدارس في الأحساء (في مدينة الهفوف) بالتحديد، ما بين 1019و1312 للهجرة، أي ما بين القرنين، السابع عشر والعشرين الميلاديين؛ منها أربع مدارس في حي (الكوت) الذي توجد فيه المدرسة الرشدية، التي تدرس موادها باللغة التركية، وتقصر دخول الطلاب إليها على أبناء الأتراك والمقربين منهم، كنوع من التحدي لهذا الاتجاه التركي العنصري؛ ولهذا اتجه الطلب إلى هذه المدارس العربية، التي تدرس باللغة العربية، بجانب (الكتاتيب) في المنازل ودور العبادة، كالمساجد والكنائس، حتى ظهور التعليم النظامي، الذي ظهر أول مرة في جبل لبنان، عن طريق الإرساليات التبشيرية التنصيرية، واستفاد التعليم الحديث من مناهجه، وكان في بدايته يدرس باللغة العربية على أسس حديثة منظمة، وكان العرب يخافون الانزلاق في هذه المناهج التي عادت تدرس بالغات الأجنبية، مثل مدارس جورج الخامس في البحرين. ومن هذه المقدمة يتضح لنا سبب ظهور النهضة العربية، فالعرب في هذه المرحلة الحرجة انقسموا إلى قسمين: العرب المسيحيون الذين بقوا على دينهم بعد دخول الإسلام، ولم يجبروا على الدخول في الدين الجديد، وفي هذه الظروف اتجهوا إلى التمسك بالعروبة للحفاظ على جذورهم العربية، فهي ورقتهم الباقية في ظل هذه الهجمة التركية، من جهة، وخوفاً من الانزلاق في الثقافة الغربية، من جهة ثانية، فاهتموا بعمل القواميس العربية، والأخذ من الجذر العربي القديم، مع الاهتمام بالترجمة إلى اللغة العربية. أما العرب المسلمون باللغة العربية للحفاظ على دينهم، لأنهم يعون جيداً أن الدين مرتبط باللغة، وهي محصلة العروبة والإسلام، على أنهما جسد واحد لا يقبل القسمة، وهو الدين الذي نزل بهذه اللغة. أما المسلمون من غير العرب فتمسكوا بالدين وأهملوا اللغة العربية، ولذلك دخلت عليهم الخرافات من الديانات القديمة، وخاصة الشرقية منها، مثل التقديس، وتعذيب الجسد والدروشة. وتفاقمت المشاكل بين هذه الفئات، وهب كل منهم يبحث عن مخرج أو ركن يلجأ إليه. فالمسيحيون يلتقون مع العرب في العرق، وليس أمامهم إلا التمسك بالعروبة لضمان بقائهم، كعنصر عربي بجانب العرب المسلمين، لذلك كان اهتمامهم بالقاموس العربي خدمة للعرب، من الطرفين، ولا ننس دور آل البستاني في هذا المجال.

إذن لم تأت النهضة من فراغ، بل كانت رد فعل على التخلف وفساد اللسان العربي، من جهة، وعلى سلب الأمة العربية ثقافتها بتدمير لغتها وعزل الشعوب الإسلامية عنها، من خلال مشروع (براون) عندما أسس لأدب الشعوب الإسلامية (إيران وتركيا)، في القرن السابع عشر، وأصبحت اللغة العربية مقصورة على العرب، ومن ثم ظهرت الجمعيات العربية ضد هذه التوجهات الاستعمارية؛ لقد ألمحنا إلى سبب ظهور هذه النهضة وتأثر رموزها بدراساتهم، وعلينا أن نتتبع هذه الرموز.

تقوم هذه الدراسة على تجربة عدد من النقاد العرب في بداية النهضة ووسطها، وهم رواد لهم وزنهم العلمي في مجال الدراسات النقدية العربية، كما أن لهم تأثيرهم في الحياة الأدبية والفكرية، وقد اخترت هؤلاء النقاد بناء على خلفياتهم الثقافية، والتقاء بعض أفكارهم النقدية، واختلاف المناهج النقدية في نتاجهم العلمي، على أن النص النقدي يعتبر من الإبداع لما يحتوي عليه من الفكر ومعالجة النص من جذوره، أو تقديم الأطروحات الفكرية مهما كان توجهها. وقد قام الرواد في العالم ببدء المغامرة النقدية للوضع الفكري السائد في ذلك الزمن، وكانت أطروحات طه حسين على رأس تلك القائمة النقدية في العالم العربي، ذلك الريفي الذي جاء للدراسة في الأزهر، وكان يحمل بين جوانحه فكراً نقدياً في مواجهة الفكر القديم في المؤسسة الثقافية، ولم يستطع أن يجابه ذلك الفكر بفكر مضاد، حتى عاد من بعثته إلى فرنسا، ولم يكن ذلك بسبب الدراسة في الغرب كما يتخيل البعض، فقد كان يحمل فكراً متقدماً قبل ذلك، وإشكالية النقد الثقافي ملازمة له منذ القدم، دعمها بما تعلم من الفكر الأوروبي، فقد كان مجدداً للفكر العربي داعياً للأخذ بالسبب الفكري الحديث، وتظهر تجربة طه حسين متأرجحة بين التراث العربي والفكر الغربي الحداثي، لذلك صنفه البعض من ضمن الحداثيين، وإن كان إلى المجددين أقرب، وإن كانت مرجعياته عربية غربية، فإن مرجعيات عباس محمود العقاد عربية خالصة في بداية حياته النقدية، لكنه لم يتقيد بالنص العربي التقليدي في حواراته النقدية، بل جدد في النص النقدي حسب معطيات العصر الذي عاشه معتمداً في الكثير من دراساته النقدية على علم النفس في التحليل العام للشخصية المدروسة مستنتجاً الملامح العامة من خلال الشعر والسيرة الذاتية. وإذا كان ذلك منهج العقاد في الدراسات النقدية، متأثراً في ذلك بالدراسات النفسية التي ظهرت في بريطانيا على يد أصحاب المدرسة العباسية، فإن ميخائيل نعيمة، ومحمد حسن عواد، وإبراهيم المازني، والعقاد، يعالجون النصوص الفكرية بالطريقة النقدية الحديثة، ذات الاتجاه النقدي الفكري، يختلفون عمن ظهر معهم في تلك الحقبة من أصحاب النقد الانطباعي، فالنقد عند هؤلاء فكري أدبي، وليس تطبيقاً تقليدياً. وستقوم هذه الدراسة على ثلاثة محاور، لكل محور فكرته الخاصة؛ وسنلخص في نهاية البحث آراء النقاد، حول الاتفاق والاختلاف، في المنهج والرؤية النقدية، وما دار حولها من نقد لتلك التجربة المتقدمة، ولأن البحث محكوم بالزمن فسنقصر الحديث على الجهود والرؤى التي دارت حول هذه التجربة النقدية المبكرة ومدى تأثيرها على المتلقي والناقد الحديث، على ضوء الدراسات الحديثة والتجربة النقدية فيما بعد.

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5703» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض - dr_sultan3@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة