الموت لا مفر منه.. إنه القضاء الذي يمهل ولا يهمل تماماً كحكم السماء فيمن يفسدون في الأرض.. |
(والآن وحدك من سينجو شارداً. ومشرداً |
وإذاً ستسأل. هل ستهملني الرصاصة في امتهان ابلد ذوداً عن الأشخاص؟) |
الرصاصة واحدة من أدواته.. لو أهملتك فلن تهملك أدواته الكثر (تعددت الأسباب والموت واحد) |
(كان في حاله).. ماذا جرى له؟ سؤال على عنوان مقطوعته الثانية المزعومة بالكان.. وما أدراك ما كان: |
(كان فينا وبالأمس بشر أصحابه باقتراب ارتفاع الأذى |
كان في قطرة الحبر فوق الورق. |
كان في نجدة الضوء في المفترق) |
كان لها خبر.. أين الخبر؟! |
(كان ثمر الطويلات حين تمايلت الأرض من تحتهن |
وحطت على دربهن الفرات. |
فهل يستطيع التخلي عن الموت. حتى يموت؟! |
وهل يستطيع اجتياز الحواجز من حوله حتى انهيار البيوت؟! |
إنه كل شيء.. يقول ولكن.! |
تركناه يسمع كل السكوت!) |
الجواب من فم الشاعر الذي سبق: |
(لقد اسمعت لو ناديت حياً |
ولكن لا حياة لمن تنادي).. |
إجابة خبرية كافية لكان.. |
(كما تشاء بك القصيدة) محطة ثالثة آثرت الوقوف عندها: |
(تحتاجك الأضواء مرتين لكل عام وهجها |
وتحتمي الظلمات من سقطاتها بكل مرة في كل يوم |
أي نصف الوقت هذا؟ |
وأي ساعات ستملك نصفها |
قد لا يجيئك آخر الأيام صفحا.. ربما) |
استغراق تأملي أبحر شاعرنا فوق شراعه سؤاله إجابة، وجوابه سؤال لمن يفك أسرار ما وراء السطور.. وما خلف المستور.. يبتعد عن الحياة حيناً.. ويقترب من الموت أحياناً في صراع يتقاطع فيه الأمل بالألم.. والحلم بالعلم.. |
النسور من حولنا تحوم.. نسور بشر مستشرية لا نسور طير.. لن يشبعها ما تأكل.. جوعها الكافر يلتهم الأخضر واليابس.. |
(محاكمة المكسور تماماً) نهايتها الحكم بالموت لأنه مكسور مهيض الجناح.. من حصاد محكمة الأقوياء نبتعد حتى لا تلحق بنا تهمة التحريض على العنف. أو الطعن في شرعية المحكمة الأممية.. ونبحث عن تلك الأنفاس القصيرة التي تتردد: |
(وان كنت ممن يعدون في الأرض ناسا |
وان كنت ممن يظنون سكتة قلب الوحيد نعاسا |
سيمضي بك الدرب في كل نحو لترجع وحدك |
ترجع فيك الجيوب لباسا) |
لا بأس.. فاقد الشيء لا يعطيه يا أكرم.. زدنا من كرمك كي نشبع أولاً، ونعطي ثانياً من مائدتك الشهية.. |
(همهمات افتراضية) توقف القافلة عندها يستلزم طويل وقت لأنها موحية مشبعة بالصور والدلالات.. وحتى أقدمها مبتسرة آثرت أن اتجاوزها ولا اتجاوزها.. مكتفياً منها بهذه المقاطع الرائعة التي لا تحتمل التعليق: |
فنخشى عليه.. |
لهذا سنختصر الطول في أقصر |
ونختبر العرض بالافتراس) |
وكفى الله المؤمنين القتال.. وما كل ما يُعرف يقال.. نترك الصلصال فأمامنا ترحال.. وندع قصائد السكون فقد شبعنا سباتا وبياتا منها.. حتى تلك الاحتفالات التي لا تعني الفرحين تثير لدينا لواعج الأسى.. نسارع الخطى فأمامنا درب أشواكه أشواق لأن في لسعها، إيقاظ حياة.. (ما زال منهمو هناك) (في حدود الشعر) (مواسم) (في الغاية امن) (الطفل القتيل) (ككلام العاذر للمعذور) (دوائر لهذا الصمود التيه) جميعها منابت خصبة في حقل الوعي الشعوري تتنفس حبا، ووجعا، واعترافا، واعتراضا.. وتزهر.. وتنهر.. ولكن دون تجاوز.. إنها حقل كلمات شعرية شاعرة بأن للمشاعر صوتاً حين يتملكه الصمت يتحول إلى فقاقيع.. وإلى زبد.. ولان للحياة عيوناً غنى لها فيصل أكرم على وقع أوتار إيقاعاته الموسقة: |
(اقبض على الأوتار |
هز أصابع هدها التهذيب، غن |
وقف على ريح تمد لسانها |
في وجه من سرقوك صوتك |
اقبض على الاسرار.. |
خذ يديك إلى المفازة، والغبار |
هناك كن.. وإذا تعود |
اشطف حياتك، اكشف جراحك |
انثر ضمادك أو رمادك في الشواطئ |
قبل أن تصطاد موتك) |
بين نقطة الضعف.. ومنعطف القوة يتحدد مسار الحي.. خيار واحد لابد منه.. ان يكون أو لا يكون..! (فرق الطبيعة) و(بوابة أولى، وأخرى) لم يسمح لنا معا قطار الرحلة بالتوقف.. اختار لنا وقفة مع (يقول الذي) تُرى من هو؟ وماذا يقول ذلك الغامض؟ |
(سأهديك قفلا |
وانظر كيف ستأتي بباب |
يصد الهواء الذي اهتاج فيك، وفي بيت جارك. |
سأهديك فعلا.. واصمت) |
هات هديتك.. وما عليك بعدها ان تصمت.. الصمت حكمة بليغة حين تتجاوز مرحلة الضعف: وهكذا جاء صمته لأجل ان يستمع إلى الاغنيات الفريدة التي تعقب لحظة الانتصار لو انه جاء.. وحين لا يأتي: |
(سأبكي لديك، وليس البكاء لديك عليك |
سأبكي على كل ماء خسرناه |
على كل جرح فتحناه |
قل إذاً: للدماء ارجعي |
(يقول الذي لا يريد التجني.. |
على من قضى رافعاً إصبعيه) |
هكذا قال لنا بين التذكير والتحذير.. وهذا بدوره يكفي فلا حاجة إلى الذين قالوا لنا، أو (كأنهم قالوا لنا) في مقطوعته التالية فالخطاب لا يختلف وان اختلف العنوان.. وتباينت المقاطع.. |
(فقط عن الحلم، والنوم توأمان متلازمان زمانيا ومكانيا ووقتيا.. |
رؤية ابداعية تختصرها هذه الأبيات ليقظة النوم، واغفاءة الحلم.. وضياع النهاية بين حالتين كلتاهما مؤشر غفوة لا صحوة.. |
(صوت الشارع) أم قصائده التي اختارها عنوانا لديوانه.. هل انها كما توقعت منبر من لا صوت له..؟ |
(صوت الشوارع.. مرة قلت القصيدة من هناك |
ولم يكن جفن المدينة ناعسا |
مرة جربت نفسي بين أنفاس الذين حسبتهم |
يمشون في كل الشوارع |
لم يكن يمشي معي إلا الرصيف) |
أين الناس الذين تكتظ بهم الطرقات والأزقة هل انهم نيام؟ |
(غير ابه بجرح آخر |
نهبت خطاه الدرب في طلب الرغيف |
صوت الشوارع.. هل يكون مؤجلا؟! |
يستعجل الأجل القريب!) |
ويجيب في النهاية الحكاية صوت الشوارع.. أو صمتها بمعنى آخر.. |
(الصوت فينا شارع ضلت بنا أقماره).. |
(كلمات الآن) محطة ارتاح للركب التوقف أمامها: |
(يا هذا.. يا طفل الحيرة، وال ماذا! |
هل يقنعك الآن هواء؟ |
أم تشربه الماء رذاذا؟ |
متى يخجلك ضمير ابيك الواهن فيك؟ |
فتطلب افذاذا وملاذا؟ |
سيجيء زمانك، فلتصبر |
ليكون البذل استحواذا) |
على هذا النسق الموحي بالصور تتتابع محطات الرحلة.. ولأن مساحتها سرعان ما تنضوي كان لزاما تجاوز ما لا أود تجاوزه لولا أن للوقت فصل الخطاب.. والحكم الذي لا يقبل الاستئناف ولا الاستئناس.. |
(تداعيات صغيرة)، (أهلا بنا)، (ليس عنها فقط) و(كيف لا) قصائد أربع مررت بها مرور الكرام.. لتحط الرحلة عند |
(مشاتل الربع) قد اجتذبتنا أشجارها.. وأزهارها.. |
وأمام محطة رحلتنا الأخيرة.. أثناء المعاني نختار لشاعرنا فيصل أكرم هذه الأبيات: |
(الذين وقفوا على آخر حرف من حروفك لم يعرفوك |
والذين توقفت بهم حرفة أولى لحروفك تركوك |
فلا تخدع الحبر في حضرة المرأة. |
ولا تتصرف بمفردك إذا المعاني تجاوزت أثناءها |
لا أحد ينطق بالكلمة مرتين) |
أنت تقول هذا.. وغيرك يقول غير هذا وينطق بالكلمة الواحدة ألف مرة ومرة دون معنى.. عالمنا ظاهرة صوتية لا تنفعه نصائحك.. ولا تجديه مواعظك.. أنت في وادٍ وغيرك في ألف واد وواد.. حسناً وقد منحتني ومتابعي هذه الاستراحة منحتنا رحلة شيقة استمتعنا بها.. قدمت لنا مائدة ثرية وغنية بأطباقها الشعرية اللذيذة التي أشبعتنا وأمتعتنا. وإلى استراحة قادمة جيدة بإذن الله. |
|
الرياض ص.ب 4709023 |
الرمز 4709024 فاكس 2053338 |