الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 12th January,2004 العدد : 43

الأثنين 20 ,ذو القعدة 1424

النخلة الشامخة.. محمد العلي
أحمد المغلوث

الشجرة المثمرة
عطاء النخلة كنبض القلب لا يتوقف عن البذل والعطاء عن الخفق بحب حتى آخر لحظة، ولهذا تدهشنا الشجرة الطيبة المثمرة الغنية بعطائها وخيرها رغم الظروف التي قد تحيط بها رغم الغيظ، أو الجفاف، ومع هذا تعطي وتعطي.. وهي شامخة كجبل قارة لتبعث فينا الحياة.. هكذا هو أستاذنا وحبيبنا محمد العلي الأديب والشاعر والمبدع.. والإنسان.. والمواطن العادي الذي يضحك كطفل ويقهقه كإنسان بسيط، أجاد السير بنهم في دروب الشعر وسبر غور بحوره وكيمياء لغته وراح يريق نفسه على الورق في كلماته المائية أو بعده الآخر، فيبتسم بعدها القمر وهو يسخر منه مردداً تساؤله: «لماذا ليس لي قمر؟» لماذا ليس لي ريش أطير به إلى النجمة.. ويردد معه الناس نفس السؤال: لماذا ليس لنا قمر؟!
هذا الرائع كنخلة حساوية.. هذا المحب لأرضه حتى العشق.. هذا المنتمي للانتماء.. والمعجون بحب الناس والذي يلذ له أن يكتب لإبداعهم ووعيهم وللأشياء وما وراء الأشياء. هذا هو الذي كتب ببساطة وحب وعمق شفاف: «يا نجد إني صدئت
غرست أغانيك في البحر
يا من ترى الرمل نهرا
راوح خطاك على الوهم حتى تجيء..
وأسمعه يردد بصوته المبحوح ولفحة بغدادية مترسبة في أوتار حنجرته قصيدة شاعرنا المبدع سعد البواردي:
«فالنتينا.. يا زهرة الفولغا.. يا بعثة الأرض إلى الفضاء..» والتي تختصر في جمال حبنا وعشقنا الكبير لأرضنا في خلاصة ورحيق، فكانت القصيدة من خلال إلقاء أبو عادل الجميل الرقيق.. الصادق لا أجمل ولا أروع.. تقول القصيدة:
وأنت تعبرين الكون في مركبة الهواء
هل أبصرت عيناك شيئا
اسمه الصحراء؟!
كثبان رمل أحمر
يدعونه الدهناء
غابات نخيل
اسمها القطيف والاحساء
وبلدة ناعسة الجفنين
اسمها شقراء
تلك بلادي يا فالنتينا
وعندما تقرأ قصيدة «دارين» لشاعرنا العلي تسبح معه في أمواج بحر دارين وتحلق معه في سماء دارين حيث العصافير!!
في شفاهك رائحة البوح
إن العصافير هاجعة
والينابيع ما استكملت عريها
دارين..!
يوحي لي الآن
هيا اكتشفي لي الجراح التي نهلتها
الرماح
هنا الرموز الجميلة.. هنا الشعر الصادق الجميل الأصيل..المثير.
المدهش والذي يدفعك إلى الاستسلام وبدون همس أو كلام إلى سحر الشعر اللغوي وموسيقاه المتناغمة كمعزوفة سيمفونية ابدعها عازف للكلمات بشموخ واعتزاز؛ لأنه يصور بلاده وأرضه التي أحب أنه يشير إليها بافتخار إلى رموز بلاده والتي يحمل لها «العلي» كل الحب في علو وسمو رفيعين وتكشف في ذات الوقت عن حسه الوطني وحقيقة الشاعر وهو يتفنن في إبراز عواطفه ومشاعره والتي تكاد تنضح وتفيض من الكلمات المعزوفة!! لتصل إلى قلوبنا لتهزها من الأعماق، ونحن نردد معه بفخر كلماته عن نجد أو دارين.. أو الأحساء..!!
القصيدة المسروقة
هذا شيء، وشيء آخر يجب أن أشير إليه باعتزاز أن محمد العلي وكلامي فيه مجروح لأنني أحبه أولاً وثانياً لأن له فضلاً عليّ لا أنساه فعندما كان رئيساً لتحرير جريدة اليوم استكتبني لأشارك في كتابة صفحة أسبوعية «اليوم السابع» وكانت تصرف لي خلالها مكافأة متميزة لم أحلم بها في ذلك الوقت إضافة إلى تشجيعه وتقديره الكبيرين وتواضعه الإنساني الذي لا يشعرك خلالها بأنه رئيس تحرير بل هو أخ لك يحتفي بقدومك كاحتفائه بعزيز.
وخلال الأيام العصيبة التي رافقت نشر القصيدة المشؤومة والتي حملت توقيع «حميد غريافي» وكانت تدور حول (السفور) وتسببت في مشاكل لأستاذنا المبدع محمد لم تكن هذه القصيدة للغريافي بل إن هذا المدعي كان قد سرقها من كاتب عراقي اسمه «محمد بسيم الذويب» يحمل رتبة ملازم في الجيش العراقي ونشرت في كتابه «الثمرات» طباعة عام 1928م في دار الطباعة الحديثة!! ويعلم الله أنني قد كتبت للجريدة في ذلك الوقت عن الموضوع وأن القصيدة مسروقة إلا أن ما كتبته لم ينشر لأسباب لا أعرفها وتصورت بيني وبين نفسي أن الموضوع له حساسية تستدعي عدم إثارة الموضوع.. واليوم ونحن نكرم هذا المبدع أحببت أن أذكر ذلك وأشير إلى حقيقة كانت مجهولة وهي أن القصيدة المشئومة كانت مسروقة.
طابع خاص
الشاعر الحقيقي هو المعبر عن إبداعه بمختلف الوسائل الإبداعية وبقدر ما يتفوق في هذا المجال أو ذاك تكثر ادواته وأساليبه في عملية التعبير الإبداعية وصولاً إلى عطاء إبداعي متميز، وتبدو هذه الظاهرة واضحة في بعض المبدعين وبالتالي تجد أعمالهم على اختلاف أشكالها ذات طابع خاص مثيرة للاعجاب والتقدير حد الدهشة، وهذا ما ينطبق على العلي كتاباته وشعره ودراساته النقدية.. أنموذج للمبدع الذي تستحم في اعماق كتاباته همومنا وتعبنا وأملنا وتطلعاتنا الإنسانية المتعبة وتستريح عيوننا لتغفو على وسادة إبداعه ونحن نحلم بالإجمل والأروع مرددين معه في عذوبة:
أحلام يطوقها الشلل..
فدع الجبيل الى الجبل..
واركض فقد أزف العمل..
إنه محمد العلي الذي أمسك بثوبه وراح يركض في دروب الحياة باحثاً عن الماء للأرض العطشى.. باحثاً عن الحب للجميع.. وبهذه اللغة توجه لنا العلي بلغة الإيماءة والإشارة والرحيق العميق.. فصار لنا أكثر من أخ وصديق.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
كتب
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved