Culture Magazine Monday  12/02/2007 G Issue 186
الملف
الأثنين 24 ,محرم 1428   العدد  186
 

الدكتور حسن الهويمل كما عرفته
د.حمد بن عبدالعزيز السويلم*

 

 

الدكتور حسن بن فهد الهويمل أديب واسع الاطلاع، قوي الشخصية، عنيد الرأي، واضح البيان، رائع الأسلوب، متعدد الجوانب، ذائع الصيت، خصب الإنتاج، متتابع النشاط، ذو وجود فاعل في الساحة الأدبية والفكرية بلا مراء.

ينتمي الدكتور حسن إلى الجيل الذي ولد بعد توحيد البلاد. وحينما أنشئت المدارس في صباه توجه إليها مع أقرانه توجه المقبل على العلم، وقد فاضت البلاد بالخير وهو في ميعة الشباب والفتوة، وأقبل الناس على الدنيا يتهافتون على المال مدفوعين بالآمال. أما الدكتور حسن ومن معه من أنداده الطموحين فأقبلوا على المعرفة ودور العلم، وكانت النهضة الأدبية والحركات الفكرية قد أخذت تتحول نحو التطور والازدهار، وأخذ الاتصال بالحركات الفكرية والأدبية النشطة في عالمنا العربي يتعاظم، فبدأ يقرأ لكبار الكتاب المصريين كالمنفلوطي والرافعي وجماعة الديوان وغيرهم من أرباب البيان في العصر الحديث، وقد ازداد تفاعل الدكتور مع الحركات الأدبية حينما ذهب إلى مصر للحصول على درجة الماجستير من جامعة الأزهر. ومنذ التسعينيات من القرن الهجري الماضي أخذ اسمه يلمع على صفحات الجرائد بوصفه واحداً من الكتاب المحترفين.

ويعد الدكتور حسن مع مجموعة من أقرانه أول جيل يطرق مجالاً جديداً من مجالات الفكر والإبداع، وهو التخصص في الدراسات الأدبية والنقدية، حيث كان يغلب على أبناء القصيم بعامة وأبناء بريدة بخاصة التوجه للدراسات الشرعية، أما هو وجيله فخالفوا هذا السائد، فظهر نمط من المتعلمين يحرصون على جمال الأسلوب وروعة اللغة، فكان هو وجيله يكتبون لغتهم عن ذوق، ويفهمون أدبها عن فقه، إنهم يمثلون جيلاً طارئاً على المجتمع البردي المحافظ، وفي أواخر التسعينيات فكروا في وجود تجمع يحاكي النوادي الأدبية التي قامت في مدن المملكة الكبيرة، وقد تحقق لهم ذلك، وكان الأديب حسن الهويمل أحد الأركان الأساسية المؤسسة لنادي القصيم الأدبي، حيث اجتمع مع بعض أدباء مدينة بريدة في عام 1399هـ وتباحثوا في أهمية وجود ناد أدبي وكتبوا طلباً لسمو الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- ووافق على الطلب في عام 1400هـ، وقد انتخب الدكتور الهويمل رئيساً له منذ تأسيسه إلى أن أحدثت وزارة الثقافة والإعلام التغييرات الإدارية في الأندية الأدبية.

صنع الدكتور حسن مجده بجهد مضن، اختط له أسلوباً ذا خصائص يجمعها الإبداع منطلقاً والمضمون غاية، اعتمد لغة بسيطة جميلة ونادرة حتى أن جمال عباراته يشغلك عن تقصي المضمون. والدكتور حسن كاتب غزير الإنتاج متنوع العطاء، لا تقف كتاباته في زاوية من زوايا المعرفة، بل تتعدى ذلك إلى شمولية فكرية أدبية، طبع عدة كتب في الأدب والفكر، ولا يزال عنده المزيد من النتاج محبوساً في أضابيره الخاصة.

ولأنه أديب ملتزم شعر بمسؤوليته، فهو حينما بدأ يدرك مواطن الخطر التي تهدد هوية الأمة وبدأ يدرك خطورة مظاهر أزمة حوار الحضارات وحوار الثقافات، وما يمكن أن تتركه من تداعيات خطيرة ومعقدة على الأمة الإسلامية والمجتمع السعودي جعلها موضوعاً شغل جزءاً كبيراً من كتاباته ومقالاته، فنبه لخطورتها، وعمل على إبراز القيم والثقافة الإسلامية والدعوة إلى تبني برامجها ومفاهيمها على أساس أنها ثقافة الإنقاذ!! وأنها الشكل الجامع المانع لفلسفات الحرية والجمال.

عرف عن الدكتور حسن حرصه على سلامة اللغة ونقاء الأسلوب من لوثة العامية، وحينما لاحظ أن الشعر العربي الأصيل أخذ يعاني نوعاً من الانصراف عنه، والازدراء له، وأخذت تتسرب إلى ألسنة أصحاب المواهب اللهجة الدارجة، بحجة أن هذه اللهجة أقرب إلى نفوس الناس وأذواقهم، هب مناصراً للأدب الفصيح، مؤكداً استحقاقه للعناية والاهتمام، فاللغة العربية والتعبير بها هو الحبل الذي يصل بين أفراد الأمة حين تقطعت الأسباب، لقد نهض بهذا العبء رغم أن للعامية قبولاً في بعض الجهات الرسمية، وأنصاراً من بعض الإعلاميين الذين يمتلكون وسائل التبليغ.. هذه بعض ملامح الدكتور حسن الهويمل كما عرفته، ولا أظن أحداً عرف الدكتور حسن أكثر من معرفتي به لا جرم، لم أتتلمذ على الدكتور حسن لأنه كان معلماً في التعليم العام وأنا تخرجت في معهد بريدة العلمي، وحينما تحصل على الدكتوراه وانتقل إلى الجامعة كنت قد رحلت إلى الرياض كي أستكمل دراستي العليا. أمضيت في الرياض سنتين عدت بعدهما إلى القصيم بعد أن سجلت موضوع درجة الماجستير، بدأت أرتاد النادي وأعتاد الذهاب إليه والاستفادة من مكتبته ثم أخذت أشارك في أنشطته وأقدم بعض فعالياته، وقد توفي الدكتور الوشمي - رحمه الله- عام 1413هـ، وكان عضواً في مجلس إدارة النادي الأدبي ويترأس اللجنة الثقافية التي تنفذ المحاضرات وتشرف على البرامج الثقافية، حينها عهد إلى برئاسة هذه اللجنة، ومنذ ذلك العام إلى يومنا هذا ارتبطت بالنادي وبرئيسه الدكتور حسن ارتباطاً وثيقاً، ولعلي لا أبالغ حينما أقول إنني أكثر الناس قرباً من الدكتور حسن، فكنت ألتقيه غدوة في الجامعة حيث نعمل في قسم واحد، وندرس دفعة واحدة هي دفعة التخرج، وألتقيه عشية في النادي، كنا نتحاور ونتجادل، نتفق حيناً ونختلف حيناً وما نختلف حوله أكثر مما نتفق عليه، ومع ذلك فإن اختلافنا لا يزيد علاقتنا إلا قوة ورسوخاً، لأن اختلافنا يتمركز حول آرائنا، والاختلاف في الرأي أمر طبيعي، خصوصاً أن كل واحد منا ينتمي إلى جيل له مكونات ثقافية تختلف عن جيل الآخر. لقد اشتركت مع الدكتور حسن في العديد من اللقاءات والحوارات، وكان أحياناً يقسو في حواراته ويحتد في نقاشاته، وحينما أراجعه يتمثل بالمثل العامي (ما حرك ما دواك)، لم يكن من عادة الدكتور حسن أنه يحيلك إلى مراجع أو مصادر معرفية تعمق وعيك بالقضية المطروحة، لكنه يشعرك بحاجتك إلى مزيد من القراءات حول القضية موضوع الحوار، فكان يحفزنا للقراءة ويدفعنا إلى مزيد من البحث والتبصر، كان يحرضنا على القراءة والمتابعة والتقصي في الأمور العلمية.

هذه شهادة حق أقولها بمناسبة تكريمه وفاء بحق صديق عاشرناه، وزميل رافقناه..

أمد الله في عمره، وبارك له في وقته، ونفع في قلمه.

* نائب رئيس نادي القصيم الأدبي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة