الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th August,2003 العدد : 24

الأثنين 13 ,جمادى الثانية 1424

قصة قصيرة
هند بنت سعد
أي الأثواب أجمل؟!

كم تبدو جذابة وأنيقة بثوبها النيلي الفاخر. تمرره على جسدها المرتوي بترفق الخائف وحرص الأم على الرضيع. ثم تقلد عنقها بعقد اللؤلؤ وتصبح حينها كأميرةمن أميرات ألف ليلة وليلة. إلا أن زرقة الثوب ولمعان العقد لا يمنعانها كل مرة من سكب دموعها بسخاء لتلبس ثوب الحزن فوقه وفوق كل الأثواب..
عندما يضنيها الشوق إليه ترتديه مع عقدها هذا المهدي إليها ليلة الزفاف فلا يكاد يفارق عنقها في كل مناسبة. ثم تقف أمام مرآتها الطويلة كل مرة تحاور ذكرياتها معه بالرغم من مرور حولين كاملين على الانفصال. تتحسس قماشه المطرز بأطراف أناملها المرتعشة، ابتداءً بكتفيها وانتهاءً بالخاصرة حيث تتوقف الذكرى الجميلة!!
تحاول الآن جاهدةً كبح جماح الدم في عروقها ولملمة جسدها حتى لا يذوب من تحت الثوب! نبضات قلبها في هذه اللحظات أمام المرآة تكاد تسمع، تهزُّ فرائص صدرها هزاً فتزيد معها لمعة اللؤ لؤ.. هاهي تمارس طقوس المسرحية ذاتها من جديد. فتمد ساعديها لتضم المرآة بحضنها الدافئ الذي تكاد حرارة شوقه تذيب الجليد، تتماوج ألوان دموعها بين شفافية المطر وطوفان زرقة ثوبها باهظ الثمن.
لبستك أجربك أمامه ذات يوم وقال لي حينها:
آسرة.. كأنك البدر وقد تلفلف بأطراف السماء!
عندها ابتسمت كما لم ابتسم.. حملت طرفيك هذين برقةٍ متناهية ومشيت مشية سيدة مخملية على بساط أحمر طويل ذاهبة الى هذه المرآة.. تأملني ثم قال:
حدثت نفسي كثيراً ما الذي سيليق بحبيبتي؟.. اخترته بعد حيرة شديدة من بين عشرات الأثواب الباريسية. رمى بنظرة اعجاب ثانية ثم تابع: يبدو أنه اختيار صائب كما اخترتك قبلاً فكنت الدانة الأنفس.
فرحت بكلماته التي أخجلتني حتى أحمرت وجنتاي. ثم بللت شفتاي كعادتي استعداداً للحديث إلا أنه وقف بجاني هنا وأسند ساعده الأيمن على كتفي ووضع راحة كفه العريضة على فمي، ويده الأخرى كانت تلف خاصرتي..
لا لا تتعبيها بالكلام.. أريدها دائماً طرية لامعة دون أن تشوهها عبارات ليس لها من داع، يكفيني الصمت.
«فجأة انطفأ وهج عينيها وهدأت رعشة قلبها الذي كان يعمل قبلها كمصنع نسيج! اختفى لمعان اللؤلؤ. نظرت الى الثوب بأسى وتلمسته في المرآة.. ثم ابتسمت بعينين دامعتين وصوت يتأجج حسرة»:
أخرج كاميراه التي يحملها دائماً معه كسائح وقال:
هيا رجاءً ركزي معي وانظري الى البؤرة بعمق.
«كانت هذه اللحظات هي أصعب لحظات المشهد أداءً للسيدة الشابة، فاسترجاع ذكراه يسبب لها الألم وانتفاضتها لارتداء لباس الشجاعة والجرأة فجأة لم يكن سهلا البتة ولا يزال كذلك.. فقد نظرت الى الآلة بين يديه باحتقار ثم اتجهت بسرعة نحوها.. أخذتها.. قذفتها برعونة.. كسرتها!!
هكذا فجأة مر شريط ذكرياتها معه أمامها، دائماً كانت تقف هذه اللعينة بينهما، فحين تزداد اللحظات حميمية وتلقائية وتنساب كماء زلال تقفز بينهما كدملة خبيثة. هذه المرة ثار البركان الخامد فيها ثورة تتماشى مع برودة الكاميرا».
لم تحسن يوماً قراءة صمتي الذي مللته . تبًّاً لك ولآلتك التي تخنق كلماتي وتجعلني منحوتة خرقاء، تعبت ومللت ولم تمل أنت أو تكل. أليس لك طاقة احتمال؟
كان هدوء ردة فعله قاتلاً بالنسبة لها. في البدء تفاجأ بمظهرها الجديد.. فتتابعت أنفاسه بسرعة وابتلع ريقه بمرارة. نظر الى الارض للحظات قصيرة ثم الى الكاميرا المكسرة أمامه. وبعد ذلك تفحص الواقفة جواره من رأسها وحتى اخمص قدميها بنظرات شزرى ثم قال بكبرياء حاول تصنعه رغم العبرات المخفية:
خلتك سعيدة بي و... معي!!
مشى برزانة مصطنعة وكتفين منحنيين نحو خزانته، لبس ثوبه ولم يضع في جيبه غير محفظته وجواله ومفاتيح سيارته. بعد ذلك حمل ألبوم صوره الذي كان في درج المنضدة جوار السرير وما تبقى من كرامته وخرج الى غير عودة.
وبعد الانفصال حاولت كثيرا استرجاعه بشتى السبل ولكن!! في كل مرة كانت تحاول مكالمته يقفل السماعة قبل ان تبدأ الحديث. فتنظر هي بدورها الى الثقوب الصغيرة المدورة الموجودة في سماعة الهاتف وتضحك بمرارة قائلة: «عربيٌّ أنا..!!» ثم تجلس مع نفسها الجائرة وتعنفها بقسوة معهودة: «كيف؟ كيف غاب عني أنه لا يستطيع رؤية الأشياء على حقيقتها إلا بعين الكاميرا؟! كيف كيف نسيت ذلك أو تناسيته؟!!»..
وبكلماته التي قالها قبل ان يخرج ورددتها هي أمام المرآة انهت المشهد.
وبعد ذلك تفحص الواقفة جواره من رأسها وحتى اخمص قدميها بنظرات شزرى ثم قال بكبرياء حاول تصنعه رغم العبرات المخفية: خلتك سعيدة بي و... معي!! مشى برزانة مصطنعة وكتفين منحنيين نحو خزانته، لبس ثوبه ولم يضع في جيبه غير محفظته وجواله ومفاتيح سيارته. بعد ذلك حمل ألبوم صوره الذي كان في درج المنضدة جوار السرير وما تبقى من كرامته وخرج الى غير عودة. وبعد الانفصال حاولت كثيرا استرجاعه بشتى السبل ولكن!! في كل مرة كانت تحاول مكالمته يقفل السماعة قبل ان تبدأ الحديث. فتنظر هي بدورها الى الثقوب الصغيرة المدورة الموجودة في سماعة الهاتف وتضحك بمرارة قائلة: «عربيٌّ أنا..!!» ثم تجلس مع نفسها الجائرة وتعنفها بقسوة معهودة: «كيف؟ كيف غاب عني أنه لا يستطيع رؤية الأشياء على حقيقتها إلا بعين الكاميرا؟! كيف كيف نسيت ذلك أو تناسيته؟!!».. وبكلماته التي قالها قبل ان يخرج ورددتها هي أمام المرآة انهت المشهد. وبعد تفكير متواصل ساعات طويلة مجهدة ومرهقة، قررت إنهاء المسرحية غداً منتصف اليوم!! في المشهد الأخير ستكون هي كل الطاقم.....لا لا لا لن تنتظر الى الغد ولِمَ الانتظار؟ ستبدأ بتجهيز المكان وأدواته منذ الآن.. زادت حماستها وبروح وثابة ونفس خفيفة وابتسامة خلابة ظهرت على محياها بعد غياب طويل رتبت المكان كالمعتاد ولكنها احضرت أدوات جديدة هذه المرة.. بعض أعواد الثقاب وحاوية نفايات كبيرة كانت في فناء البيت الخلفي، وكرسي من غرفة الطعام المجاورة لتكسر برجله المرآة!
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved