الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th December,2006 العدد : 180

الأثنين 20 ,ذو القعدة 1427

عندما يوجِز الكبار عشرة عقود في عشر دقائق
محمد القحطاني

قليلون هم الكبار .. وقليلون هم الأشخاص الذين إذا التقيتهم يزيدون في رصيدك المعرفيِّ.. وقليلون هم أولئك الذين وُلِدوا كباراً في فكرهم.. ومكانتهم.. وقيمتهم بين الناس.. إذاً قليلون هم الذين يشبهون معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري.. هذا الشيخ الجليل الوقور كنتُ أتابع أثناء عملي الصحفي اسمه من خلال عمل إدارياً يؤديه حيث وظيفته الرسمية أو نشاطاً ثقافياً أو اجتماعياً من بعيد.. وكان وما زال حتى الآن محل غبطة الكثير من حَمَلَة الشهادات العليا بكلِّ تفرُّعاتها العلمية منها والأدبية.. وكثير ممن التقيتهم أو تحدّثت معهم عن معالي الشيخ عبد العزيز، كانوا يشيرون إلى معاليه باعتزاز وتقدير كبير لا يخلو من الحسد الأدبي لقيمته الثقافية الكبيرة، وأصالة لغته وصِدْق فكره وتفكيره، وكيف أنّه تمكّن من إخراج عدد من الأعمال الأدبية الرفعية وهو في قمّة انشغاله العملي الكبير.. بل إنّ البعض أعلن لي عجزه عن الكتابة، وهو حسد من عند أنفسهم-كما أراه- لقصور في فهمهم لنبل مقصدي.
بالتأكيد يغيب عن هؤلاء، أنّ معاليه يغيِّر رأي ورؤى من يقابله من أول وهلة فيما قد يذهب إليه تفكيرهم المحدود عن معالي الشيخ عبد العزيز التويجري حيث هو والنجاح صنوان.
في 23 ربيع الآخر الماضي كتبت مطالباً بتكريمه في مهرجان الجنادرية كونه عنواناً بارزاً في حب الوطن وأرجو أن يتم ذلك، وما آخالهم إلاّ فاعلين، وفاءً وعرفاناً لجهد وعطاء معاليه للوطن عامة ولمهرجان الجنادرية خصوصاً. ويمكن العودة للعدد 12288 من صحيفة الجزيرة لمن أراد المضمون.. وتفاجأت بمعاليه يطلب مني زيارته في بيته بعد نشر ذلك الموضوع.. قابلته ضمن عدد كبير من محبيه الذين يحبون في معاليه الوطن، فهو نموذجٌ حيٌّ لمن يعشق الوطن وقيادته وأهله.. وأراد معاليه أن يشكرني ويكرِّمني - عرفاناً منه على ما كتبت - فيما كنت أنا أطالب بتكريمه لأنّه كبيرٌ في كلِّ شيء حتى في تقديره للآخرين، بغضِّ النظر عن مكانتهم، ومواقعهم الثابتة والمتحركة.. فهو ينطلق من مكانته هو.. من قيمته هو.. من ثقافته الرفعية هو.. من نبل أخلاقه هو.. ولهذا طلب لقائي مرة أخرى.. منفرداً.. وفي منزله العامر شرفت بلقاءٍ هو من أعزِّ اللقاءات التي حظيت بها مع كبار الرائعين في مملكتنا الحبيبة، مثل معاليه ومثل العلاّمة حمد الجاسر - رحمه الله - الذي لن أنسى له ما خصّني به من توجيه لأمرٍ كتابيّ سأتفرّغ له قريباً بإذن الله لإنجازه بعد إحدى زياراتي له.
كانت عشر دقائق عرفت فيها من معاليه عن الوطن.. وعن قادة الوطن منذ الموحِّد المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز - طيَّب الله ثراه - وحتى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - أمدَّ الله في عمره - مروراً بالملوك سعود وفيصل وخالد وفهد - رحمة الله عليهم جميعاً -، ما لا يمكن أن أعرفه عبر الكتب والمراجع خلال عقد من الزمان حيث عدّد وأوجز وصفهم وشرح خصالهم ومناقبهم في ثناء صادق من رجل دولة مخلص ورجل أدب رصين في حق قادة ميامين، وأجزم أنني لم أسمع مثل دقة هذا الوصف من قبل، رغم متابعتي الإعلامية وقراءاتي الصحفية والكتابية طوال سنوات تناهز الـ40 عاماً مما يعني تميُّز معاليه في كلِّ شيء حتى وهو يصف العظماء والقادة على عجل وبتلقائية لا تكلُّف فيها كما يفعل غيره.
وعرفت من معالي الشيخ عبد العزيز التويجري عن تاريخه المرصَّع بالحب والوفاء والعمل والعطاء الصادق للوطن وقادته منذ صباه المبكِّر الشيء الكثير.. منذ أن التحق متطوّعاً بجيش الملك عبد العزيز - رحمه الله رحمة واسعة - وحتى عام 1426هـ، وهو التاريخ الذي ترجَّل فيه من عمله في الحرس الوطني كمساعد لرئيس الحرس الوطني.. وهي مكانة رفيعة في خدمة الدين والمليك والوطن لا تليق إلاّ بمثل معاليه وهم قلّة.. خرجت من لقاء معاليه وقرّرت بحكم أمانة الكلمة أن أتحرّك في حدود مساحة ركضي الصحفي للإشارة إلى معاليه بتلويحة ثقافية، يتبعها ما أستطيع تقديمه كتابة في كتاب على طريقة الأسلوب أو النهج الصحفي وليس الكتابة الأدبية، وهذا حقُّه عليَّ وحدي، ولهذا عرضت فكرة هذا الملف على الأستاذ إبراهيم تركي الذي ضحك ورحّب قائلاً: إنّ هذه الفكرة في قائمة أولويات المجلة الثقافية، وطالما أنّ الأمر كذلك فأرجو أن تبدأ أنت التنفيذ ليكتمل التكريم الذي ناديت به لمعاليه، فيما كان الأستاذ إدريس الدريس أكثر المتحمسين لإنجاز الفكرة وتطويرها لتكون كتاباً في حجم وقامة الشيخ عبدالعزيز التويجري وهو ما كان في مخيلتي أصلاً.
واليوم وأنا أشارك هنا ضمن نفر قليل من محبِّي معاليه القديرين.. ممن أحبّوا فيه الوطن.. والأدب.. والأصالة.. والقيمة الاجتماعية.. وسموّ الأخلاق والعطاء اللامحدود أدباً رفيعاً وفكراً أصيلاً.. أشير بكلِّ أسف أنّنا أضعنا فرصة الاستفادة والاستزداة من معالي الشيخ التويجري في جوانب كثيرة برع وتميَّز فيها من أهمِّها: حب الوطن.. والولاء للدين والمليك والوطن.. والإبداع الأدبي الرفيع الرصين.. فهو منجمٌ فكريٌّ كبيرٌ، وكنزٌ ثقافيٌّ غزيرٌ لم نحسن استغلاله كأُمّة سعودية بعامة.. ومثقفين بخاصة.
بعد لقائي بمعاليه في منزله الذي أكرمني ودعاني للقائه فيه، أحسست أنّ الجامعات أمام الشيخ التويجري تتقزَّم رغم مساحاتها.. وحجم مبانيها.. وكثافة طلابها وأساتذتها، لأنّها لا تستطيع أن تختصر لك المسافة بين المعرفة والجهل، بقدر ما يستطيع معاليه أن يفعل في لقاء لدقائق معدودة.. ولا يمكن لمراكز الأبحاث أن تختصر لك حجم الكلمة من ألِف النشأة إلى ياء النهاية، بمثل ما يوجز لك معالي الشيخ عبد العزيز التويجري.. في دقائق لعلَّها لم تبلغ العشر.. يستحيل على عباقرة العلوم والتقنية أن يديروا لك جهاز حاسوب، ويقدِّموا لك ما تريد من معلومة عن أيِّ شخصية.. أو حادثة.. أو كيانٍ حتى لو كان صغيراً، ما لم يكن قد تمَّت برمجته مسبقاً لهذا الغرض، وبمقدارٍ زمنيٍّ كبيرٍ.. لكن في زيارتي لمعاليه قدَّم لي - حفظه الله وأمدّ في عمره على طاعته ورضاه - خلاصة حياة، وتجربة مسيرة عظيمة، في غضون زمن لم يزد على 10 دقائق.. وكانت كلُّ كلمة يقولها معاليه لي تُعَدُّ عنواناً مكتملاً لموضوع كبير.. وعنواناً مكتملاً لكتاب أثير.. تحدَّث بأدب عظيم موجز عن مرحلة بدأت في زمن صباه، وانتهت في العام الماضي 1426هـ، عندما غادر معاليه ساحة البناء والعطاء الوطنيِّ الذي يذكره له وليُّ الأمر فيشكره على ما قدَّمه بإخلاص وصِدق، فكان النجاح حليفه، وهذا لعَمْرِي قمّة راحة الضمير والسعادة بالنجاح والتميُّز، أن تجد نفسك محل شكر وتقدير وليِّ أمر الأُمّة وأنت نفرٌ من هذه الأُمّة.
أقول إنّه خلال هذه الزيارة سمعت من الكلمات التي تصلح لأنْ تكون عناوين ومضامين لكتب كثيرة.. ولو كنت قريباً من مقام معاليه الفكريِّ والثقافيِّ، لخرجت على أقلِّ تقدير بمضمون أكثر من خمسة كتب، لكنني في مستوى فكريّ لا يُقارن بمعاليه، وهو ما يشفع لي أن أشير إلى مثل هذه المقالات.. والمقامات.. والقامات.. في قادِم الأيام، سواءَ كان ذلك عن الأسماء التي أشار إليها معاليه في مسيرته الحياتية والعملية.. أو عن معاليه شخصياً كهامة فكريّة كبيرة تليق بوطننا وأُمّتنا.. أو عن الأسماء الجميلة والكبيرة التي قابلتها خلال مسيرتي الصحفية التي تزيد على 30 عاماً، وسوف أعطي كلَّ ذي حقّ حقَّه الثقافي والصحافي والفكري .. إنّني وأنا أختم هذه المشاركة (الإشارة) عن معالي الشيخ عبد العزيز التويجري، أتمنى لو تم جمع كلِّ أحاديثه الشخصية وليست الصحفيّة المنشورة فقط أو المذاعة أو المتلفزة، بل كلّها مجتمعة وأن يُنشأ مركز ثقافي يضمُّ كلَّ ما كتب وقال، وتنقيحها من الخصوصية، لتكون متاحة لأيِّ باحث وطالب علم عالٍ وكلّ صاحب فكر وتفكير أدبي، وكلِّ باحث أدبي، فإنّ مثل هؤلاء سيجدون ضالّتهم فيما قاله معاليه.. فهو كنزٌ لم يُستَغَل ومنجمُ ألماسٍ فكريّ لم يُستَثمَر بعد.
الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved