الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th December,2006 العدد : 180

الأثنين 20 ,ذو القعدة 1427

التويجري.. مؤلفات متبرجة بزينتها
عبد الله بن إدريس

الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري أشبه ما يكون في نتاجه الذي تأخَّر خروجه إلى الناس حتى بلغ الستين من عمره المديد إن شاء الله؛ أشبه ما يكون في رأيي بالنابغة الذبياني زياد بن معاوية.. الذي لم يُؤثر عنه شعر في النصف الأول من عمره.. ولكنه (نبغ) في النصف الثاني حتى صار من مشاهير الشعراء العرب في الجاهلية.
* * *
قد تكون المعرفة الإنسانية والفكر والأدب حبيسة صدور حامليها فترةً من الزمن قد تطول بامتداد عمر حامليها قبل أن تتبرَّج بزينتها على أوراق الكتب وصفحات التاريخ وألسنة الناس.. وهكذا كانت كتب عبد العزيز التويجري نسيجة وحدها.
هكذا هي حالة الشيخ عبد العزيز التويجري الذي اكتنز عطاءه الجميل حتى أعانه الله فأخرج رصيده تباعاً، وعلى مستويات رفيعة.. فقد عكف على الإنتاج الصامت، وتحت سراديب التردُّد بين سرِّيَّة ما أنتج وعلانيته. ولقد جاء نتاجه الذي طبخه على نار هادئة شهياً ولذيذاً.. بدأه بالحديث عن معشوقه ومحبوبه: (في أثر المتنبي بين اليمامة والدهناء).. ثم توالت بعد ذلك كتبه المتنوعة المضامين والموضوعات، وكان في قمتها كتابه الكبير حساً ومعنى: (لسراة الليل هتف الصباح) وثائق في تاريخ الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى.
وحسْب هذا الكتاب الوثائقي أنه أصبح مادة خصبة تناولته أيدي الباحثين والمؤرخين كأحد المراجع المهمة والموثّقة عن تاريخ هذا الوطن، وعن مؤسِّس الدولة السعودية الثالثة وموحِّد كيانها في العصر الحديث وباعث الأمن في ربوعها.
كنتُ أظنّ أبا عبد المحسن التويجري سيكتفي بهذا الكتاب الضخم (800) صفحة وينام قرير العين بما لقيه كتابه من أصداء واسعة لدى الأدباء والمثقفين والمؤرخين والصحفيين الذين أعطوه من الثناء ما هو أهله ومستحقّه.
ظننتُ أنه سيجعل هذا الكتاب مسك ختام حياته.. إلا أنه استمر في العطاء الجيد والمتجدِّد.. فأصدر بعده عدة إصدارات.. منها ما يشبه السيرة الذاتية ككتابه (ذكريات وأحاسيس نامت على عضد الزمن).
وكعادته - شفاه الله وعافاه - أتحفني بهذا الكتاب كالذي قبله.. ولكني لا أدري كيف أخذ مني هذا الكتاب اهتماماً أكبر من الكتب الأخرى التي كتبتُ عن بعضها وضاعت مني.. إذ لا أذكر في أيّ صحيفة نشرتها.
أما هذا الكتاب (ذكريات وأحاسيس) فقد كتبتُ عنه ثلاث مقالات في زاويتي الأسبوعية في جريدة (الجزيرة) التي بدأت الالتزام بها في 15-8-1420هـ ولا زلتُ كذلك حتى كتابة هذه السطور.
ذكر الشيخ عبد العزيز في إهدائه الكتاب إليَّ أنه (وصل إليه الكتاب من بيروت للتوّ، وأنه لم يُرَ حتى الآن..). وهذا إحساس واهتمام نبيل من أبي عبد المحسن نحو أخيه أشكره عليه.. والكتاب تضمّن (39) خاطرةً.. كلها تأمُّلات ومحاولات لفلسفة حياته مع تفتُّح وعيه بالحياة.. ومع المجتمع الفردي الذي تخيّم عليه الأمية. ويحاول الكاتب تجسيد حوار مع نفسه أو مع شخوص قد تكون واقعية، وقد تكون وهمية، وهي الأكثر في هذا الكتاب.
الشيخ التويجري عنده خوف من القادم الغامض الذي يكتسح هيجانُهُ كثيراً من مظاهر الحياة الإنسانية السائدة عبر آلاف السنين.. هو خوف له ما يبرِّره إلى حدّ ما.. ولكن ليس إلى الحدّ الذي يتصوّره الشيخ عبد العزيز في بعض خواطره المتشائمة. فعندنا نحن المسلمين ما يمكن أن أسمِّيه حاجزاً أو سياجاً فيه المتعة والاعتصام بحبل الله المتين ما ظللنا متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم اعتقاداً، وعملاً، وأقوالاً.. وبخاصة أن عندنا الوعد الحق من الصادق المصدوق: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرُّهم مَن خذلهم ولا مَن عاداهم حتى يأتي وعد الله)؛ يعني: حتى قيام الساعة.
أما أين تكون هذه (الطائفة المنصورة)؟ فذلك علمه عند الله.. ولكن المرتكزات الأساسية لهذه الطائفة هي الحكم والتحاكم إلى الوحيين: الكتاب والسُّنَّة.. وحيثما وجد العمل بهما وجدت الطائفة المنصورة. وما هو قائم ومُشاهَد الآن في العالم يدلُّ على أن الطائفة المنصورة ليست أقلية إسلامية.. كما قد يتصور البعض من لفظ (الطائفة).. فأرجاء الأرض مملوءة الآن وما بعد الآن بالذين ينطبق عليهم وصف الطائفة المنصورة. وليس شرطاً أن تكون هذه الطائفة غير ذات ذنوب: (لو لم تُذنبوا لجاء الله بقوم يُذنبون فيستغفرون فيغفر لهم) الحديث.
* * *
يعدّ الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري أحد أعلام هذا الوطن ورجالاته الكبار، وهو الذي عاصر كل ملوك البلاد الستة وعمل معهم ابتداءً من الملك المؤسِّس الذي هام به التويجري حباً - كما كل السعوديين - مروراً بالملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وصولاً للملك عبد الله الذي يرتبط معه الشيخ التويجري بعلاقة مميّزة ولافتة تجسّد المحبة في أجلى صورها، والتفاني في أخلص أدواره، وتجسّد الوفاء البشري في أصدق معانيه.
* * *
تحية طيبة لأبي عبد المحسن التويجري في يوم تكريمه - المبدئي - في (المجلة الثقافية) الصادرة عن جريدة (الجزيرة)، سائلاً الله له الشفاء العاجل والعافية وسعادة الدنيا والآخرة.
الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved