Culture Magazine Monday  11/06/2007 G Issue 202
ذاكرة
الأثنين 25 ,جمادى الاولى 1428   العدد  202
 

سيبقى أبو عذاري في الذاكرة
محمد بن عبد الرزاق القشعمي

 

 

أول مرة ألتقي بالأستاذ عبد الرحمن بن علي المريخي -رحمه الله- عام 1393هـ تقريباً عند زيارتي للهفوف وقبيل افتتاح مكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالأحساء.

إذ كلفت بالإشراف على دوري كرة القدم بين أندية هجر والتقدم من الهفوف والفتح من المبرز، وقد قدم بعض الشباب طلباً لرعاية الشباب بتسجيل ناد ثالث بالهفوف، وأعتقد أن اسمه (الأخوة) وهو في بيت صغير مبني بالطين في حي (الفاضلية) قرب (دروازة) الخميس مدخل الهفوف ناحية المبرز والدمام.

زرت النادي فوجدت فيه معرضاً للفنون التشكيلية ونواة مكتبة وضمن من رأيت إن لم تخني الذاكرة الأساتذة صالح الظفر وعبد العزيز أبو عيد وعبد العزيز المبارك وعبد الحميد البقشي الفنان التشكيلي الشهير فيما بعد.. وعبد الرحمن المريخي الهادئ والخجول جداً والذي قدم نفسه كشاعر.. في العام التالي أو الذي يليه 1395هـ افتتح مكتب رعاية الشباب بالأحساء وكلفت بإدارته.

وسجل النادي الذي انتقل لحي الصالحية وأصبح اسمه (نادي الجيل) ولحق به أندية العيون والنجوم بالشقيق والروضة بالجشة مع ضم نادي التقدم لنادي هجر.

بدأ في العام التالي وضع برنامج ثقافي تنافسي بين الأندية وكان نادي هجر والجيل في تنافس دائم.. وقد تحول المريخي إلى المسرح مؤلفاً ومخرجاً إلى جانب زميله عبد الرحمن الحمد وغيرهم.

أذكر أن أول مسرحية عرضت باسم الجيل ضمن مسابقة رعاية الشباب هي مسرحية (أوبريت نور الهداية) والتي عرضت في 18- 12-1396هـ وأذكر أنني بعثت بتقرير تفصيلي للصحف والمجلات المحلية مع مختارات من الصور وقد اهتم بهذا الجانب الدكتور عبد الله مناع رئيس تحرير مجلة (اقرأ) بجدة -وقتها- الذي نشر خبراً موسعاً واختار صورة مسرحية نادي الجيل (نور الهداية).

وأذكر أنه قد أقيم في العام التالي مسابقة عربية في سباق الدراجات -تجوب المملكة- وكان اختيار جدة للاستراحة وقد ذهبت مع أحد الزملاء لا أذكر هل هو أحمد المغلوث أم عبد الرحمن الملحم للدكتور عبد الله مناع في مكتبه بمطابع الأصفهاني وكان يشاركه المكتب عبدالغني قستي الذي امتدح نشاط شباب الأحساء وقال إن سبب اختياره نشر الصورة الفوتوغرافية والتي ترمز إلى الشياطين بقرونهم الطويلة وعباءاتهم السوداء كالأجنحة، وإن مثل هذا العمل لم يكن مألوفاً فهو يستحق الإشادة.

طبعاً كان هذا العمل بداية تحول المريخي للمسرح فقد استمر باذلاً جهده ومركزاً اهتمامه على الأطفال، ولهذا اشتهر بدوره بمسرح الطفل.

وكان غالباً ما يُختار عمله الفائز على مستوى المنطقة لتمثيل المنطقة في المهرجان السنوي على مستوى المملكة وقد اختير أكثر من مرة كتقدير له مع أحمد أبو ربعية - رحمه الله- عن منطقة المدينة لعمل جولة في بعض الدول العربية والأوربية المتقدمة في المجال المسرحي للاستفادة من خبرتها ونقلها للتطبيق.

انتقل عملي من الاحساء إلى حائل عام 1398هـ فاقترحت ضمن البرنامج الثقافي إقامة ندوة بعنوان (كيف نصل إلى مسرح محلي؟) بتاريخ 6-3-1400هـ واشترك بها المريخي بصفته مهتماً بالمسرح ورئيساً للجنة الثقافية بجمعية الثقافة بالأحساء إلى جانب كل من الأساتذة عبد الرحمن المقرن وسمعان العاني وعبد الرحمن الحمد وسليمان العصيمي.

وأذكر أن كل واحد منهم تحدث عن جانب من جوانب المسرح أو ألوانه، أما من نتحدث عنه فقد ركز على مشكلة النص المحلي بعد أن ذكر نوعين من المسرح هما المسرح التراجيدي والمسرح الكوميدي.. ثم تحدث باستفاضة عن تجربة العراق على سبيل المثال واختتم مداخلته بقوله: (أما ما يحصل عندنا في المسرح المحلي أننا نشكو من المشكلة ولا نحاول وضع الحلول لها.. ولو عملنا بصدق لحلها أعتقد أن المشكلة لن تبقى).

مع تأكيده على أن النص المسرحي يشكل نصف العمل المسرحي. وحمَّل وسائل الإعلام والمثقفين مسؤولية ذلك التقصير مع أهمية الاستفادة من التراث المحلي.. لقد تعمقت علاقتي بعد ذلك ببعض الشباب من الأحساء ومنهم المرحوم المريخي.

وكنت أدعوه دائماً بأبي عذاري وهي كبرى أبنائه رغم أنه رزق بعد ذلك بابن هو منذر، وكنت أصر على دعوته باسم ابنته فكان يتهلل فرحاً ويقسم بالله أن هذا هو الصحيح.. كنا نلتقي في منزل صديق الجميع عبد الرحمن الحمد رئيس فرع جمعية الثقافة والفنون بالأحساء.. وقد أصبح يهتم بالثقافة بمختلف أجناسها مركزاً على الفكر والإبداع.

لا أنسى قبل 25 عاماً عندما كنت مع بعض الأصدقاء نزورهم بالأحساء وعند مغادرتنا الهفوف قال إنه سينتظرنا في مخرج الأحساء إلى الرياض، فوجئنا بمروره على إحدى المكتبات واشترى مجموعة من الكتب التي تتحدث عن الأحساء مثل (شعراء هجر) للحلو، و(تاريخ ابن عبد القادر) وغيرها وأهداها لنا للذكرى..

كان وديعاً هادئاً لا يرفع صوته عند النقاش ولا يقاطع من يحدثه.. ورأيته وقت عرض احد أعماله منزوياً في احد أركان المسرح يتفرج بتوتر. وعندما انتهى العرض قام محتضناً الجميع ومشيداً بما قدموه. والذي لا يعرف عن قرب دوره في العمل يعتقد أنه متفرج عادي.. فهو يتحرك بكل بساطة وتواضع، ولا يحاول أن يلفت نظر الغير.

كنت مع أستاذي عبد الكريم الجهيمان في 15-10-1424هـ في ضيافة الأستاذ صالح أبوحنية في منتداه الثقافي بالهفوف. وقد افتقدت وجود أبي عذاري فعرفت أنه في مهمة رسمية في الأردن.

ورغم ما يعانيه من آلام في المدة الأخيرة فقد ضحى بصحته في سبيل إنجاز ما في برنامجه من مهمات ثقافية.. لقد عاد فاتصل بي معتذراً ومبدياً الأسباب فعذرته وشكرته..

بدأ المرض يزداد ومن مستشفى إلى آخر وذهب لدولة الإمارات للبحث عن علاج وعاد بلا فائدة.. وأنهكه المرض فزرته في منزله الذي يعج بالأصدقاء من فنانين وغيرهم، وكان رغم وهنه قطب الرحى.. نقل إلى المستشفى التخصصي بالرياض فزرته ووجدته متفائلاً ويشعر أنه قد تحسن وهو يقرأ في أحد الكتب ففرحت واتصلت بالأصدقاء بالأحساء وبالذات عبد الرحمن الحمد مبشراً، وطالباً منهم الاتصال به لرفع معنوياته.. وسريعاً ما عرفت أنه خرج من المستشفى بعد يومين من هذه الزيارة لأفاجأ بوفاته في اليوم التالي في منزله وبين أهله رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

لا أنسى ما قام به الأستاذ صالح بوحنية صديق الجميع فقد أقام حفل تكريم له على مسرح بيت الشباب بالأحساء قبل سنة من رحيله، وقد شارك بها عدد كبير من المهتمين من أبناء الأحساء والدمام وغيرهم، وقد تشرفت بحضور هذه المناسبة.. وقد استمعت إليه -رحمه الله- وهو يتحدث عن سيرته ومسيرته وشاكراً كل من شاركه حبه للمسرح بل لكل العاملين في المجال الثقافي الواسع، فله الرحمة ولأهله وأصدقائه الصبر والسلوان.

والآن ورغم مضي عام ونصف على فراقه أفلا يحق لنا أن نتذكره ونترحم عليه، ونشعل في ذاكرة أصدقائه وأبنائه قناديل الأمل والعمل؟!.

لإبداء الرأي حول هذا المقال،أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5820» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة