الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 12th May,2003 العدد : 11

الأثنين 11 ,ربيع الاول 1424

قضية الفصحى والعامية
د. عبدالله المعيقل
كتب الأخ الدكتور والشاعر عبدالله سليم الرشيد تعقيباً متزناً وعاقلاً على رأي نُسب إليّ في عدد الثقافة الثاني 7/1/1424هـ مؤداه أنني وصفت الشعر العامي بأنه ديوان العرب.. وقد استنكر الدكتور الرشيد «في 5/2/1424هـ» أن يصدر عني هذا القول، وكذلك اهتمامي بالشعر الشعبي عامة.
ولعلي في البداية أشيد بالأسلوب الذي كتب فيه هذا المقال، وهو الأمر الذي شجعني على الدخول معه في حوار فالدكتور الرشيد يبسط حجته وخلافه معي بأسلوب علمي راق بعيد عن التجريح الشخصي الذي تعودنا عليه، مع الأسف في حواراتنا، الذي ضحيته الأولى والأخيرة هي الحقيقة، كما نعلم جميعاً، حيث يعمد الكثير منا ربما لضعف حجته إلى تجاوز القضية المطروحة للنقاش، إلى الشخص المحاور، متهمين إياه بصفات لا علاقة لها بالقضية الأصلية.
وأبداً بالقول إنني في حواري هنا مع الدكتور الرشيد لا أقول جديداً لم أقله من قبل في دفاعي عن الشعر الشعبي أو الأدب الشعبي عامة. فقد كتبت في هذا الشأن كثيراً، ومع ذلك فإن هناك مقولات تنسب إليّ وهي غير صحيحة، أو محرفة، تنقصها الدقة في النقل والرواية، لكن اهتمامي بالأدب الشعبي وحماسي له لم يتغير ولن يتغير.
لم يسبق لي وأنا متأكد من هذا أن وصفت الشعر الشعبي بأنه ديوان العرب، ولا يمكن لي أن أؤمن أو أتبنى مثل هذه المقولات الشائعة في ثقافتنا التي أصبحت معتقدات ثابتة لا سبيل إلى نقضها أو مجرد التساؤل حولها.
لقد قلت مرة إن الشعر الشعبي هو أغنية الإنسان العربي في الجزيرة على اعتبار شيوعه على ألسنتنا وحفظنا له وروايته جيلاً بعد جيل يستوي في ذلك المتعلم وغير المتعلم، والمرأة والرجل، وهذه علاقة غير متحققة بالنسبة للشعر الفصيح.
ومن ناحية أخرى، فأنا أتحفظ على مقولة ان الشعر العربي «الفصيح» هو ديوان العرب، لأنه ديوان طبقة نخبوية، يعني بفئة، من فئات المجتمع العربي، ويهمل الحياة العريضة للإنسان العربي بما تحفل به من سمات ومظاهر متنوعة، وثرية. وينزع الشعر العربي إلى تصوير مثل وقيم لم تتحقق في يوم من الأيام، على أرض الواقع، لكن هذا الاعتقاد لديَّ، لا يؤثر في قناعتي التامة بأن الشعر العربي الفصيح أحد أهم مفاخر العقل العربي المبدع على مر القرون.
لم أدع إلى تدريس الشعر العامي في الجامعة بالشكل الذي توحي به هذه العبارة، وكان الاقتراح هو أن يتم استحداث قسم لدراسات الفولكلور في الجامعات السعودية وهو تخصص مهم جداً ولا تكاد تخلو جامعة عربية أو غربية منه ويتم من خلال هذا التخصص دراسة هذا العلم «التراث الشعبي» بحيث يكون من مفردات إعادة النظر في النصوص الشعبية التراثية والمعاصرة شعراً ونثراً من منظور البحث العلمي. ولم يسبق لقسم اللغة العربية في جامعة الملك سعود أن أقر مادة تحت مسمى الشعر العامي كما نقل عن الدكتور محمد السديس، وإنما كان هناك مادة واحدة هي مادة «التراث الشعبي» ظلت تدرس لفترة معينة قبل أن يتدخل التيار المحافظ في القسم ويطلب إلغاءها مع الأسف الشديد.
ودعني أيها الأخ العزيز أوجز لك وللقراء، رأيي في دفاعي عما يكتب باللهجة والأسباب التي استند إليها في ذلك:
1 لا يوجد دليل على صحة ما قيل وما يقال من أن اللهجات العربية نشأت بعد أن فسد اللسان العربي بدخول الأعاجم إلى الإسلام وهناك أدلة حديثة تثبت عكس هذا الرأي، وترى أن الازدواجية اللغوية «فصحى ولهجة» قديمة، وأن اللهجات العربية المعاصرة منحدرة من طور أقدم للغة العربية، وأن الاختلاف بين اللهجات العربية الآن هو استمرار للاختلافات اللهجية القديمة.
2 ظل هناك تعايش بين المستويين في المجتمع الواحد، وإن أخذت اللغة العربية المتكلمة بالابتعاد عن الشكل النموذجي الذي قعده النحويون تأسيساً على لغة القرآن الكريم والشعر الجاهلي.
ويرى أحد الباحثين أن علامات الإعراب بدأت تختفي قبل الإسلام في الحجاز والشام وجنوب العراق، وأن الإعراب قد اختفى دون أن يكون ذلك نتيجة لأثر اللغات المحلية غير العربية في تلك المناطق أو بسبب المولدين.. والواقع أن هناك بيئات معزولة تماماً في الجزيرة على مر التاريخ ولم يعرف عنها اتصالها واختلاطها بالأعاجم ومع ذلك نجدها تتحدث باللهجة.
ومن يتأمل في الأمر سيجد أن فساد اللغة بسبب دخول الأعاجم لو كان صحيحاً لظهر في شكل اللهجة التي تتكلم بها العمالة الآسيوية التي جاءت للبلاد بعد الطفرة، وليس تلك اللهجة التي تعلمناها في طفولتنا من آبائنا وأمهاتنا وتعلموها هم من آبائهم وأمهاتهم.
3 إن استمرار اللهجات لا يشكل أي خطر على الفصحى التي عاشت كل هذه القرون بما فيها عصور الضعف اللغوي والأدبي.
كما أن وجود لهجات عربية إلى جانب الفصحى يشكل عامل ثراء وتنوع ربما لم يتوافر في لغة أخرى، يقول السعيد محمد بدوي في دراسة له عام 1996م: «إن وجود مستويين لغويين في متناول المبدع العربي يتيح له لو أراد نوعاً من الغنى التعبيري لا يوجد بذات العمق لدى زميله في بعض اللغات، ولكن أحادية النظرة التي يتعامل بها الناقد العربي مع قضية اللغة تقف حجر عثرة أمام دراسة القضية من منظورها الفني».
4 إن و جود لهجات عربية قديمة على النحو الذي أشرت إليه، يرجح وجود إبداع شعري ونثري كثير وسيلته اللهجة المحلية لكنه لم يصل إلينا لأن التدوين اقتصر على الأدب المكتوب بالفصحى باعتبارها اللغة النموذجية للإبداع، وظل الإبداع باللهجة إبداعاً شفوياً وإذا ما دون منه شيء فإنه لا يحتفظ بشكله اللهجي الأساسي على رأي أحد الباحثين بل يتحول أثناء التدوين إلى شكل يقترب كثيراً من أشكال اللغة العربية الأدبية.
5 ينبغي في رأيي أن نتعامل مع ازدواجية للغة بأفق مفتوح وعقلية مرنة، وألا ننصرف عن الإبداع باللهجة. لمجرد أنه كتب بهذه الأداة اللغوية، مثلما أنه لا يصح أن نحكم على قصيدة بأنها جيدة فقط لأنها كتبت بالفصحى.
إن ديوان الشعر العربي الفصيح مليء بقصائد رديئة لم تشفع لها فصاحة الأداة، فالشاعرية والإبداع لا يتحققان بمجرد اختيار مستوى لغوي محدد، وإنما من خلال الطريقة التي يستخدم فيها هذا المستوى اللغوي، لذا فإن جعل الهوية اللغوية معياراً أولاً وأخيراً للإبداع خطأ واضح لا يصعب التدليل عليه.
6 إن الإعجاب بالشعر الشعبي والاهتمام به ودراسته لا يعني جعله بديلاً للفصيح، كما أننا الآن ونحن نتحاور في أمر الشعر الشعبي أو نقوم بكتابة دراسات وقراءات له، إنما نستعمل اللغة العربية الفصيحة، بمعنى أن الاهتمام باللهجة يظل محصوراً في النصوص نفسها ولا ينسحب على ما نكتبه عنها.
وأخيراً فإن هناك صفة يوسم بها الشعر الشعبي وهي سمة «الفكر العامي» والحقيقة أن الفكر العامي يمكن أن يوجد أيضاً في قصيدة فصيحة مثلما يمكن أن يوجد في قصيدة عامية اللهجة ولا علاقة للأمر باللغة نفسها وإنما بالشاعر نفسه الذي قد يتصف بفكر متخلف تجاوزه العصر، لذا فإن هذا النوع من بفكر سيؤثر في ما ينتجه لنا هذا الشعر، إن كتب قصيدة فصيحة أو أخرى باللهجة.
إن الحديث يطول في هذا المقام، والذي يهمني أن أؤكده أن في بعض النصوص الشعبية إبداع لا يمكن إغفاله، وأن الاحتفاء بهذا الإبداع لن يؤثر في مكانة اللغة الفصحى في عصر العلم والتنوير.
اعتمدت في ماقلته عن نشأة اللهجات على آراء ودراسات عدد من الباحثين، ينظر على سبيل المثال د. حمزة قبلان المزيني، دراسات في تاريخ اللغة العربية «دار الفيصل الثقافية» الرياض 1421/2001م وقد احتوى الكتاب على عدد من الدراسات المترجمة لباحثين غربيين في نشأة اللغة العربية ولهجاتها.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون
الملف

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved