صورة عائلية قديمة.. تجمع الإخوة والأخوات، إخوة وأخوات ليس لهم فروع ولا امتدادات.. وجوه بريئة.. خالية من الهموم.. مقبلة.. ليس لديها نوايا مسبقة!! هي بالزي الأصفر تجلس متقرفصة في الطرف، وعلي يجلس خلفها بوجهه الطويل، ناصر يجلس قربها راكزاً ركبته، موضي والعنود يحيطان بعلي، موضي ترتدي التايور الأخضر الذي أحضره أبي من لبنان والعنود ترتدي ثوبها الأحمر الطبقات الذي فصلته أمي لها!!
...إخوة وأخوات فقط!!
انظر للصورة الآن.. وجوه محملة بالتأويل.. بردود الأفعال.. بالفروع والامتدادات!! على.. تهمة زوجته ولا يريد لأي أحد أن يعكر مزاجها وبكلمتين منها تجعل منه بالونة حمراء مهيأة للانفجار!!
موضي.. أولادها وبناتها فوق الجميع.. تغضب من أمي إذا وجهتهم بكلمة!! العنود... تسير خلف رأي زوجها مهما كان إن رضي علينا رضيت وإن غضبت منا غضبت!! ناصر سافر لكندا وتزوج هناك يزورنا كل ثلاث أو أربع سنوات مرة!!
هي تنتقدهم دائماً.. وهم يهاجمونها لأنها العانس المعقدة التي تريد أن تربي الكل!! يريدون أن يحولوا البيت إلى منتزه لأطفالهم! وهي لا تريد أن يعبث أطفالهم بالبيت!! يريدون أن تتحمل لؤم زوجات الإخوة وكبرياء أزواج البنات!! وأن لا تغضب إذا قصروا في شيء!! بينما الويل والثبور لها إذا بدر منها تقصير ولو كان غير مقصود!!.
تصرفاتها متعمدة خبيثة بينما تصرفاتهم ردود أفعال فقط!!
تفاصيل كثيرة تحدث.. كلها تجتث الجذور.. وتعلي من الفروع!!
وجوه كثيرة تحيط بالصورة الآن.. وجوه مختلفة لا يجمعها شيء واحد!! وجوه تنتمي لأسر مختلفة!!
لكنها تحيط بالصورة القديمة!! وتتطفل على تفاصيلها الجميلة!!
شعرت أنها كف معلقة في الهواء!!.. مجتثة من جذورها.. مبتورة!! كف وحيدة.. مثبتة في أسمنت صلب.. أسمنت.. ينمو في مسام الجلد.. ويسد منافذ القلب الأربعة كف وحيدة معلقة في الفراغ.. لا جذور.. لا انتماء.. لا عاطفة.. ولا دم!!
كف مذنبة! وغريبة... ومعلقة في فراغ مظلم!
لكنها في داخلها.. في ذلك العمق الندي.. مازالت تشعر أنها تلك الطفلة الصغيرة بالثوب الأصفر..
طفلة تريد لمة الإخوة والأخوات تماماً كما في الصورة القديمة!!
هذا كل ماتريد .
