الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th December,2006 العدد : 180

الأثنين 20 ,ذو القعدة 1427

حاضن التاريخ
عبد الرحمن الشبيلي

قليل هم الذين - من غير دارسيه والمتخصصين فيه - من اهتم بالتاريخ واعتنى بروايته وجمعه وقراءته.
وقليل هم من إذا قرأوه درسوا أسباب الحوادث، وبحثوا في العِلل، وربطوا بينها وبين النتائج، أو ما يعرف في العصر الحديث بفلسفة التاريخ وتفسيره.
وعبد العزيز التويجري، من مثقفي الكتاتيب والحِلق والمدارس القديمة، لم يحضر جامعة، ولم يتتلمذ على أكاديميين، لكنه عشق الأدب والتاريخ، وعندما كتب عن حوادث عصره تناولها بأسلوب حديث، وعلى أصول علمية، فألّف كتباً بطرق تختلف عن معظم من سبقه.
لقد صدرت عن المملكة مجموعات من الكتب، كان منها من قام بتأليفه مؤرخون تقليديون قدامى من أمثال: ابن بشر وابن غنام والفاخري، وصدرت كتب لاحقة من تأليف سعوديين من أمثال أمين مدني وماجد كردي وعبد القدوس الأنصاري وحمد الجاسر وأحمد السباعي، ومن أجانب مثل فيلبي والريحاني، ومن أكاديميين مثل د. عبد الله العثيمين ود. عبد الله العسكر ود. فهد السماري وغيرهم، لكن كتابات الشيخ التويجري كانت مختلفة لأنها مزجت المعلومة بالوثيقة، ودعمتها بالتحليل النفسي، وربطتهما بالظرف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وذلك فضلا عن توظيف العبارة الأديبة الرصينة، بطريقة لا تغير المقاصد وأغراض التحليل والتفسير والاستنباط، وهو نهج سار عليه من قبل شيخ المؤرخين الأكاديميين د. عبد العزيز الخويطر في كتبه التي تناول فيها بعض حوادث التاريخ.
وظهر في بلادنا كتّاب آخرون نذروا أنفسهم لاحتضان التاريخ الوطني من أمثال الأستاذ عبد الرحمن الرويشد وعبد الله نور والشيخ سعد الرويشد، لكنهم قلة - كما أشير في البداية - لدرجة أن الإنسان يتمنّى لو امتدت بوالص شركات التأمين لإصدار صكوك تساعد في أن يحتفظ المجتمع بذخيرة أدمغتهم وكنوز معلوماتهم، والأهم من ذلك اهتماماتهم التي كرّسوا حياتهم من أجلها.
لو لم يكن عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري إداريا سلك درب أخيه الأكبر مدير مالية بريدة، ثم وجد طريقه في رئاسة الحرس الوطني في معيّة خادم الحرمين الشريفين - أيده الله -، لكان المفترض أن يكون أديباً بامتياز، لكن التاريخ خطفه، تخصصا اعترض طريق الأدب والإدارة، لأنه عاش بعضاً من حوادث زمنه، وأصبح مسكوناً بحب وطنه، ومتيّما بسيرة رجل التاريخ وبطله (الملك عبد العزيز رحمه الله)، وشغوفاً بروايته، فحظي هذا التاريخ بنصيب من اهتماماته في العقد الأخير، أفرغ فيه شيئاً من ولعه وعشقه دون أن تؤثر ميوله في صدقيّة نظرته التحليلية كما ذكرت.
هكذا هو شأن كتاباته في التاريخ، نهج فريد سار عليه التويجري من حيث الربط بين القصة والمعلومة والوثيقة، والتشريح الإنساني للظروف المحيطة بالزمن والمكان والبيئة والوقائع.
إنه أحد سراة الليل خلال القرن، الذين طال بهم السفر والإدلاج، حتى انبلج لهم الصبح وهتف لهم ضوء النهار، بأن قَدَرَ هذه البلاد، أن يعود إليها التاريخ، بكل ما كان عليه من قوة ومنعة وازدهار، وأن تعود جزيرة العرب، على حال مكين من الوحدة والتوحيد والاستقرار.
حيّا الله مؤرخنا الكبير، تلميذ ابن خلدون، وألبسه ثياب الصحة والعافية، وشكراً للجزيرة الثقافية، التي فتحت نوافذها للإفصاح عن مكنونٍ ما كان له أن يظهر في غير هذا الإطار وهذه الصفحات.
الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved