الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 12th January,2004 العدد : 43

الأثنين 20 ,ذو القعدة 1424

في روايته (الطين) وعلى خطى إبراهيم الكوني:
عبده خال يعيد تكرار نفسه روائياً
برواية من الخيال العلمي!!
ما قدَمه الروائي عبده خال للساحة الأدبية من روايات: (من تأكل العشب) و(الموت يمر من هنا) و(الطين) وأخيراً (النباح) هي روايات تقدم نفسها بهوية محلية، وتتوجه نحو القارئ العربي بشكل عام، استطاع عبده خال من خلالها ان يمَيز اسمه عن بقية الاسماء الأخرى، وهو ما جعله يعد من أفضل كتّاب الرواية السعودية، وهذه المقدمة لازمة، تقديراً لعطاء وتجربة عبده خال الأدبية.
موضوع الرواية
تدور أحداث الرواية حول الدكتور حسين مشرف استاذ علم النفس بالمستشفى العسكري ومريضه الذي يقول له في أول زيارة: (اذكر انني متُ.. اذكر هذا جيدا.. لست واهما ألبتة)ص13.
هذا المريض الذي يؤكد صحة مقولته بأن يُري الدكتور مشرف على الحقيقة وفي عز الظهر بأنه كائن بلا ظل!. هذه الواقعة تجعل الدكتور مشرف يبحث في تاريخ مريضه منذ ولادته حتى وصل إليه في عيادته بل يصل الأمر إلى زيارة قريته، وكتابة رسائل مطولة إلى زملائه علماء النفس، وبعض المشايخ، وصحفيين وكتاب، لمساعدته في حل لغز مريضه ذي القصة الغريبة التي لا تصدق!!.
شخصيات الرواية
الدكتور حسين مشرف: استاذ علم النفس، شخصية غير واضحة الملامح، رغم انه من أبطال الرواية، لانعرف عنه سوى انه أحب «هند» فقط، غير ذلك، لا توضح الرواية أي أشياء أخرى في تفاصيل شخصيته.
المريض: يحتل أغلب مساحات الرواية، شخصية جاءت من الموت، لتروي حكايتها مع الحياة لا الموت، استطاع المؤلف ان يضعنا في أدق تفاصيل الشخصية وان نتفاعل معها بشكل مذهل، لكنه نسي أن يحكي لنا ما الذي جرى في رحلته إلى الموت.
هند: أو محبوبة الدكتور حسين مشرف، ذات الشخصية الهامشية، رغم ان المؤلف أقنعنا منذ البداية انها شخصية محورية بالرواية في صفحاتها الأولى فقط، وبعد ذلك تلاشت تماما، حتى انك لو حذفت الأجزاء الخاصة بها وأعدت قراءة الرواية مرة أخرى لن تكتشف فرقا، لكن السؤال الأهم: ما الذي يجعل المؤلف يقحم هذه الشخصية في الرواية طالما لا دور لها يذكر، بل انها تشوش على قارئ الرواية وهو يصل إلى نهايتها ويتساءل: أين ذهبت؟ وما حل بها؟ وخاصة ان المؤلف قدم تفاصيل مبهمة حولها، ولم يحدد ما علاقتها بالدكتور حسين مشرف؟.
أشخاص القرية
مسعدة العجوز: التي أعادت المريض للحياة بطريقة يختلط فيها الخرافة وعادات الجاهليين!. شخصيتها حادة الطباع سليطة اللسان ولكنها تخفي بداخلها طيبة لا يكتشفها سوى المريض نفسه!.
صالح التركي: الرجل الذي يطمح إلى زعامة القرية ولكن أصله التركي يعيقه عن ذلك ويعيَره أهل القرية بأنه غير عربي، ويحاول في كثير من المواقف ان يثبت انه صاحب الكلمة العليا، ولكن ألاعيبه لا تنطلي على أهل القرية.
شخصيات ثانوية
العسكري موسى الذي موكل بحفظ النظام في القرية.. خطيب المسجد عبدالرحمن الشرقي الذي يحظى بمكانة لدى أهل القرية.. والدة المريض التي تتعاطف مع مصيبتها في انها تزوجت رجلا يعشق الترحال ورزقت ابنا غريب الأطوار منذ ولادته.
هل هي رواية علمية؟
عندما وصلت في قراءة الرواية إلى منتصفها كنت أقول انها رواية تنتمي إلى الأساطير والخرافات ولكنها أيضا تتكئ على تراث غني في هذا الموضوع، ولكن عندما انتهيت من قراءتها لاحظت انها من روايات الخيال العلمي، فالمؤلف منذ البداية وهو يحاول اثبات ظاهرة العودة للحياة، واستعراض النظريات الحديثة والقديمة في هذا المجال، مثل نظرية الحلول، التي تزعم بعودة أرواح الأموات إلى كائنات أخرى، ولكن المؤلف لايتوقف عند هذه النقطة، بل يؤرخ ويوثق لهذه الظاهرة عبر كتابات علمية لاسماء حقيقية نقرأ على سبيل المثال آراء: د.ابوبكر باقادر ابراهيم مكي.. وغيرهما.
وبعد ان يزَود المؤلف قارئ الرواية ببعض الرسوم الهندسية الدائرية منها والمثلثة والخطوط المنبعجة التي لا يفهمها القارئ البسيط، يصل المؤلف أو الدكتور حسين مشرف لافرق إلى النتيجة التالية: (التجريد منحة إلهية لكي نطلق العنان للعقل وألا نقف عند حد معين فعدم الوقوف يوصل إلى المطلق، بينما التجسيد والتثبيت والتشخيص تُبقيك داخل الشك الذي يحرقك ولا يوصلك إلا إلى التآكل) ص 364. أو في قوله: (نحن سجناء تصورات لهذا الكون، بينما هناك حقيقة مختلفة وواقع مختلف، ولا نستطيع ان نتبادل هذه الخبرات) ص.369.
إعادة مشاهد القرية
يعيب النقاد على تجربة الروائي الليبي ابراهيم الكوني انه يعيد تصوير البيئة نفسها في جميع رواياته، الصحراء الشاسعة، الطوارق وعاداتهم، طبيعة أبناء هذه المناطق وحياتهم.. إذن ما الذي يجعلني أزعم ان الروائي السعودي عبده خال يعيد تكرار خطأ ابراهيم الكوني نفسه؟.
في رواية عبده خال (الموت يمر من هنا) يتحدث عن قرية صغيرة بمساحتها، كبيرة بأحداثها، هذه القرية نفسها تظهر مرة أخرى ولكن بأبطال آخرين في روايته الجديدة (الطين) مع اختلاف مضمون الروايتين، في الأولى المؤلف ينتصر لضعفاء القرية ضد كبيرهم (السوادي)، وفي الأخرى يقدم ضعف بطل الرواية أمام سطوة أهل القرية، ولكن في النهاية تظل القرية نفسها ببيئتها المنعزلة، وبأشخاصها المختلفين، وبموضوعاتها التي تتداخل فيها العادات القديمة، بالأساطير، وبحكايات الدجالين، وبقصص مجانينهم، وغرام عشاقها.
مقولات.. ونظريات
في كل فصل من الرواية يقدم المؤلف بضع كلمات تفسر مضمون هذا الفصل، استوقفتني بعض المقولات منها، مقولة المؤلف في ص30: (الجنس هو المفتاح الذي ننساه في كل مرة ونحن نحاول فتح أبواب أنفسنا المغلقة). هل أسمع فرويد يتحدث بلغة عربية؟.
وفي مقولة أخرى ص167: (الشك طريق غير معبد نحو عالم يبدو لنا مجهولا... موحشا، ولكنه صورة أخرى لما ندعيه حقيقة). هل خطر على بالكم ديكارت؟ ربما.. وربما أكون مخطئا؟!.
مقولة أخرى رمزية لفصل لاعلاقة له بأحداث الرواية إلا أن المؤلف أراد تمرير فكرة ما عن طبيعة بيئة القرية وموقفها في فترة زمنية ما كانت حرجة جدا، قال فيها: (حينما وضعوا جرسا في عنق الدابة كان ذلك لاشعارها دوما بأنها لاتزال حية! وكل المعتقدات التي نعلقها تُنسينا الحيوات الأخرى) ص137.
بقي القول ان أسلوب عبده خال يظل مميزاً في كتابة الرواية، ولكن برأيي انه تورط في كتابة هذه الرواية، ولكنها تجربة تحسب له لا عليه، وقد تفيده في أعماله القادمة.


تركي بن ابراهيم الماضي
tmadi777@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
كتب
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved