الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th August,2003 العدد : 24

الأثنين 13 ,جمادى الثانية 1424

الطفل والإعلام الإلكتروني 22

د. فهد بن عبدالعزيز الخريجي
أما الكونجرس فبدأ يتحرك ببطء نحو رفض البرنامج من خلال تصريحات بعض رجال الكونجرس. والادعاء بأن البرنامج مصمم لأبناء السابعة عشرة فما فوق. وهذا هراء لأن أكثر مستخدميه هم دون الخامسة عشرة. هذا البرنامج يعظم العداء للمجتمع والسلوك غير السوي . ويبني الشخصية الإجرامية وهذا ما دفع العديد من المثقفين الأمريكيين للاعتقاد بأن هذه اللعبة تجاوزت حدود العنف ودق وتر الجنس والأنانية لدى الشباب والأطفال، إن مفهوم الثروة والسلطة والسمعة يمكن اكتسابها في هذه اللعبة من خلال العمل الجاد وسرقة كل سيارة تعجب اللاعب والانضمام إلى صفوف المافيا واحتراف عملهم، فإذا أثبت اللاعب أنه موثوق به فيمكن أن ينفذ أعمالاً خاصة لرجال المافيا الكبار وقتل ونهب من يشاء، والويل لمن يخون اللاعب حتى النساء.
وأخيراً، حذر علماء الاجتماع وفي دراسات حديثة من بعض ألعاب الكومبيوتر التي قد تؤدي إلى سلوك تدميري أوله الإحباط النفسي وآخره العنف والسلوك العدواني والآثار المدمرة على المؤسسات والمجتمع. وهنا أتمنى على وزارة الإعلام والجهات ذات العلاقة ألا تبحث عن المبررات بأن هذه البرامج ممنوعة. فهي تباع من قبل أصحاب المحلات وفي السوق السوداء، وكهدية «ليس من الوكيل المعتمد» أحياناً مع كل آلة، تشترى بعيداً عن أعين الرقيب، فالتوعية والسلطة قوتان متلازمتان لحماية أطفالنا ومستقبل الأمن الاجتماعي.
ونظراً لأن هذا الموضوع له طبيعة التخصص فأرجو من الجهات المسؤولة أن تفكر في تكوين لجنة وطنية لدراسة الألعاب الإلكترونية التي تصدر العنف والإرهاب وتعلمه لأبنائنا وتزود وسائل الإعلام والجهات المسؤولة بتقارير دورية والسعي لإيقافها بالمصادرة وإصدار التنظيمات اللازمة لمواجهتها ومحاربة الإصدارات الجديدة، وتقوم بمبادرات بالتعاون مع المؤسسات الدولية في كبح جماح هذا النوع من الصناعة الشريرة لخدمة الإنسانية والسلام العالمي.
كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته. والمسؤولية أمر مشترك بين الجميع. والبيت في نظري هو الجهة الأولى المسؤولة عن ترك صغيره بين أحضان الذئاب الإلكترونية لتقوم بصياغة فكره المسكين في غير أوجه الخير لصالح الإنسانية. وهذا لا يعني تبرئة الجهات الرسمية من مسؤوليتها الأمنية تجاه أبنائنا وسلامة عقولهم من الانحرافات المؤدية إلى شرور الإرهاب. هناك مسؤولية تشريعية ورقابية تجاه حماية أبنائنا من سيل الانحراف الإلكتروني، فلا بد لهذه من استشعار المسؤولية الوطنية والبحث عن كافة السبل الممكنة لتفادي وقوع الأطفال فريسة سهلة لهذه الأدوات المدمرة. وأستغرب أنه نشأ في أمريكا واليابان وأوروبيا منظمات لمحاربة البرامج الإلكترونية الضارة بالأطفال ومحاربة كل إصدار جديد لا يخضع للقوانين التي كان لهم اليد الطولى في إيجادها، وبسبب جماعات الضغط صدر في العديد من دول العالم قوانين تحارب وتقنن مثل هذه البرامج الإلكترونية. ويتساءل اللوبي المدافع عن الأطفال عن هوية هؤلاء الذين يبتكرون مثل هذه الألعاب، هل هم أسوياء أم لا؟ أعتقد أن وصفهم بالأسوياء أمر يحتاج إلى نظر، فالتلذذ بالدم والقتل ودهس الأبرياء وقتل الأسرى في الحروب وانتهاك كافة أشكال حقوق الإنسان حتى في البيئة الافتراضية هو عمل مشين بكل المعايير الإنسانية.
وهنا أتساءل عن رقابة الإعلام وهيئات الأمر بالمعروف والأجهزة الأمنية الأخرى، هل لأن تربية الأطفال تربية وطنية صالحة ليست في قائمة الأولويات أو لضعف الامكانات، لعل هذه الأجهزة لديها من الأعذار ما تقدمه، فجهود التربويين تذهب هباء لأن الوقت الذي يقضيه الأطفال في صحبة الجهاز أكثر من البرامج التربوية المملة التي ينتظر متى الخلاص منها «ما أجمل صوت جرس نهاية الحصة ما يقول أحد الأطفال»، والغريب أن الأمهات يشعرن بالسعادة إذا انشغل الأطفال بالألعاب الإلكترونية أي المربية المخلصة «بيبي ستر». هذا بالإضافة إلى أشرطة الفيديو التي تنقل الطفل السعودي إلى عالم غير عالمه وتروج لثقافة غير ثقافته. ونحن في نفس الوقت ننادي الطفل بأن يكون وطنيا في اللباس واللهجة والأخلاق التي اعتراها الخلل. هذان خطان لا يلتقيان ونحن بحاجة إلى إعادة حساباتنا تجاه الأطفال الذين يستحقون الكثير من العطف والرعاية.
بكل تأكيد إن للألعاب الإلكترونية تؤثر على صحة الأطفال النفسية والبدنية. من الناحية النفسية هناك عدة أمور منها أن الطفل لا يستطيع التفريق بين الحقيقة والخيال، وهذا بطبيعة الحال سوف يقوده إلى تطبيق بعض ما يمارسه في اللعبة علي أرض الواقع. فمثلاً رجل الشرطة في ذهن الطفل شخص شرير يمنعه من تحقيق رغباته لذا يجب التخلص منه، فالصورة الإيجابية يحل محلها صور جديدة تكبر معه، وربما يعبر عنها عندما يكبر بأشكال من الاحتيال والعدائية. وكذا يمكن النظر إلى امكانية أن يقدس الطفل ثقافة أخرى يرى فيها مظاهر الحرية الزائفة والقدرة على فعل أي شيء بدون أن يقول له أحد لا.
ولعل حالات الصرع التي يصاب بها بعض الأطفال بعد ساعات طويلة متواصلة من اللعب الإلكتروني دليل على النتائج غير السا رة من التفريط في ترك الطفل البريء بدون توجيه سليم. في حالة الصرع يزداد النشاط الكهربائي في المخ وحدث طاقة زائدة بسبب الضغوط التي يتعرض لها الطفل مما قد يسبب تشنجات قد تؤدي إلى تلف أجزاء من المخ وأدائه الطبيعي
. حالة أخرى وهي أن أطفالنا يتعرضون لضغوط هائلة لا يشعر بها الأبوان اللذان ينظران إلى جسد الطفل وينسيان عقله. فهو يدخل في عمليات قتالية عنيفة فيها سفك دماء وتدمير وتخطيط. أو يلعب كرة القدم في منافسة مع جهاز الحاسب الذي لا يكل ولا يمل. وكلنا يعرف ما الذي تولده الحروب من الأمراض النفسية.
هناك تغييب كامل للثقافة السعودية في مجال الألعاب الإلكترونية. بالطبع هذه ليست الحالة الأولى التي يظهر فيها عجز الإعلام المحلي عن تغطية احتياجات فئة من أهم فئات المجتمع، فالاستثمار في مجال الطفل يكاد يصل إلى درجة الصفر في دراما الأطفال المحلية والكرتون وبرامج الفيديو وألعاب الدمى الثابتة والمتحركة «باستثناء محاولات في المطبوع» وغيرها كثير. هذه الأنشطة الإعلامية هي التي تعزز الثقافة الوطنية في عقول الأطفال سواء في الولاء نحو الوطن والعقيدة والعادات و المأكل والملبس وطريقة الحياة عموماً. والظاهر للعيان أن الطفل السعودي يتشرب ثقافته من مصادر يابانية وأمريكية وأوروبية وغيرها. بالتأكيد أن هذه مشكلة وعلاجها يجب أن تكون على المستوى الوطني. ولو أضفنا إهمال العديد من الأسر لأبنائهم وتركهم في رعاية السائق والخادمة فإن الصورة لن تكون حسنة في مجال جهود الأسرة وغيرها السلبي في المحافظة على الثقافة الوطنية وجذورها الأصيلة. حتى ثقافة السلام التي ننادي بها وهي من أصول ديننا، أصبحت تترنح بين مفاتيح الأجهزة الإلكترونية التي كما ذكرت سابقاً تغذي العنف والكراهية وسوء الأدب، فهل يستيقظ الآباء من غفلة حب الذات ويعطون أبناءهم قليلاً من الوقت عائده كبير على الأمة والأسرة ويحافظ على مكتسبات المستفيد الأول الطفل الذي يعود إليه الأمن والاستقرار النفسي ويصبح عضوا صالحاً في مجتمعه.
الحل لن يكون في يوم وليلة. والجهات المسؤولة بالتأكيد تملك النوايا الحسنة بحكم طبيعة عملها وانتمائها لهذا الوطن. وليس هناك أب أو أم ترجو الشر والدمار لطفلها العزيز. فالشروط الأولية موجودة دائماً لكن المهم أن يكون كل منا رقيباً على نفسه وبيته، ويسأل كل منا نفسه هل جلس وشاهد محتويات هذه الألعاب التي يقضي معها الطفل جل وقته، وهل هذه المحتويات مقبولة أم مرفوضة. إن مجرد البدء في إحاطة الطفل بهذا النوع من الرعاية هو كذلك خطوة للأمام.
لكن الأهم هو دور المؤسسات الرسمية المسؤولة عن الأمن الفكري. ليس كسلطة قمعية ولكن كجهة موكل إليها أمن الطفل الفكري وحمايته، وهذه المؤسسات منتشرة في كافة أنحاء الدول المتقدمة مادياً وهي مخلصة في عملها، ولا يفسد جهودها إلى التخبط في تعريف المصلحة والمفسدة، أما نحن فنملك صورة رائعة ووضوح رؤية عن هذه القضايا، ولكن عدم الحرص والصبر على المتابعة آفة مزمنة لدى العربي في هذا الزمان. فأصبحت الأمور تنسي بعضها بعضا، فلا هذا ولا ذاك أمسكنا. حتى على مستوي القضايا الإدارية نجد أن عدم المتابعة آفة مزمنة تحتاج إلى علاج طويل الأمد. هذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي بل يجب أن ننظر إلى كل لعبة تحارب الأمن الفكري للأطفال على أنها شبيهة بالمخدرات لكن المتعاطين بسطاء جداً وطيبون جداً، ويحتاجون إلى حماية حقيقية سواء في المملكة أو كافة أرجاء العالم.
وأعتقد أن التواصل مع المنظمات الدولية سيكون مقدراً لنا من قبل جمعيات حقوق الإنسان والجمعيات الخيرية الأخرى المهتمة بصحة الطفل النفسية والعقلية. بالتأكيد أن الذي سيحارب هذا التوجه هو الشركات المصنعة واللوبي المؤيد لها والموزعون المحليون الذين لا يخافون الله في حق الأبرياء الصغار.
أما سبب نجاح هذه التجارة هو ر جال الأعمال الذين عرفوا قيمة هذه الصناعة وأنفقوا أموالهم في تطويرها حتى أصبحت تدر البلايين على أصحابها. وهي صناعة مساندة للفيديو والأفلام وأصبحت بوابة تسويقية مهمة لهم.
أما رجال الأعمال في المملكة فهم مقصرون، من وجهة نظري، في الاستثمار في صناعة إعلام المحتوى مع أن لهم أسهماً في العديد من الشركات الدولية.
وهل تعلم أننا لو تمكنا من هذا النوع من الصناعة لاستطعنا الوصول بالثقافة السعودية إلى أعماق العالم. ولأمكننا تصدير قيم إنسانية عالية الجودة في مجال السلام والأمن العالمي وستجد الكثير من الأسر التي تقدر ذلك بل وبحاجة إليه بغض النظر عن مصدره.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved