الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 12th December,2005 العدد : 133

الأثنين 10 ,ذو القعدة 1426

غواية البوح:
قراءة في الجوانب الشكلية لرواية (بنات الرياض) ودلالاتها (4)
د. صالح بن معيض الغامدي

الجنس الأدبي
من القضايا الإشكالية التي يثيرها هذا العمل الجنس أو النوع الأدبي الذي ينتمي إليه، وقد كانت هذه الإشكالية حاضرة بقوة في ذهن الكاتبة أثناء إنجازه (ص ص: 211- 318). ومعلوم أن التصور الأجناسي لعمل ما يلعب دوراً فاعلاً في طريقة تلقيه والتفاعل معه. وعلى الرغم من أن الكاتبة قد استخدمت مصطلحات عديدة لوصف عملها مثل: رسائل، إيميلات، قصة، قصص، اعترافات، رواية، سلسلة فضائحية، تاريخ... إلخ، إلا أن جنسي الرواية والسيرة الذاتية هما من وجهة نظرنا الأكثر إفصاحاً عن هوية هذا العمل الإبداعي.
فهذه الرسائل السردية هي رسائل مختلقة متخيلة من الكاتبة تروي أحداثاً قامت بها شخصيات واقعية دخلها غير قليل من التعديل والتحوير بل والاختلاق. وهذا في اعتقادنا كافٍ لتبرير عد هذا العمل رواية، أو رواية ترسلية من نوع جديد. إضافة إلى ذلك، هناك دلائل أخرى تؤكد هذا التصنيف، منها كلمة (رواية) التي وردت على صفحة الغلاف، ومنها ما ذكرته الكاتبة في ثنايا عملها وصفاً للكتابة التي تقوم بها. فقد استحسنت مقترح القراء بجمع رسائلها وطبعها في رواية، وتوقعت أن يكون عملها (رواية ممنوعة) (ص211- 218)... إلخ. أما ما أبدته الكاتبة في الخاتمة من تخوف من أن عملها قد لا يرتقي إلى مستوى (العمل الروائي الرزين) أو يخضع لقيوده على الرغم من أنها قد وافقت على طبعه بوصفه رواية، فينبغي أن ينظر إليه على أنه ضرب من ضروب التواضع الذكي وغير المتوقع (على الأقل من وجهة نظرنا)، لأن النقاد قد يجدون مشقة كبيرة في تحديد قيود العمل الروائي الرزين أو الرصين!
أما الأبعاد السيرذاتية في هذا العمل فهي كثيرة ومتعددة، يأتي على رأسها المقدمة السيرذاتية المروية بضمير المتكلم التي سبقت الإشارة إليها وهي تشكل جزءاً معتبراً من كامل نص هذا العمل. وكذلك الخاتمة المعنونة ب(بيني وبينكم) التي تروي ردود أفعال بطلات الرواية بعد نشر الرسائل وتفاعل الكاتبة معها، والتي تطلب بل ترجو فيها الكاتبة من قرائها الرفق بروايتها الوليدة، أو (بطفلها الذي يعز عليها فطامه بعد سنة من الرضاعة) (ص 318) كما تقول. إضافة إلى ذلك نجد أن الرواية مليئة بالاعترافات الصريحة والإشارات الواضحة والتلميحات التي تؤكد كلها تورط الراوية - الكاتبة واندماجها أحياناً في ثنايا أحداث قصص صديقاتها الأربع التي تتولى سردها إلى درجة أن شخصيتها تتعالق مع شخصيات بطلاتها في كثيرٍ من الأحيان. تقول الراوية - الكاتبة على سبيل المثال: (أنا كل واحدة من صديقاتي، وقصتي قصصهن (ص 140)، وتقول في موطن آخر معلقة على ربط القراء شخصيتها ببطلاتها (أنا ميشيل إذا ما استخدمت مصطلحات إنجليزية ثم أصبحت سديم في الأسبوع التالي إذا ما كتبت قصيدة لنزار قباني...) (ص 109). وتقول أيضاً واصفة ما تكتب: (لقد أصبحت هذه القصة حياتي (ص 200). وتنقل الكاتبة من الصحف التي يرد فيها أن الكاتبة تروي قصص الفتيات اللاتي (لا يعرف أخبارها (كذا) عادة سوى من ينتمي إليها (ص 117). بالإضافة إلى ذلك، ثمة إشارات عديدة توردها الكاتبة حول تساؤل كثيرٍ من القراء عن هويتها، وأنها قد تكون إحدى بطلاتها، وهو تساؤل لا تنفيه الكاتبة أبداً، بل إن أغلب تعليقاتها عليه تجعلهم يتمسكون بهذا الربط بينها وبين بطلات عملها. فهي مثلا تقول: (أعترف بأن قدرات الناس على الربط والتحليل ما انفكت تفاجئني! رسائل كثيرة وصلتني تسألني عن هويتي الحقيقية، وهل أكون إحدى الفتيات الأربع اللواتي أكتب عنهن في هذه الايميلات؟ ولِم لا؟ (ص 44).
والدلائل السيرذاتية في الرواية لا يقتصر حضورها على المقدمات السيرذاتية المروية بضمير المتكلم، بل نجدها في الأحداث التي ترويها في رسائلها أساساً بضمير الغائب، إذا تدخل أو تتدخل الراوية - الكاتبة في هذا الجزء أحياناً بوصفها طرفاً في الأحداث من خلال استخدام ضمير المتكلم المفرد (أنا) أو الجمع (نحن)، الذي يلصقها كثيراً بقصص صديقاتها. وقد يميز هذا التدخل منها بين قوسين أو معقوفتين وقد لا يميز، مثل قولها معقبة على تصنيف أم نوير للرجال: (أفضل هذا التعبير على تعبير الانحلال الذي أراه تعبيراً فظاً (83) أو: (علمتها (قمرة) سوالف الحريم التي طالما سمعتها من أمها وقريباتها أن الحمل هو الطريقة الأضمن لاستمرار الحياة الزوجية، أقول استمرارها ولا أقول نجاحها (ص 99)؛ أو (كاري - التي أرتني قمرة فيما بعد صورة للممثلة الصينية لوسي لو لتخبرني أنها نسخة منها- نزلت إلى البهو... (98)؛ أو (لم تتسرع في تفكيرها (سديم) وتخطيطها، حتى نحن صديقاتها لم نعتقد أنها تسرعت في ذلك! بدا الأمر...) (ص 165). والأمثلة على هذا النوع من التدخل السيرذاتي كثيرة ولا سبيل إلى حصرها كلها هنا. وربما كان ورود صور خمس فتيات على غلاف الرواية من الدلائل السيرذاتية الرمزية، فهل تكون الصورة الخامسة هي الراوية - الكاتبة؟ ربما، لكن ثقافتي التشكيلية لا تمكنني من القطع بذلك. بيد أن في الرواية بعداً سيرذاتياً بدا لي طريفاً ان لم يكن جديداً وهو أن الراوية - الكاتبة (على الرغم من هذا التناغم مع شخصيات صديقاتها قبل الكتابة وأثنائها وبعدها الذي ظلت تحتفظ فيه لنفسها بقدرٍ من المسافة التي تحقق لها قدراً معيناً من الاستقلالية) قد كانت تتمنى أو تحلم بأن تكون هويتها الشخصية أو سيرتها الذاتية مركبة مثالية، تأخذ من سيرة حياة شخوص رواياتها الأجمل والأحسن والأفضل: تقول في نص الرسالة الأخيرة: (أعترفُ بأن انغماسي في قصة صديقاتي طوال عام كامل جعلني من أولئك الفتيات اللواتي يعرفن تماماً ماذا يردن: أريد حباً يملأ القلب أبداً مثل حب فيصل وميشيل. أريد رجلاً يحنو علي ويرعاني مثل رعاية فراس لسديم. أريد أن تكون علاقتنا بعداً لزواج غنية وقوية مثل علاقة نزار بلميس، وأن أرزق أطفالاً أصحاء مثل طفل قمرة من راشد.... هكذا أريد أن تكون حياتي) (ص ص 312 -313). بالطبع ما ذكرته الكاتبة هنا لا يعد من مظاهر السيرة الذاتية الحقيقية بالمعنى المألوف، إنه بالأحرى مشروع سيرة ذاتية مبتغاة.
إن قراءتي الأولى لهذا العمل تجعلني أصفه أجناسياً بأنه (رواية جمعت فصولها ونظمت في سلك من السيرة الذاتية).
اللغة
من الجوانب الشكلية اللافتة في هذه الرواية لغتها. فعلى الرغم من أن الكاتبة قد أبدت مقدرة لغوية فصيحة جيدة - متى ما أرادت ذلك- في سرد كثيرٍ من فصول روايتها، إلا أن إكثارها من استعمال العاميات والرطانة الإنجليزية جنى على الرواية من حيث قدّرت الكاتبة أنه سيكون عاملاً في تميزها. ويمكن توصيف اللغة المستعملة في الرواية على النحو التالي:
(1) لغة السرد لغة جيدة بشكلٍ عام، باستثناء بعض ما يدخل فيها أحياناً من المقاطع العامية والعجمة والأخطاء اللغوية، (2) لغة الحوار عامية غالباً وربما كانت مناسبة لتوكيد واقعية القصة وبث روح الحياة فيها. (3) العبارات الإنجليزية الكثيرة التي ترد بحروف عربية وبحروف لاتينية، وقد تكون مصحوبة بترجمة عربية وقد لا تكون كذلك. وهذا التوظيف اللغوي للإنجليزية في الرواية قد أساء إلى النص كثيراً في اعتقادي خصوصاً عندما تطول العبارة الإنجليزية ولا تصحب بترجمة. فبعض القراء ممن لا يعرف الإنجليزية قد يستاء من هذا العمل ويعده تحذلقاً من الكاتبة تختص به طبقة معينة من القراء تكتب لها، وربما أوله بعضهم تأويلات أخرى لم تخطر ببال الكاتبة. قد يكون الهدف من إيراد هذه العبارات الأعجمية حرص الكاتبة على الواقعية اللغوية وخصوصاً في الأوساط الطبية حيث تبدو هذه اللغة (لغة النخبة)، وربما كان أيضاً لإضفاء مسحة من السخرية على بعض المواقف والأحداث. ولكن ينبغي أن نعترف بأن واقعية الكاتبة اللغوية هنا قد تحولت في بعض الأحيان إلى رطانة غير مفهومة، وسخريتها قد تحولت في بعض الأحيان من أداة فنية فاعلة يتوسل بها إلى كل ما هو جاد، إلى عبارات باردة قد تبدو ممجوجة أحياناً.
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن المبررات التي أوردتها الكاتبة لتبرير بعض جوانب القصور اللغوي في روايتها قد لا تكون بالضرورة مقنعة. فتبرير الإكثار من توظيف العبارات الإنجليزية برغبة ميشيل غير معقول، وإلا لتطلب الأمر كتابة كل ما قالته ميشيل في الرواية باللغة الإنجليزية. كما أن قولها بأنها (تكتب بهذا الأسلوب (المصرقع) حبتين...) (ص 52)، وقولها إنها تريد نشر روايتها كما هي دون تنقيح، سمك لبن تمر هندي) (ص 318) ربما بدا غير مقنع لكثيرٍ من القراء الذين سعت هي ابتداءً إلى التواصل معهم.
وأعتقدُ أن الكاتبة قد شعرت بشيءٍ من هذا القصور اللغوي الذي اكتنف روايتها ووعدت في مقابلة أجريت معها باستدراك ذلك في أعمالها الإبداعية القادمة، التي نأمل أن تخرج فيها من دائرة البوح إلى معالم روائية أرحب، وأن تكون مغامرتها فيها أقل مخاطرة وأكثر نجاحاً مما تحقق في هذه الرواية.


انتهى

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved