الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th December,2006 العدد : 180

الأثنين 20 ,ذو القعدة 1427

التويجري .. الأمين المؤتمن:
النَّائي عن الأضواء المُلاحَق بالذِّكْر!!
إدريس بن عبدالله الدريس

.. كيف تحكي عن كبير؟
.. وكيف تُحيط بالمحيط؟
.. وكيف تُصدِّر المُتصدِّر؟
لا بأس.. فهذا لن يحدث
لكنه محاولة إدراك الجل.. عوضا عن استحالة إدراك الكل.
.. فإن كان ذلك كذلك فإن الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية يتموضع بمنطق الحسابات الرياضية في خانة الجمع والزائد فقد جمع وزاد من الطاقات والصفات والقدرات ما جعله (الرجال) عبدالعزيز التويجري ولا غرابة في ذلك فثمة رجال خلقوا ليفتح لهم التاريخ أبوابه عنوة يدخلوا من أيها شاءوا.
والشيخ عبدالعزيز التويجري دخل من باب الفكر والثقافة - وإن متأخراً - فكان خير داخل.
ودخل من باب الإدارة - في سن مبكرة - فكان (العراب).
إن كثيراً من التحديثات والتغييرات الإيجابية اللافتة التي طالت قطاعا كان ينظر إليه - قبل ثلاثة عقود - بالهزء وتصمه ألسنه الناس الحداد بالتخلف والجهل إنما تسربت بهدوء من تحت عقال الشيخ عبدالعزيز وهو الذي كان - منذ ذلك الوقت - ذراعاً يمنى لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
لقد تحول (الحرس الوطني) خلال سنوات عدة من حالة محو الأمية المتفشية في أكثر ألويته إلى منارة فكرية، وهذا شاسع فارق بين الهدفين الكبيرين.
فقد ران في الأذهان العربية صلافة وصرامة القطاعات العسكرية ولم يكن من الميسور أن يتغير هذا الانطباع السائد والراسخ لكن قطاع الحرس الوطني استطاع أن يستنبت لنفسه أذرعة علمية وثقافية فكرية على قدر أسهم في تعليم وتنوير وتمدين منسوبيه وفوق ذلك أشاد لهذا الوطن مهرجانا ثقافيا عاليا وهو (الجنادرية) التي صارت بندواتها ومماحكاتها الفكرية قبلة لأساطين الفكر العربي والعالمي وهو الذي ساعد - تقريباً - في تعريف الغير بنا، واطلاع (الآخر) على وجهنا (الآخر) وقد أتاح المهرجان لمثقفي هذه البلاد الاحتكاك الشخصي بمفكري ومثقفي العالم العربي.
ولعل هذا التقارب والاحتكاك قد أسهم في ايجاد انطباع إيجابي عنا نحن السعوديين في نفوس هؤلاء المثقفين وبالمقابل فلعله - التقارب - قد أزال عقدة الدونية التي كان يختزنها المثقف السعودي في مواجهة المثقف العربي دون مبرر مقنع.
بل على العكس من ذلك فقد أسهمت المقاربة الشخصانية التي كانت تحدث على هامش الجنادرية بين المثقف السعودي والعربي.. أقول: إنها أسهمت في تعرية الكثير من المفكرين العرب وكشفت مثالياتهم المدعاة في كتبهم.
ليس هذا فحسب فقد كان تعبير (الحرسيين) عن اهتمامهم الثقافي يظهر كل شهر في مجلة شهرية رصينة.
وفوق ذلك فإن مكتبة الملك عبدالعزيز إنجاز ثقافي بارع بندواتها وإصداراتها ومحتوياتها.
كل هذا وفوقه يحسب لكل الذين تواتروا على قطاعات الحرس الوطني والشيخ التويجري في المقدمة من أولئك وهو الذي أمضى أكثر سنوات عمره في خدمة هذا الصرح.
سألت أحد (شياب) الحرس الوطني المتقاعدين: ما هو سر عبدالعزيز التويجري؟
أجابني: أبو عبدالمحسن - يحفظه الله - عدو الروتين فقد كان ضد الإجراءات الإدارية الطويلة التي تتعقب وتترصد بعض المعاملات.. ولهذا كان ملاذاً لكثير من المراجعين عندما تتعطل معاملاتهم لأنه، أي: التويجري يقضي ويمضي بإنجازها على الفور.
قلت له: بس؟
قال لي: كان - شفاه الله - يأخذ الصلاحيات وينتزعها انتزاعاً من بين مكاتب عبدة وخدم البيروقراطية.
قلت له: أحسن والله.. فالصلاحيات تؤخذ - أحياناً - ولا تعطى.
التفت إلى هذا الشايب الوقور واستزدته عن الشيخ فقال:
كان أبو عبدالمحسن رجلاً دؤوباً.. متحركاً.. متسامحاً ومتطلعاً ومتنوراً.
يكره الركون.. وينبذ الجمود.. ويأنف الذرائع.. يستقرئ المستقبل في الحاضر
ويصدق استقراؤه فتحسبه منجماً
هذا هو أبو عبدالمحسن النائب والإداري الخبير والمحنك الذي أخلص لعمله ردحاً طويلاً من الزمن، جاء على حساب اهتماماته الفكرية التي قيض الله لها أن تخرج - بعد حين من الدهر - تباعاً في مؤلفات لتلفت الأنظار إلى هذه القدرات الابداعية التي كادت أن تواريها محرقة العمل وكادت أن تغمرها ملفات وهموم الوظيفة.. وأوشكت أن تندثر في غيابة جب المسؤوليات الجسام والمهام العظام التي كانت تناط بأبي عبدالمحسن لكنه - ولله الحمد وإن متأخراً - تداركها فتداركت صوالين الثقافة مفكراً عربياً مهماً قدم للمكتبة المحلية والعربية كتباً تجمع في تناولها بين التاريخ والتوثيق الذي عني بتاريخ الملك عبدالعزيز مستنداً في ذلك على معايشته للموحد ومحبته له، معززاً ذلك بوثائق خاصة ونادرة يحتفظ بها جمعها في مؤلفه (لسراة الليل هتف الصباح) كما تراوحت كتب المفكر الأديب عبدالعزيز التويجري الأخرى بين الحس الأدبي المتأمل وبين الاستقراء الفلسفي.
الأمين واليد اليمين
يعرف كل القريبين والبعيدين.. كباراً وصغاراً، نساء ورجالاً العلاقة الحميمة والفارقة البعيدة زمنياً القريبة نفسياً وقلبياً بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يحفظه الله - والشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري - عافاه الله - فقد كان منذ وقت مبكر زميله ورفيقه وصديقه وكان الأمين المؤتمن عند عبدالله بن عبدالعزيز ولهذا صار مندوبه ورسوله في المهام وحامل رأيه والمعبر عن مكنونه.
وكلما تقادم الزمن بهذه العلاقة زادت رسوخاً وتجذراً في صورة معبرة عن الحب الذي تنبته شجرة الوفاء والإخلاص البشري، ولهذا فلا غرابة أن يصبح عبدالعزيز التويجري اليد اليمنى والرجل الأمين لعبدالله بن عبدالعزيز.
ولا غرابة أن يجد التويجري من لدن خادم الحرمين الشريفين كل محبة وتكريم وتقدير مستحق.
إنها لفتة يسيرة وزهيدة من (الجزيرة) لإكرام هذا الرجل.. الرجل.
وهي قطرة بسيطة في بحره اللجي المحتشد خلال هذا العمر المديد بالعطاءات الإدارية والفكرية والخيرية والأبوية.
بل ذبالة ضوء شحيح في مسيرته العطرة والعامرة.
وهي كوة صغيرة.. وباب موارب على حياته المديدة.
وحري بالجميع جعل النوافذ والأبواب مشرعة لتكريم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري..
الذي ينأى عن الأضواء فيلاحقه الذكر..
ويبتعد عن الذكر فينصفه الشكر..
ويتواضع عن الذكر والشكر فيرتفع التواضع.
الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved