الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 12th April,2004 العدد : 54

الأثنين 22 ,صفر 1425

جماليات اللا مكتوب في النص الأدبي
عبدالله السمطي

يتجلى النص الأدبي حيالنا كبنية فيزيقية ماثلة، قوامها اللغة والخطاب، وعمادها الآليات الفنية التي يتحرك فيها بشكل نسقي هارموني متراتب، وهو إذ ذاك يمثل علامة سيميولوجية تومىء إلى أثر محدد، له خواصه وآفاقه. بيد أن هذا التجلي، وكما تشير أغلب المناهج النقدية التي ظهرت بعد نظرية المحاكاة، يكون محكوما بالإشارة إلى الخارج، أو إلى الموضوع، بمعنى آخر، أن النص الأدبي يحمل جملة من القيم الدلالية التي ينهض بها يومىء ويدل ويشير، هذه القيم تتبدى بشكل جوهري في لغة النص وخطابه.
ومع تطور العصور الأدبية وانبثاق المدارس الفنية المختلفة كالرومانتيكية، والرمزية، والسوريالية والواقعية أصبح النص الأدبي يتخلى عن تلك الطاقة الكلاسيكية التي تجعله يؤدي بشكل وظيفي صرف، كان النص نشيد الأبطال، وصورة الملحمة وأصبح صورة ذاته، بنيته ولغته وتشكيله الفني، وهنا تحول من منطق النثرية المزوقة ببلاغة التوصيل، إلى منطق الشعرية والتكثيف، وبالتالي أصبح مشحونا بقيم رمزية تحتاج إلى تأويلها أو تفسيرها لفهم كنه الخطاب النصي وماهيته. وبات على قارىء النص، الذي ما انفك يعيد القراءة غير مرة، أن يبذل جهداً قرائيا تأويليا لفهم النص، ذلك لأن النص أصبح محتشداً بفضاء من اللغة، وبفيض من الثراء الدلالي الذي لا طاقة للقارىء به، خاصة قارىء النص الشعري الحديث، لقد أضحى النص رمزيا إشاريا وهنا تتحول بنية العبارة النصية لتتخذ من التكثيف الذي يتطلب قدراً من الحذف أفقا لها، ويغدو ما هو مكتوب في النص شعلة متوهجة كلما قرأت ثانية تزداد توهجا ودلالة، أي أن الناجم عن عملية القراءة لا يتمثل بالضرورة في معنى واحد، ولا في استنتاج تفسيري أحادي، بل يتمثل في محصلة من المعاني، وكلما ازداد النص الجيد غموضا وعمقا ازداد دلالة ومعاني.
إننا إذ نقرأ النص الأدبي اليوم إنما نقرأ عوالم شتى من الخبرات، والدلالات التي انتجها لنا المبدعون في عالمنا العربي على اختلاف توجهاتهم، هذه العوالم ليست بالضرورة هي المكتوبة حيالنا. إن ما هو مكتوب مجرد إشارة كبرى للا مكتوب، وإلا لكتب المبدع رسالته وانتهى، ولخبرنا ما تحويه مخيلة هذا المبدع أو ذاك، ولأدركنا في التو رؤيته للعالم، ووقفنا على حالته الجمالية، وإلا ما تعددت القراءات النصية وتعددت المناهج الحداثية بدءا من الدوران والدخول إلى البنية، واللعب بسيميولوجيات النص، وتفكيكها، وتأويلها، وسبر أغوار خطابها.
مغزى ذلك أن اللامكتوب في النص هو ما نقرأه حقيقة إننا ونحن نستمتع بقراءة المكتوب لفظا ولغة إنما نقوم بقراءة هذه العلاقات السياقية التي صنعها مبدع النص أولا، هذه العلاقات التي تترى حيالنا على الصفحة ونقرأها قراءة أفقية متتالية في زمن محدد هو زمن القراءة. لكن قراءة اللامكتوب تأتي في مرحلة تالية، مرحلة القراءة الرأسية التي تتجوهر في أعماق النص وتغور في بنيته.
هنا نحن إزاء قراءة أخرى هي قراءة اللامكتوب النصي.
المعنى الخفي لا المباشر هو ما يتوارد في التو بالنسبة لما هو مكتوب، هذا المعنى الخفي يتحقق عبر اصطدام علائقي غير سياقي للكلمات، وإذا كان النموذج السردي قصة قصيرة أو رواية يهبنا عطاءه الدلالي بشكل كلي بحيث نستنتج أو نتأول معنى كليا نهاية الأمر تفجره فينا القراءات الأخرى للنص القصصي أو الروائي، فإن الشعر يعمل وفق آلية مختلفة، بحيث تصبح جماليات اللامكتوب في حراك تأويلي نشط ودائب يتجلى عبر كل قراءة جديدة للنص الشعري، ومن رؤى وأبعاد متعددة متنوعة، ومن هنا ندرك مثلا لماذا يظل الشعر العربي القديم بعصوره المختلفة مكنوزا على رغم غنائيته المفرطة بالدلالات كلما خضع لقراءة في العمق، وبمناهج متنوعة، وجلنا يقف على هذه المناهج المتنوعة، منذ (في الأدب الجاهلي) و(حديث الأربعاء) و(تجديد ذكرى أبي العلاء) ومع المتنبي (لطه حسين) حتى (الرؤى المقنعة) لكمال أبي ديب، مرورا بعطاءات: ناصر الدين الأسد، وشكري فيصل، وإيليا الحاوي، والسحرتي، وغنيمي هلال، وعبدالقادر القط، ومحمد مفتاح، وأدونيس، وغيرهم على اختلاف الرؤى والمناهج.
إن تجلي جماليات اللامكتوب طفقت تأخذ كينونتها أو تجوهرها الحقيقي مع النص الشعري الحديث، خاصة مع ظهور آلية القناع، وتوظيف الرموز التراثية والأسطورية، واليوم أصبح النص مشحونا بطاقات كثيفة، حيث كنا نقف في بدايات حركة الشعر الحديث على كنه الأسطورة أو القناع عبر وقوفنا على حكاية أو سيرة النص الذي تم التناص معه، أما النص الراهن فقد وضع معنا وجهاً لوجه دون أقنعة أو رموز، وهذا مكمن صعوبته وجماله.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved