الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 12th May,2003 العدد : 11

الأثنين 11 ,ربيع الاول 1424

الشنفرى يظهر مرة أخرى في جنوب السعودية
مُسيَّر مباركي.. يهجر بيته ووظيفته ويعيش حياة الصعلكة من أجل القصيدة

الثقافية عبدالله السمطي
شاعر نزق، به مسٌّ من جنون الشعر. لعله الشاعر الوحيد في السعودية الذي تتطابق افعاله مع اقواله، فقصيدته جزء عضوي منه، فالصحراء عالمه، والليل كونه الحقيقي، يظهر فجأة في مكان ما ثم يختفي تماماً كما يفعل صعاليك عصر ما قبل الاسلام او كما يعرف نفسه.. انا صعلوك قبيلته.. سهده والبيد والجان.. يعيش متنقلاً بين مناطق جنوب السعودية في عسير وابها وجازان وصولاً الى صنعاء باليمن متخذا من جبال عسير وتهامة والسروات موطنا حياً، واحيانا اخرى يسكن بواد غير ذي فرح هو وادي القصيدة.
انه وكما يطلق على نفسه: الشنفري الاكبر «لا الاصغر» واسمه: محمد مسيَّر مباركي. اصدر حتى الآن اربعة دواوين شعرية هي:« تماهي منبت»، و «منسك للسريرة في حرم الرمل» و «الغيد الصناديد والرجال الخائضون ثم اخيرا ديوانه «نبوءة» الذي يقدم فيه سيرته الذاتية كالتالي:« الاسم: محمد مسير مباركي، الشهرة: الشنفري الاكبر، العمر: 30 احباطاً، البرج: يقال له الاسد رغم ان القرود هي المستأسدة، الهوايات: القراءة والكتابة والبكاء، الخبرات العلمية: يقرأ ويكتب، موظف في وادي عبقر بمرتبة شاعر صعلوك، المرتب: حزن وبؤس وشقاء يومي، متزوج بثلاث: جنية عاقلة، وانسية يحتمل كونها عاقلة ومصرية بين بين.. ولي من الابناء سبعة، متمرد وثائر على الورق فقط للاسف الشديد.
هذه السيرة التي يختلط فيها الجوهري بالعرضي، والحقيقي بالمتخيل لا تبتعد كثيرا عن نصوص مباركي التي تقدم لغة مغايرة جارحة احيانا في كتابة نص شعري لا يتماهى مع رومانتيكية مجلوجة، او حتى معاصرة مجتباة بل مع افق ذاتي مجنون وجارح:
جسدي قبلتان
ومقصلتان
وحدّْ
وأنا
لا أحد
هكذا يقول في ديوانه:« منسك للسريرة» الذي يهيمن عليه الجنون الشعري، والتعبير المفارق البعيد الذي يقترب من مكامن الذات بشكل صادق، حين يقول في نصه.. التوجس مني..:
لهف نفسي عليّ
تشبثت بي، وتماسكت
كي لا اضل الطريق اليا
اين وجهي؟
واين انا من ملامح هذا التشرد في مقلتيا؟
لهف نفسي عليا
اتوجس من
وارشف دربي بظني
اعاقر حتمى الدوار واشتفَّ منفاي في
وانسل مني اليّ
فما اتبقى لديا!!
انه غالبا ما يربط سيرته بالجنون.. انني انا المريض النفسي الوحيد في هذا العالم الذي لا يقبله الاطباء النفسانيون في مصحاتهم الرشيدة.
ويربط كتابة القصيدة بالحمى في اكثر من نص. وهو يعبر عن التشرد الروحي والمادي، والتشظي، والاغتراب، والوجع، والوحشة، والموت والفناء، ويتجلى ذلك في نصوص ديوانه «تماهي منبت» كما في ديوانه «نبوءة» الذي تطابقت فيه صعلكتان:
صعلكة مضمونية ودلالية باجتراحه هذه الحياة الخشنة الصحراوية كما تدل نصوصه، وصعلكة فنية باحتذاء المعجم الشعري الجاهلي في القصائد العمودية التي يضمها الديوان، فمباركي يمتلك زمام هذا المعجم القديم، ويعيد تفجيره من جديد في علاقات شعرية خصبة، وفي البدء يهدي الديوان الي الموتى حيث يقول.. الى الموتى.. فلا حي يستحق.. ثم يورد اربعة ابيات يعارض بها ابياتا اخرى لزهير بن ابي سلمى يقول فيها:
وما «السلم» الا ما علمتم وذقتم
فأرواحكم مرعى السلام المرجمِ
شئمت تكاليف «الشعور» ومن يعش
«ثلاثين حولاً بالبراءةِ» يسأمِ
رأيت المنايا خبط «نعماء» من تصب
«ترحه» ومن تخطىء يعمر فيندمِ
واعلم «ما مستقبل العرب في غدٍ»
ولكنني عن علم «ماضيهمُ» عمي
انه وكما تقول قصائده ونصوصه:« يحلم أن يعيش محترم». لكن هذا الحلم لا يتحقق ابدا لا على المستوى الحياتي حيث هجر وظيفته كمصحح لغوي في صحيفة الوطن، ولا على المستوى الوجداني حيث يعيش رحالاً في الصحراء ومغتربا في المدن، يمدح ذاته وقصيدته، ويهجو الواقع الاليم، ويشكل نصوصاً شعرية تجريبية مجاوزة للمشهد الشعري السعودي بوجه عام حيث تتداخل فيها الاشكال الشعرية المتعددة، النثري والتفعيلي والعمودي، كما تتماهى فيها المستويات اللغوية المتنوعة من الشعر الشعبي الى الفصيح. ان شكل الصفحة الشعرية لدى مباركي يتأدى بنهج مغاير على مستوى الاسلوب واللغة وعلى مستوى الصورة والمعنى:
يارفات الروح ماطلني
جسدي فالتيه عنوانُ
وحياتي برزخ ذهلت
من ذهولي فيه جنانُ
لا. فتعويذات غاشيتي
يتغشاهن بركانُ
رحم للموت شيعني
فكأن الطلق اكفانُ
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون
الملف

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved