الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th December,2006 العدد : 180

الأثنين 20 ,ذو القعدة 1427

حاطب الليل يوقد للسراة
سليمان الفليح

ها هو جيل من الحكمة يحمل قرنا من الأحداث العاصفة التي عاصرها بسلوك الطود عبر ستة أجيال من الحكم السعودي المجيد المتعاقبة عبر عمره المديد والمليء بالتجارب الجسام والخبرات المتراكمة والبصيرة الثاقبة، فقد عاصر المؤسس العظيم عبد العزيز بن عبد الرحمن، طيب الله ثراه، وامتدت علاقته بالحكام من آل سعود حتى يومنا هذا بعزيمة لا تكل ولا تمل من (مسيرة العطاء والبناء والصبر والأناة والرشاد)، وهذه القيم الوطنية النبيلة هي التي تجدد شبابه في كل عهد وتجعله شاهدا وفاعلا ومنجزا ومنتجا خلال كل تلك العهود.. فالذي نعلمه عن الشيخ عبد العزيز بن عبد الحسن التويجري أنه قد تلقى علومه التقليدية الأولى كأي، فتى سعودي عاش في عصره، على أيدي العلماء الأوائل الذين رسخوا في أذهان تلامذتهم العقيدة والأدب والرجولة، ولكنه منذ بواكير الشباب وقد أخذته نزعة الاكتشاف والاستشراف نحو آفاق الحياة الأرحب، كان يطل من تلال المجمعة نحو فجر بلاده الجديد مترنما بجسارة المتنبي وفلسفة المعري بانتظار (سراة الليل) الذين يسابقون الصباح ليحمل فأسه الصلدة (كحاطب ليل) يريد أن يوقد النار لأضياف تاريخه القادمين على صهوات خيل التوحيد و(مبارك) هجن الوحدة.. لذلك ما أن أشرق ذلك الصباح المؤمل بقدوم فجر عبد العزيز انخرط في خدمة بلاده مأمورا ثم مديرا لبيت مال المجمعة منذ 1357هـ.
وحينما أنشئت مالية المجمعة عين عبد العزيز التويجري مديرا لها. ولما أراد الله وابتسمت له الحياة أخذ يقترب من الحلم ويقترب منه الحلم لينخرط في خدمة الدولة السعودية الجديدة ويدنو من حكامها الأفذاذ الذين كما وصفهم ب(سراة الليل الذين هتف لهم الصباح) إذ اختاره الملك سعود، يرحمه الله، وكيلا للحرس الوطني للشؤون المالية والإدارية في العام 1382ه. ثم ابتسم له الحظ مرة أخرى ليكون الساعد الأيمن لصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز رئيس الحرس الوطني آنذاك وملك المملكة العربية اليوم - أطال الله عمره - وهكذا بقي عبد العزيز التويجري معاصرا لستة ملوك من آل السعود الكرام توارثوا الحكم كابرا عن كابر فأصبح بذلك شاهدا ومشاركا في صناعة تاريخ هذي البلاد بالرأي السديد والمشورة الصادقة والعقلية المتحضرة المثقفة، تلك العقلية التي تجمع بين الأصالة والتحديث فها هو يجيب أحد سائليه (نعم أنا بدوي وحضري في آن واحد. فالبدوي له شيم أبحث عنها في عروق الصحراء والحضري له شيم أجدها في زوايا المدنية) وهكذا حافظ الشيخ التويجري على هذا التوازن الصعب في زمن التطرف إما إلى البداوة كليا (ببعض سلبياتها) أو إلى المدنية كليا (ببعض انفلاتاتها) لذلك حافظ هذا الشيخ التسعيني على تحديث الأصالة - وتأصيل الحداثة، وهذا السلوك الفكري الذي تميز به شيخنا الجليل هو سر محبة الناس له سواء أكانوا من البادية أو من الحاضرة؛ لذلك يدرك كل الذين تعاملوا معه سر هذا التمازج الجميل الذي اشتمل على المروءة والشهامة والنبل وحب الخير والنظرة المستقبلية الثاقبة للأمور، وهذا هو سر آخر من تجدد شباب وحيوية وعقل هذا الرجل الذي يجمع الناس على حبه ومحبته وتقديره أينما حل، سواء أكان على كرسي المسؤولية أو في أي متكأ من مجالس أهل القرى أو مجالس أهل مدينته الأثيرة المجمعة أو في الصالونات الأدبية أو المحافل الثقافية أو منتديات الفكر والأدب، أي أن عبد العزيز التويجري قد سكن قلب المثقف العربي مهما خالفه الرأي مثلما استوطن قلب البدوي البسيط الذي أنجز له معاملة ضمن اختصاصه وراح يلهج له بالشكر والامتنان وهو يتجه إلى قريته النائية أو مضارب قبيلته البعيدة.. أما ما سيتركه التويجري بعد عمر طويل بإذن الله، بالإضافة إلى منجزاته الوطنية ومآثره التي لا تمحى من عقول الرجال فهي عدة مطبوعات مثل (في أثر المتنبي بين اليمامة والدهناء) و(حاطب ليل ضجر) و(رسائل إلى ولدي) و(ضجر الركب من عناء الطريق) و(لسراة الليل هتف الصباح) وثمة رسائل لم يزل يحتفظ بها بعنوان (رسائل خفت عليها من الضياع) نتمنى أن ترى النور قريبا مثلما نتمنى له طول البقاء.
الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved