الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 12th December,2005 العدد : 133

الأثنين 10 ,ذو القعدة 1426

خطاب الأنا العربية بين التقليل والتضخيم
(قراءة في وعي الشخصية العربية) «5»
سهام القحطاني
إن تحليل وعي الشخصية العربية في العصر الحديث، هو أمر معقد أو هكذا أظن، فقراءة في وعي شكّل من خلال الأزمات عادةً لا تسلم من تشويه وعقد واضطراب واحتمالات إضمار الإحساس بالإحباط والشيزوفرينيا والاضطهاد والدونية وعقدة الانهزامية والهزيمة، ومأزق الإنقاذ.
لقد خرج الوعي العربي من أزمة السلطة العثمانية عبر طريق الثورة العربية، - ولنا تحليل خاص في هذا الموضوع - الذي ظنّ أنها المنقذ له ولقوميته ولاستقلاله، ليكتشف أنها مجرد خدعة ولعبة من الاستخبارات البريطانية، استغلت فيها العرب لتضرب الدولة العثمانية من خلال زراعة فلسفة القومية في وعي العربي المحبط والمنهزم روحياً وسياسياً وثقافياً حينها، وهكذا فإن التأسيس الأولي لفلسفة القومية العربية كان من صناعة الاستخبارات البريطانية التي أنشأت الفكرة وضخمتها عبر وعودها بتمكين العرب من (إنشاء دولة عربية مستقلة بعد الحرب) - أعمدة الحكمة السبعة - لورنس العرب - ص 76 -، والحقيقة أن الهدف يتضح من تلك الوعود من خلال قول لورنس العرب: (فقد أمكنني أن أرى أنه إذا ما كسبنا الحرب فإن كل الوعود للعرب ستكون حبراً على ورق) - المرجع ذاته - ص 318 -؛ لتقسم أرض العرب بين إنجلترا وفرنسا، ويوضع ما تبقى من سوريا والعراق تحت الانتداب، وتعطى فلسطين لليهود بناءً على وعد بلفور الذي كتب إلى وايزمان: (حين تسكت المدافع ستكون لك قدسك). هذا التخطيط الذي تم وفق معاهدة سايكس بيكو التي صيغت في دهاليز وزارة الخارجية البريطانية، وتمّ ذلك بفضل بعض أغبياء العرب أمثال الشريف حسين الذي وصف الإنجليز أثناء مؤامرة سايكس بيكو بأنهم (قوم شرفاء في أقوالهم وأفعالهم في السراء والضراء)، وكان موقف الشريف فيما يتعلق بالاستيطان اليهودي لفلسطين لا ينقص غباء عن سابقه بل يزيد، فعندما فسرت بريطانيا للشريف دلالات وعد بلفور ب (أن الاستيطان اليهودي في فلسطين لن يكون مسموحاً به إلا بقدر ما يتفق ذلك مع حرية السكان العرب من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، فما كان من الشريف إلا أنه قام بنشر رسالة في جريدة القبلة موجهة لأهل فلسطين يوصيهم بالقيام بواجبات الضيافة والتسامح ويحضهم على الترحيب باليهود، وعلى التعاون معهم في سبيل الصالح المشترك)، ولم يكن ابنه فيصل بأحسن حال منه، إذ وصفه الرئيس الأمريكي ويلسون بأنه (مسيح الشرق)، وقال عنه السير هنري دوبس المندوب السامي البريطاني في العراق: (إنه يبدو في نظر البريطانيين شخصاً أسطورياً بل هو صلاح الدين لهذا العصر)؛ فقد استطاع الشريف فيصل بن الحسين أن يمثل العميل رقم واحد للبريطانيين أثناء تأسيس المخابرات البريطانية للثورة العربية في شبه الجزيرة العربية، وإن كنا نعترف بحسن نيته، فكان بمثابة الدبة التي قتلت صاحبها!، فالاتفاقية التي تمت بينه وبين الدكتور حاييم وايزمان أول رئيس لدولة إسرائيل، والتي تدعو إلى النوايا الحسنة بين العرب واليهود، وتحديد الحدود بين الدولة الإسرائيلية والعربية، واحترام الحرية الدينية، وهي اتفاقية كانت تضمر موافقة من قبل الطرف العربي لفكرة قيام دولة إسرائيل، كما كانت تعني التنازل الرسمي الثاني عن فلسطين، بعد التنازل الأول من قبل والده. وهكذا خرج الوعي العربي من مأزق السلطة العثمانية ليقع في فخ الانتداب والاستعمار، وفلسفة الشرق الأوسط التي فرضت دولة إسرائيل فوق الخريطة العربية.
لقد خرج الوعي العربي من أزمة السلطة العثمانية بهوية مهشمة ذات ملامح غامضة تشبه قدرة، وسواء كان ذلك التهشّم والغموض وضبابية القدريّة مقصوداً أو غير مقصود، فالحاصل واحد، ففي حينها لم يستطع ذلك الوعي التكيّف مع دلالة الانتقال من مفهوم الأمة الذي اعتاد عليه منذ صدر الإسلام وحتى حينها، إلى السكن الجديد المحصور في دلالة القومية. ولعل هناك من يقول إن مناهضة العرب سياسة التتريك، كانت إشارة أولية، إلى ميل وعي الشخصية العربية إلى القومية، والانقلاب على الخلافة العثمانية، وهذا الناتج هو قراءة أولى لهذه الرواية، وهناك قراءات عديدة ممكنة ومتاحة، لنتائج مختلفة.
إن فكرة القومية - كما أسلفت - هي صناعة بريطانية بدأت إرهاصاتها قبل الثورة العربية، وتمثل تنفيذها من خلالها، أما قبلها فكانت سياسة التتريك وتخطيط بريطانيا وفرنسا لهزيمة الدولة العثمانية عند دخول الحرب، والهدف الأهم هو بناء جدار وجداني عازل بين العرب والخلافة الإسلامية الممثلة في الدولة العثمانية، وهكذا سيضمنان أثناء الحرب عدم مساعدة العرب للعثمانيين، كما سيضمنان وقوف العرب في جانبهما، وهذا ما حدث أثناء الثورة العربية؛ يقول لورنس العرب: (على رغم قناعتي بأن مساعدة العرب لنا كانت ضرورية لانتصارنا الرخيص والسريع في الشرق، فإنه كان الأفضل أن نكسب الحرب وننقض تعهداتنا بدلاً من أن نخسرها) - أعمدة الحكمة السبعة - 13 -.
إن حقن وعي الشخصية العربية بفلسفة القومية من قبل الاستخبارات البريطانية والفرنسية، كان الهدف المقصود منه فصل العرب عن دينهم وسحبهم من شمولية مفهوم الأمة وحصرهم في دلالة القومية سيترتب عليها بعد ذلك حبس تلك الحصرية داخل حصرية القطريّة، ومن أجل تحقيق هذا التخطيط قامت كل من بريطانيا وفرنسا بترتيب الأوراق فوق طاولة العرب ليقوموا بدورهم المعتاد، وهو التوزيع بمهارة؛ فالعرب في العصر الحديث تفوقوا على غيرهم من الأمم في مهارة توزيع الأدوار التي تُفرض عليهم لتمثيلها!
وهكذا كانت بريطانيا وفرنسا المحرك الخفي لبروز فكرة القومية عند العربي بداية عام 1908 حيث نظم العرب صفوفهم في جمعيات وأحزاب منها السري والعلني، وتكوين جمعية الإخاء العربي، ونشأت أحزاب الكتلة النيابية العربية للدفاع عن حقوق العرب في مختلف أنحاء الدولة العثمانية. وفي عام 1913 عقد المؤتمر العربي الأول وكان مقره باريس، وتعددت الاتصالات والمؤتمرات التي تزعمتها مصر إلى الدول العربية التي دعت إلى اجتماع تحضيري لمؤتمر عربي عقد في سبتمبر 1944 واستطاع المشاركون الوصول إلى عدة قرارات تعتبر الوثيقة الأولى للجامعة العربية ووقع البروتوكول في 7 أكتوبر 1944م.
إن فكرة جامعة الدول العربية هي أيضا فكرة بريطانية بجدارة؛ لتعود بريطانيا إلى تجديد تلك الإرهاصات لدعوة العرب إلى الالتفاف حول منظمة تجمع وحدتهم وكلمتهم، فكانت جامعة الدول العربية، لأهداف أهمها دخول عامل النفط سباق الدراجات النارية! وفرض اتفاقية السلام مع إسرائيل من قبل الغرب ضمن العلاقات السياسية الجديدة التي يحتمها التكتل الإقليمي الجديد (جامعة الدول العربية) وممارسة دور المحرك من وراء الكواليس، ومن تحت الطاولات؛ لذلك حرصت بريطانيا على خلق هذه الجامعة، والفضل الأول للسيد (أنتوني إيدن) وزير خارجية بريطانيا، وفي هذا السياق جاء خطابه في 29-5-1941 ذكر فيه: (إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن. وإن العرب يتطلعون إلى نيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية وكذلك الروابط السياسية أيضاً... وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأي خطة تلقى موافقة عامة). وبعد أقل من عامين من هذا التاريخ وتحديداً في 24- 2-1943 عاد إيدن يصرح في مجلس العموم البريطاني بأن الحكومة البريطانية (تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية)، وبعدها تم خلق جامعة الدول العربية بمباركة بريطانيا.


seham_h_a@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved