الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 12th May,2003 العدد : 11

الأثنين 11 ,ربيع الاول 1424

مرَّوا.. على جسر التنهدات!!
ابن باريس نجد!!
بقلم/ علوي طه الصاف

«خلوق».. باسم الوجه أبداً في وجوه الآخرين.. لا يعرف الإساءة.. ولا يجيد التقلُّب كما تملي عليه عوادي الزمان.. وظروف الحياة المتقلِّبة، والمتلوِّنة.. ومع ذلك يختزن في أعماقه أحزانه.. بدفنها في آبار أعماقه!!.
«شاعر» مدنف.. يهتز طرباً عند سماعه جميل الشعر، وأعذبه.. والأصل في الشعر العربي «الغنائية».. بل الغناء و«الانشاد» في القصيدة العربية هو «الغائية» والشعر وسيلتها.. لهذا كانوا إذا أرادوا ان يسمعُوا قصيدة من أحد الرواة لشاعر من الشعراء، فإنهم يقولون له «انشدنا» من شعر الشاعر «عمر بن أبي ربيعة» كمثال.. ولا يقولون «اسمعنا.. أو ارو لنا».. ولهذا قال الشاعر «الزهاوي» إذا الشعر لم يهززك عند «سماعه» فليس خليقا ان يقال «له شعر» فقد أورد الشاعر لفظة «السماع».. والسماع يطربه الغناء.. والسماع للأذن، تسمع الشعر الجميل العذب فتطرب له، قبل ان تستعمل العقل للتفكير في جمالياته، وصوره البيانية.. وسجحاته الطائرة.
وهو، «ناثر» متواضع.. قصيرة جُمله، على طريقة أجداده العرب «ما قل ودل».
عرفته منذ أكثر من ثلاثين عاما حين كنتُ مشرفاً على صفحات «الأدب والثقافة» في مجلة «اليمامة» الأسبوعية.. كان يزورنا في المجلة فآنس شخصياً بوجوده لأنني اشعر انه كان يتجاذب معي أطراف الأحاديث.. وبخاصة في شؤون الأدب.. وهموم الثقافة.. فتخصصه في علم النفس، لم يصرفه عن عشق الأدب.. بل علَّمه تخصصه معرفة النفس البشرية فتعامل معها بكل حساسية وشفافية، فأحبه الناس.. وأحببته شخصياً.. وكنتُ إذا ضاق صدري في العمل، وبالعمل، أذهب إليه في مكتبه بإدارة «مؤسسة اليمامة الصحفية» «بالبطحاء» حين كان مديراً عاماً لها.. لأوسِّع صدري كما يقولون في نجد.. أوسِّع صدري عنده من خلال الكلمة الطيبة.. والأحاديث المريحة للنفس.
وكان إذا زاره أحد الأدباء، أو الشعراء، يهاتفني ليشعرني ان «فلاناً» من الشعراء.. و«علاَّنا» من الأدباء لديه، ويرغب ان يتعرف عليَّ إذا كنت لا «أعرفه» أو يود ان يراني إذا كنت أعرفه لتجديد العهد فأجدها فرصة مناسبة لإجراء لقاء مع هذا الأديب، أو الشاعر لنشره في الصفحات التي أشرف عليها.. وكان يكرَّم فيحضر مصوِّر المؤسسة وهو، «إذاري» لا يغلق باب مكتبه منذ ان كان مديراً عاماً لمركز التدريب المهني.. مروراً بعمله مديراً عاماً لإدارة «جامعة الملك سعود».. ومديراً عاماً لمؤسسة اليمامة الصحفية التي كان دوامه فيها مساء، لكنه بذل من الجهد حتى مكَّن المؤسسة من امتلاك مطابع خاصة بها بعد ان كانت تطبع مطبوعاتها، وعلى رأسها جريدة «الرياض» اليومية.. ومجلة «اليمامة» الأسبوعية في مطابع الرياض، بحي «المرقب».. ثم وكيلاً لوزارة الصناعة عند تأسيسها على يد صاحب «حكاية.. في الإدارة» الصديق العزيز في السَّراء، والضَّراء، الشاعر المبدع، والروائي، والأديب الساخر في ألمعية، الدكتور «غازي القصيبي» وفقه الله، وسدَّد خطاه.. وأخيراً عضواً في «مجلس الشورى» الذي كان خاتمة المطاف.. وقد استفاد من مشوار حياته حب الناس والمسؤولين.. وقلَّ من الموظفين من يحب رئيسهم في إدارة كل زمان ومكان.. لأن صاحبنا لا يحمل في يده هراوة، أو عصاة، أو قلماً أحمر.. لكنه يحمل «غصن زيتون.. للسلام.. وعلى لسانه» وردة تفوح بالطيب والطيبة.. والكلمة الحسنة.. كما استفاد لاجهاده نفسه في عمله، وخدمة الآخرين، مجموعة من أمراض «الشيخوخة المبكِّرة»، فقد على إثرها بصره.. فلزم بيته كالمعري «رهين المحبسين».. شفاه الله.. وما ذلك عليه سبحانه تعالى بصعب وعزيز.. فإذا أراد شيئاً قال له كن فيكون.. {$ّلٌيٍمّحٌَصّ پلَّهٍ پَّذٌينّ آمّنٍوا $ّيّمًحّقّ پًكّافٌرٌينّ} وحين أنشأتُ «دار الصافي للثقافة والنشر» حرصتُ على ان اطبع شيئاً من أعماله الشعرية، أو النثرية.. وكعادته الطيبة لم يعتذر، ولم يتلكأ، فوعدني مرحبا ومباركا بديوان شعر له وسمه بعنوان «نوَرة الخزامى».. فوضعته في قائمة الكتب التي ستصدر، لأنني كنتُ أحرص على طبع كتب المؤلفين السعوديين في الدرجة الأولى، ليس من منطلق «الاقليمية» الممقوتة إلى نفسي، بل لأن الأدب السعودي لم يُخدم كما يجب ان يُخدم.. وأهل الدار أولى بالخير والنفع.. وكما قال حبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».
ولكن الاتفاق على طباعة وتوزيع ديوان «نَورة الخزامى» لم يتم ولم يخرج إلى حيز التنفيذ والواقع، ليس اختلافاً على شروط عقد مالي أو أدبي، وإنما لأن الدارة توقفت عن النشر لضعف التموين، لأنني كنتُ احتزئ شيئاً من راتبي لاطبع به كتابا.. بينما أعيش اليوم دون دخل شهري ثابت!!.
إنني اكتب في هذا الموضوع عن الشاعر، الناثر، الإداري، الإنسان الصديق الحبيب «ابن عنيزة» باريس نجد كما اطلق عليها «أمين الريحاني» صاحب اشهر كتاب له هو «ملوك العرب».. انه الأستاذ الكبير الرائد والرائد لا يكذب أهله «عبدالله حمد القرعاوي» بمناسبة المبادرة الكريمة التي قدَّمتها هذه «المجلة الثقافية» لتكريمه في عدد خاص طُبخ، وأعدت مائدته دون أن أعلم، فكان عتبي الهاتفي على «العنيزي» الآخر الصديق الودود حمد عبدالله القاضي»، أو «ابو القاسم الشابي الصغير.. أو مسيمير» كما كان يوقع على موضوعاته في الماضي تواضعاً في احترام.
وقد أوحت إليَّ الكتابة عن الصديق «عبدالله القرعاوي»، وتشبهاً بما يكتبه الصديق الناقد «عبدالله الماجد» تحت عنوان «عشتُ في حياتهم».. والشاعر يقول:
وتشبَّهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التَّشبه بالكرام فِلاحُ
فألزمت نفسي بنفسي ان اكتب اسبوعيا في هذه المجلة عن أدباء وأشخاص مرَّوا في حياتي.. ولكي يكون العنوان شاعرياً ورومانسياً ورامزاً فقد اخترت له «مرَّوا.. على جسر التنهدات»، واقصد بجسر التنهدات «حياتي» فكان المعنى المرموز إليه «مرَّوا.. في حياتي».. أرجو الله ان يوفقني للوفاء بهذا الالتزام الاسبوعي الذي استسهله اليوم، ولا يدري ما يخبئه لي القدر في المستقبل إلا الله.. وإذا شعرت أسبوعاً بملل العادة، فسأتحول إلى أمر كتابي آخر تجرني إليه العادة، أو النزعة البشرية الميَّالة إلى التغيير، والتجديد، كسراً للرتابة!!.
والذي أعجبني في «المجلة الثقافية»، لا أقولها تزلفاً هو منهجها الوسطى المناهض للشللية الطفولية، أو الانتماء لجوقة محدودة من الكتَّاب، فنأت بنفسها عن «الأدب الشللي السلطوي» ان صح هذا التعبير.. فاستقطبت كل الأقلام سواء كانت من أقلام «قدامى المحاربين» مثلي، ومثل الصديق عبدالله الماجد.. أو غيرنا من المجايلين لنا، وفي الأخير ستكون هذه المجلة هي «الكاسب» الوحيد لكل الأقلام الظاهرة، والمتوارية ابتعادا عن «الهوقة» الشللية، والانطواء تحت معطف واحد كمعطف «جوجول» القاص الروسي المعروف!!.
ويكفيها اعتزازاً انها في عددها «التاسع» الصادر يوم الاثنين 26 صفر 1424هـ الموافق 28 من ابريل 2003م انها استقطب اقلاما لها وزنها الأدبي.. وثقلها الثقافي.. ومكانتها الرسمية.. وشهرتها الاجتماعية.. مثل الدكتور «الوزراء» الصديق الأديب «عبدالعزيز الخويطر»، والصديق الدكتور «الوزراء» الشاعر العربي المعاصر، والروائي «غازي القصيبي».
وإن كنت أنس فلن أنسى الصديق الإنسان «المتواري» خلف المسؤوليات الجسام في مجلس الوزراء الموقر، الأستاذ الكبير «عبدالعزيز بن عبدالله السالم».. وغيرهم من الأقلام المشرعة في أفق وسطنا الأدبي، والثقافي كالشموس والنجوم.
فإذا كان الأستاذ الأديب العربي المشهور «أحمد حسن الزيَّات» رحمه الله قد استطاع ان يستقطب كل الأقلام ليس في مصر فحسب، بل في الوطن العربي، مشرقه، ومغربه للكتابة في مجلته المدرسة التي تخرَّج على صفحاتها عدد كبير من الأقلام غير المعروفة لنا، هي مجلة «الرسالة» التي كانت منتدى ونادياً عربياً للفكر العربي الأصيل الذي لم يفسده فكر عربي أو شرقي!! فإذا كانت «الرسالة» كان كذلك فإنني أتمنى ان تكون «المجلة الثقافية» خير خلف لخير سلف، إذا قدِّر لها الاستمرار على منهجها الحالي.
وحين أشير إلى الفكر الغربي، والشرقي، او الاستغراب، أو الاستشراق فإنني لا أدعو إلى الانغلاق، والتقوقع في شرنقة «العروبة».. بل ادعو واصر على دعوتي بكل ما اوتيت من قوة على «الانفتاح» الواعي على الآخر، على شرط ان لا نكون أبواقاً، أو ببغاوات تردِّد ما لدى الآخر.. ان «ننفتح» بعقولنا، ونفرز الغث من السمين.. ونأخذ ما يناسبنا، وندع ما لا يناسبنا لا ان «نَفْتَح» أبوابنا، ونوافذها ليتسلل منها الآخر، ويستولي كاللصوص على أجمل ما عندنا.. فأنا أدعو إلى «الانفتاح»، الذي يثري ثقافتنا وأدبنا الجديد الجيد في استقلال.. لكنني ضد «الفَتْح» الذي يشكِّل غزواً ثقافياً يفقدنا استقلالنا وهويتنا، وخصوصيتنا، وأصالتنا!!.
يقول «غاندي» الزعيم الهندي رائد استقلال الهند، يقول إذا لم أنس: «انني افتح النوافذ للنسائم، لكنني اغلقها في وجه الاعاصير التي نفتح لها عقولنا.. وافهم من هذه العبارة أن «الانفتاح» على الآخر هو «التشاؤم».. أما «الفتح» فهو «الاعصار» الفكري الذي يجب ان نجابهه، ونغلق في وجهه أبوابنا ونوافذنا لنحافظ على «هويتنا» الخاصة المستقلة!!


ص.ب 7967 الرياض 11472
*) الحلقة القادمة مع
«شاعر الوزارتين.. الشك»

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون
الملف

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved