الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th December,2006 العدد : 180

الأثنين 20 ,ذو القعدة 1427

مكانة.. وعطاء..
أ. د. أحمد عمر هاشم *

عرفت الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري منذ زمن بعيد، عرفته شخصية محبوبة من جميع عارفيه، عُرف بدماثة الخلق، ورقة الشعور، والذوق الرفيع والأدب الجم. وتشكلت شخصيته عبر سنوات عمره التي قضاها في وطن الحرمين الشريفين على سمت الإيمان والورع، والشهامة والكرم، فأحبه كل من عرفه، ومن هنا تتجلى لنا سمات شخصيته، وملامح مكانته.
مكانته
إن مما لا شك فيه أن أي إنسان يعيش في وطن إسلامي يُعرف بخدمته لأبناء الإسلام، ويضم هذا الوطن بين جنباته أهم المقدسات الإسلامية: الكعبة المشرفة والبيت الحرام زاده الله تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابة وبراً، وزاد من زاره ممن حج أو اعتمر تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابة وبراً؛ إن أي إنسان يعيش في وطن إسلامي يتمتع بهذه المعالم، ويضم أرض الشعائر والمناسك وإليه تهوي الأفئدة فهو بلا شك تتفتح عيناه على عظمة هذا الدين وعظمة الوطن الذي يحمي حماه. فنشأ الشيخ عبد العزيز التويجري على حب وطنه حباً جماً؛ لأنه - إلى جانب وطنيته - يشعر بأن وطنه هو منزل الملائكة وهو مهبط الوحي وأرض الرسالة وقبلة العالم الإسلامي، فتتشكل شخصيته على قواعد كريمة، وقيم عظيمة، وسمات يتميز بها، فبرزت مكانته متحلية بهذه السمات، أضفْ إلى هذا:
أولاً: تولِّيه مهمة مساعد رئيس الحرس الوطني، وهو منصب رفيع لا يتقلده إلا أولو العزم من الرجال الثقاة الأمناء.
ثانياً: قيامه على تنظيم مؤتمر عالمي سنوي، هو مؤتمر التراث والثقافة على أرض (الجنادرية)، وهو مؤتمر يضم المثقفين والعلماء والأدباء والشعراء وضيوفاً من الوطن العربي ومن الوطن الإسلامي ومن دول الغرب، ضيوف متنوعون في ثقافتهم وفي أدبهم، بل وفي اتجاهاتهم، ومع هذا لا ترى في المؤتمر صوتاً يختلف مع غيره، ولا هبوطاً في الأداء، بل يقوم المؤتمر على أكمل صورة، وعلى تنسيق دقيق ما بين محاضرات دينية وندوات ثقافية وأمسيات شعرية وحوارات نقدية، يتعارف فيه أبناء العلم والثقافة في جميع أنحاء المعمورة فيتآلفون ويتعاطفون.
ثالثاً: كان الشيخ عبد العزيز يجتمع ببعض أهل العلم والأدب في بعض لقاءات خاصة في بيته يتجاذب معهم أحاديث الأدب والثقافة، وربما دعته الظروف أن يأمر بإحضار بعض الكتب من مكتبه لمراجعة مقولة أدبية أو قصيدة شعرية، فيمزج بين الأحاديث الودية الأدبية وبين القراءة والاطلاع والاستيثاق، كما حدث ذات مرة في مجلس من المجالس التي كنتُ واحداً من الحاضرين، وكان الحديث عن الأدب والشعر، وطلب ديوان أمير الشعراء أحمد شوقي - رحمه الله - لمراجعة قصيدة من قصائده وقراءة هذه القصيدة مع الحاضرين، وفي هذا ما يدل على استيثاقه من كل شيء ومراجعة ما يراه في حاجة إلى المراجعة، وهي سمة من سمات مكانته التي تتميز بالوثوق فيما يقول وفيما يفعل.
رابعاً: من سمات مكانته أنه كان قويّ الحجة، حاضر البديهة، عذب العبارة، يحبّ الناس ويحبُّه الناس، ويألف الناس ويألفه الناس، ويعتز بالصداقة أيما اعتزاز، ولا أنسى له موقفاً كنتُ فيه مدعواً في مؤتمر التراث والثقافة، وبعد أن عُدْتُ إلى مصر اتَّصل بي في المنزل ليطمئن على سلامة الوصول وعلى الصحة والعافية، وأعرب عن سعادته بي وبضيوف المؤتمر الذين أثروا الساحة الدعوية والثقافية بنتاج فكرهم المعطاء.
وكان الشيخ عبد العزيز التويجري يحب أستاذنا المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ خالد محمد خالد رحمه الله، وعند حضورنا معاً في هذا المؤتمر أبلغ الحاضرين معرباً لهم عن أهمية مقالات الأستاذ خالد التي نشرتها جريدة الأخبار أيام الغزو العراقي للكويت، وأعرب عن تقديره لمواقفي في كلمتي التي قُلْتُها في مجلس الشعب غداة الجلسة التي نُوقشت فيها قضية الغزو العراقي للكويت، وكيف تحدثت للحاضرين بروح الوطن الذي يتدفق حباً ووطنية وإخلاصاً في الدفاع عن وطنه وعن الوطن العربي والإسلامي في كل مكان.
عطاؤه
إن عطاء كل مسؤول يتجلى أكثر ما يتجلى في موقع مسؤوليته، وبشهادة الذين يعملون معه. ولقد كانت مواقف الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري في كل مجالات عمله وحياته مواقف تدلّ على مكانته وصدقه وأمانته وإخلاصه وكفاءته، وتدلنا مواقعه التي تقلدها على أنه كان موضع تقدير وثقة، حيث كان نائباً لرئيس الحرس الوطني المساعد بمرتبة وزير، وكان عضواً بمجلس الأمن الوطني، وعضو المجلس الأعلى للدفاع المدني الصادر بالمرسوم الملكي.. إلى غير ذلك من المواقع التي تدلّ على أنه موضع الثقة لدى المسؤولين ولدى الملك شخصياً.
بل إن عطاءه وكفاءته رشّحاه ليكون باسمه كرسي الزمالة بجامعة هارفرد بالولايات المتحدة الأمريكية، ويعني ذلك توفير منح دراسية للطلاب المتفوقين من مختلف أنحاء العالم للدراسة في جامعة هارفرد وبالأخص طلاب العلم في العالم الإسلامي والعربي.
ومن عطاء الشيخ عبد العزيز التويجري مجموعة مباركة من مؤلفاته القيمة التي تدلّ على جهود تُذكر فتشكر، منها: في أثر المتنبي بين اليمامة والدهناء، حتى لا يصيبنا الدوار، منازل الأحلام الجميلة (رسائل إلى ولدي)، حاطب ليل ضجر، أبا العلاء.. ضجر الركب من عناء الطريق، خاطرات أرّقني سراها، لسراة الليل هتف الصباح (الملك عبد العزيز دراسة وثائقية)، ذكريات وأحاسيس نامت على عضد الزمن، رسائل خِفْتُ عليها الضياع، عند الصباح حمد القوم السرى (الملك عبد العزيز دراسة وثائقية)، أجهدتني التساؤلات معك أيها التاريخ، ركب أدلج في ليل طال صباحه، الإنسان رسالة وقارئ، رسائل وما حكته في بيتي. وكلها مؤلفات تدل على ثقافة غريزة وعلى أدب جم وعلى قراءات واسعة، وأسلوبه عذب العبارة رقيق المعنى. وله عدد كبير من الكتب القيمة والعطاء الفكري والأدبي والثقافي. ومن بين هذه المؤلفات ما يدل على وفائه الذي لا حدود له، فمن هذه المؤلفات كتاب عنوانه: (رسائل خِفْتُ عليها الضياع)، وهي رسائل بينه وبين بعض الأصدقاء والأحباء وبعض المسؤولين، إنه يحتفظ بها ويخاف عليها الضياع فيسجلها في كتاب من كتبه القيمة.
وإن الشيخ عبد العزيز التويجري يمثل قيمة من قيم الفكر والثقافة والأدب والسياسة، ومن خير الرواد الذين أنجبتهم أرض الوطن الحبيب وعاصمة المقدسات الإسلامية، فبارك الله فيه، وبارك له، وأمدّه بنعمه دنيا وأخرى.
والشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري - أكرمه الله وأجزل مثبوته وعطاءه له - قدّم لوفود المملكة العربية السعودية الذين كانوا يحضرون مهرجان الثقافة والتراث كل التقدير والمحبة، وفي محادثاته ولقاءاته كان يجري اتصالات وحوارات أدبية وأخوية هدفها ربط القلوب وتوحيد الصفوف وجمع الناس على الخير والحب والمودة.
لقد ظلّ حريصاً على إثراء الساحة الثقافية والأدبية من خلال الوفود الذين كان يجتمع بهم ويعمل على التقرب منهم وعلى محبتهم ومودتهم، ولا شك أنه على صعيد الحب الخالص في الله وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تجتمع القلوب وتتحابّ وتتوادّ وتعلو مكانتها عند الله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من عباد الله أناس ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم من الله عز وجل. قيل: يا رسول الله، مَن هم؟ وما علامتهم لعلنا نحبهم ونقتدي بهم؟ قال: قوم تحابُّوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، والله إن وجوههم لنور، وإنهم على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم تلا قول الله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ}. ومن هذا النمط من الرجال المؤمنين المتحابين معالي الشيخ عبد العزيز التويجري؛ فقد كان يتمتع بقلب مخلص ودود، يحب زملاءه وأصدقاءه، ويحب جميع عارفيه، فعرف بمحبته لكل من يعرفه، ومحبة كل من يعرفه له. إنه من الشخصيات المحبوبة، إنه يطبق التوجيه النبوي الذي يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).


* رئيس جامعة الأزهر السابق - رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب


الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved