الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 11th October,2004 العدد : 80

الأثنين 27 ,شعبان 1425

الكتابةثورة..أم إثارة؟!
عمر طاهر زيلع
أكاد أجنح إلى الرأي القائل: إن الكتابة العربية أو الخطاب القولي العربي، لا يزال أسيراً للأسلوب الشاعري الاندفاعي، والعاطفة المشبوبة، والرؤية الفردية التي تفتقر إلى الموضوعية، واستقطاب العلاقات، والتشابكات، أي أنها تفتقر إلى ربط القضايا التي تطرحها أو تناقشها بسياقاتها التاريخية والاجتماعية، ومؤثراتها الداخلية والخارجية، فهي تعتمد إما الإثارة وإما الثأر، مما يبعدها عن صفة الكتابة الثورية البنَّاءة التي تشير إلى الأخطاء ثم تورد البدائل التصحيحية بأقل قدر من المضاعفات المحتملة، بمنهج واضح الكتابة تصبح بذلك (الافتقار) وبتلك (النظرة الأحادية) وبذلك (الحماس المفتقر إلى توازنه المنطقي) سواء كانت في صورة مقال صحفي أو كتاب فكري، أو حديث إعلامي، أو في أي صورة أخرى، تصبح عملاً استهلاكياً عابراً هامشياً لا يلبث أن يتخذ طريقه إلى بحر الصمت سرباً، لا يؤثر، لا يعالج، لا يصحح، بل يخلف لدى صاحبه قدراً من الغبطة النفسية الخادعة، وحفنات من كلمات ثناء تصدر من قارئ هو في حد ذاته يفتقر إلى المقومات التي يحتاج إليها الكاتب نفسه مع الأسف الشديد.
ذلك هو الفرق بين الكتابة (الثأر، أو الإثارة) وبين الكتابة (الثورية) البناءة المؤسسة على إدراك الواقع وقضاياه المتشابكة مع سياقاته المتعددة وتقديم البدائل والحلول الممكنة زمنياً من دون القفز على نتوءاته وعقباته بجناح عصفور صغير حالم، وأسلوب اندفاعي حاد يضيع بين الواقع وما يجب أن يكونه مستقبلاً.
من هذا القبيل ما نشرته صحيفة الوطن المحلية للكاتب اللامع الدكتور علي سعد الموسى يوم الأحد 1281425هـ ثاني أمام الملتقى الثقافي في الرياض على ما أذكر ورغم أنني نسيت النسخة التي نشر فيها مقال الكاتب الصديق علي الموسى في فندق ماريوت بالرياض إلا أن فكرة المقال لا تزال عالقة بذهني وملخصها، أن الكاتب لا يرى أن البلاد ستخسر شيئاً في حالة تهدم الفندق (ماريوت الرياض) على من فيه من المثقفين السعوديين الذين دعتهم وزارة الثقافة، والإعلام في صعيد واحد، هذا هو ملخص فكرة مقالة الموسى كما فهمتها، أسلوب رائع ولا يحتاج إلى شهادة من مثلي، أما مضمونه.. فلا يتجاوز جملة وتفصيلاً حدود الإثارة الذاتية المفتقرة إلى مقوماتها التنويرية البناءة، فالمثقفون السعوديون وهو واحد من أبرزهم، إنما حضروا ليدلوا بشهاداتهم على أخطاء وسلبيات المراحل السابقة، وهم في معظمهم إنما يمثلون من حيث الرؤية والرصيد المعرفي أجيالاً متداخلة صاغتها مؤثرات تلك المراحل التي جاؤوا يناقشون سلبياتها وإيجابياتها ليسوا من صناع ظروفها وقراءاتها، مثلهم مثل الشرائح الأخرى من المنظومات المتعددة، وكانت المحصلة النهائية لكل ذلك، توصيات (لا قرارات) خلَّصت طروحاتهم التنظيرية المفتقرة إلى النظرة الشمولية نفسها التي افتقرت إليها كتابة الصديق علي من معظم ذاتياتها، وتهويمها ومنحتها والحق يقال شيئاً من التوازن المنطقي الذي سيكون كما نرجو منطلقاً لِما سمّوه (استراتيجية المستقبل الثقافي.
الملتقى الثقافي يا عزيزي علي وأنت أوسع دراية مني، في دورته الأولى يعد حدثاً كبيراً بما أكده من الرغبة في المراجعة ووعاءً كان رحباً لسماع كل المقترحات والأحلام، كان منبراً لسماع المنطوق والمسكوت عنه، وتجديداً للآمال اليائسة في تحويل التوصيات إلى لوائح تنطلق بها مسيرة الثقافة نحو الممكن.
ومع ذلك كله أجدني مضطراً للقول: إن الصديق الموسى قد أعلن من خلال مقالته تلك عن ذاته بوصفه المثقف الأوحد بمصادرته سائر مثقفي البلاد، فهل يحق لمن يحارب المصادرة أن يصادر أيضاً؟
تلك هي مأساتنا الدائرية..
والله المستعان..
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved