الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th December,2006 العدد : 180

الأثنين 20 ,ذو القعدة 1427

سفينة الصحراء المبحرة بهموم الأمة
عبدالعزيز العبدالله التويجري

كنت قبل خمسين عاماً طالباً بالمعهد العلمي في بريدة وبالتحديد عام 1376هـ وكانت توجهاتي أدبية، وتطلعاتي إعلامية، وعلاقاتي ثقافية، أحب الكلمة الصريحة والرأي الشجاع، والفكرة الجيدة، ويومها فتحت أول مدرسة ثانوية ببريدة - وكان ذلك مدعاة للفرح والفخر بالمولود الجديد، والصرح العلمي المنتظر، وبتلك المناسبة أقامت إدارة المدرسة حفلاً مدرسياً كبيراً لم تشهد له المنطقة مثيلاً، وكان من أبرز المدعوين للحفل من خارج المنطقة (الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري) الذي شارك الاحتفال بكلمة ارتجالية رائعة، أذكر فيما أذكر أنها كانت تقاطع بكثير من التصفيق والهتاف إعجاباً بسحر الأداء، وجمال الأسلوب، وروعة الأفكار، وصدق الرؤية، التي لامست مشاعر الشباب وطموحاته الكبيرة، هذه المناسبة كان لها تأثير كبير بين الحاضرين الذين أحاطوه بعد الكلمة.. بالكثير من الحب والتقدير.. والكثير من الإعجاب والاحترام، وأبدوا كثيرا من التساؤلات عن هذا الزائر المشارك، الذي أمطر الحفل والحاضرين بسيل منهمر من النصح والتوجيه والإرشاد.. الذي اعتبروه بداية الانطلاق نحو العلم والمعرفة مع انطلاق مدرستهم الفتية.. في مسيرة التربية والتعليم ومن هذا المحفل التربوي الرائع، عرفت هذا العالم الفاضل الأديب المفكر الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري، ومن هذا المنطلق بدأت الروابط والعلاقات والأسئلة الروحية تتساءل عنه، كمعلم، ومفكر، وأديب من (المجمعة) شاركنا حفلنا العلمي في (بريدة) ولم تكن في يوم من الأيام تلك المعرفة، عن طريق صلة القرابة الأسرية التي تجمعني بهذا العلم الشامخ من الثقافة والأدب، وفي الفكر والتنوير حتى تحولت فيما بعد إلى (أبوة) وأستاذية على بعد، إلى أن تم تعيينه وكيلاً للحرس الوطني عام 1381هـ وكنت قد سبقت إلى العمل فيه ويا بشراي بتلك المصادفة العجيبية.. التي مكنتني من العمل تحت إدارته والأخذ منه أكثر وأكثر علما، وفكراً وأدبا عن قرب لم أكن أحلم به بحيث قويت الروابط، وتعمقت الأبوة، وتأصلت الأستاذية إلى أن أصبح في نظري، كما هي نظرات الآخرين في الأسرة.. هو المعلم، وهو العم، وهو الوالد، وهو العميد والعمدة.. أطال الله في عمره، ومنّ عليه بالصحة والعافية، إنه سميع مجيب.
وفي تلك المناسبة السعيدة، التي أشكر فيها (الجزيرة الثقافية) على هذا العمل الكبير.. وعلى تلك المبادرة الكريمة، بتخصيص هذا العدد، عن هذا المفكر الأديب، رجل الدين والدولة (العم عبدالعزيز) لا يسعني إلا أن أفسح المجال للآخرين للحديث عنه، وعن آثاره الفكرية والأدبية.. وعن أعماله ومنجزاته الإدارية.. خشية الإحراج من البعض.. أو الطعن بالشهادة من البعض الآخر.. لأنصرف إلى شحن الذاكرة بالملامح والشواهد الصغيرة.. عما سمعت، وقرأت، وأخذت من الآخرين وما أكثرهم.. ولكن حسبما تجود به الذاكرة؛ طمعاً في الوفاء، وأداءً للأستاذية والأبوة الروحية التي أمتعنا وشملنا بخائصها الوافرة. ولعلي أبدأ تلك الشواهد، بحوار جري بيني.. وبين الزميل، والصديق العزيز الأديب الناقد المشاغب والمشاكس الأستاذ علي بن محمد العمير أعاد الله إليه صحته وعافيته لمواصلة شغبه ومشاكساته.. مع الأدباء الكبار والصغار منهم.. فقد زرته يوماً في منزله بجدة.. للاطمئنان على صحته.. بعد وعكة صحية ألمت به ودار الحوار والمناقشات في أمور كثيرة.. كما هي عادته مع ضيوفه.. وكما هي عادته في حل هموم الأدب والأدباء.. والصحفيين والمؤلفين وكان من أبرز تلك الحوارات.. ما يكتب.. وينشر.. ويطبع للشيخ (عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري).. وموقعة الحوار المشاكس الذي وقع فيه مع الشيخ التويجري قال لي العمير:
(بعد إحدى مشاغباتي الأدبية دعاني لزيارته في بيته لإهدائي مجموعة المطبوعات التي نشرها وعند زيارته استقبلني بكل ترحيب وبكل بشاشة وحسن خلق.. وبعد تناول القهوة العربية، والحوارات المتناثرة.. قدم لي المجموعة.. وأحضر معها قلما وقرطاساً أبيض وطلب مني أن أكتب.. وهو يملي علي.. فوافقت بشيء من الخجل.. ووجهي يتصبب عرقاً.. وقلت في نفسي (يا ساتر) ها هو الشيخ بدأ في كشف شكوكي ومزاعمي حول مؤلفاته. وفعلاً بدأ يملي وأنا أكتب حتى أتم الإملاء بصفحتين كبيرتين لم يتوقف لحظة واحدة خلالها ثم ابتسم وقال: هذه فكرة أوحت بها إلي زيارتكم الكريمة راجيا أن تتقبلها للنشر.. وكأنما هو يقول لي شيئاً آخر (؟؟؟)) وانطلق الأستاذ علي يتحدث عن أدب الرجل، وتواضعه وسماحة خلقه، وأدبه الجم، وفكره الثاقب وطريقته في الحوار، وأسلوبه في وسائل الإقناع.. والأخذ والعطاء مع الآخرين.
هذا في مجال الروايات الشفوية عن (العم عبدالعزيز) ونترك هذه الرواية اللطيفة إلى بعض ما قرأت عن هذا المفكر الكبير والأديب الرائع، والإداري الناجح، فقد كتب الأستاذ سعد البواردي في العدد (11519) من صحيفة (الجزيرة) الغراء الصادر يوم 22-2-1425هـ يقول: (لن أتحدث عن الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري كرجل دولة، وحامل مسؤولية ناجح.. وإنما تحدث عنه كاتبا ومفكرا، دون رياء ولا تملق لقد قرأته في خطابات تأملاته الحياتية، والفلسفية من خلال مؤلفاته ومعطياته الأدبية، وخرجت من تلك القراءة بمحصلة تقول وتتساءل: لماذا لم يكرم؟) ثم يضيف: (صحيح أن الكاتب يكرمه قلمه حين يجيد، وضميره حين يجد، وعطاؤه حين يتحرى، وقراؤه حين يؤمنون بمصداقية طرحه، ولكن رغم أن شيخنا التويجري لن يضيف إليه التكريم شيئاً ولن ينقص منه شيئاً فهو ذا على المكانة الاجتماعية والوظيفية والمادية.. ولكن يظل الجانب الروحي هو الأبقى، والأهم والأكثر مدعاة للاهتمام).
وكتب المهندس عبدالعزيز السحيباني في العدد (12308) من صحيفة (الجزيرة) أيضا الصادر يوم 14-5-1427هـ يقول: (هذا عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري) هذا الرجل المتجذر في صحراء هذا الوطن.. المطبوع في مدنه وقراه.. هذا العلم الذي عرفته رمال الدهناء، وكثبان الربع الخالي، وجال وهاد طويق، ورياض المجمعة، عرف البوادي، والقفار و السهول والديار.. خلف حبيبه المتنبي.. رجل يبدو كنخلة شامخة معطاء في حديقة الأدب والفكر والقول والعمل. علمنا كيف أن أضواء المدينة تكسر وحشة الصحراء، وهذا الذي علمنا أن الأدب لا يتعارض مع الإدارة، إنه أديب في الصحراء إداري ناجح في المدينة ولأنني أحمل هذه الرؤية بل وما هو أكثر منها عن هذا الشيخ الجليل، والمفكر الكبير إلا أن (البنوة) وصلة (القرابة) كانتا تمنعاني من البوح بذلك.. تجاه هذه الشخصية الساحرة الجذابة، أما اليوم فإنني لا أجدني في حرج من إعلان رؤيتي فلفكر هذه الشخصية العبقرية مكانة كبيرة وتقدير كبير.. بين كبار الأدباء والمفكرين السعوديين والعرب، والأجانب؛ للأنه مقروء كتابا، ومسموع خطابا، ومؤثر في عالم الأدب والفكر العربي بصورة واسعة كما يشهد له بذلك كبار النقاد والدارسين ومن رجالات الدولة البارزين الذين يحتلون المقاعد المتقدمة، والأماكن البارزة.. في نفوس ولاة الأمر وقادة هذه الأمة، أما ميزة التواضع، وحسن الخلق، ونكران الذات،
فتلك فطرة فطره الله عليها، وأما إنسانيته فهي بذرة إلهية زرعها الله في قلبه وفكره، وسقاها هو بنفسه من خلال حبه للناس، وحب الناس له.
فباب بيته المفتوح ويده الممدودة لكل من يطلب العون والمساعدة بعيداً عن الأضواء وبعيداً عن المماحكات الكلامية التي هي في نظره كما أعرف، بثور وقشور.. تضر أكثر مما تنفع، وتلوث أكثر مما تنقي، وتلك رؤية الثقة بالنفس، والإيمان بالله، والاطمئنان إلى العمل والعطاء والإنتاج الفكري والعملي الذي قدمه ويقدمه لأمته بتواضع جم، وإخلاص وولاء كامل لدينه، ومليكه، ووطنه.. وللثقافة العربية، والفكر العربي بصفة عامة.. وأستطيع أن أقول أيضا بما أعرف عنه من الصبر والحلم، والتحمل، أنه سفينة الصحراء المبحرة بهموم الأمة وتطلعاتها إلى المكانة المرموقة.. بين الأمم والشعوب في العالم والله أسأل أن يحفظه ويعيد إليه صحته وعافيته، إنه سميع مجيب.


* كاتب صحفي ورئيس تحرير سابق


الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved