الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 12th December,2005 العدد : 133

الأثنين 10 ,ذو القعدة 1426

والت دزني
قاسم حول

صادف يوم يوم الإثنين الماضي ذكرى ميلاد صديق الأطفال الجميل (والت دزني) مكتشف شخصية ميكي ماوس.
والت دزني ولد في الخامس من شهر ديسمبر عام 1901 أقول مكتشف شخصية ميكي ماوس ولا أقول مبتكرها، لأن شخصية الفأر ميكي هي شخصية حقيقية وليست مبتكرة. فعندما كان والت دزني سجينا في صباه كان يدخل زنزانته فأر، فوجد فيه لعبة تطرد عنه ملل السجن والعزلة والوحدة.
ومن هناك قادته الفكرة لشخصية يحركها على الشاشة بعد خروجه من السجن سرعان ما أصبحت أشهر شخصية في التاريخ.. لقد تحول ذلك السجين إلى مبدع قدم الفرح ليس للصغار فحسب بل للكبار على حد سواء.
فمن لا يستطيع متابعة أفلام الكرتون التي يلعب الفأر ميكي دور البطولة فيها؟!
إن المخيلة الهائلة لهذا العبقري الذي دخل التاريخ لن يخرج منه حيث من الصعب أن يزول هو ولا شخوصه من أذهان الناس وبشكل خاص الأطفال، هذه المخيلة لم تتوقف في التحريك على شخصية الفأر بل ذهبت للحكايات والميثولوجيا وتعدتها للفكر والفلسفة بشكل طفولي مبسط وعميق كان نموذجها الأسد الملك التي اقتبسها من هاملت شكسبير.
لقد تطورت مملكة والت دزني تطورا مذهلا فخرج عن الأفلام الكرتونية الصغيرة ودخل عالم الرواية الكرتونية.. ولقد حاز في حياته على ثلاثين جائزة أكاديمية (الأوسكار) عن أفلامه المدهشة وهو رقم من جوائز الأوسكار من الصعب أن يصله أي سينمائي.
حاز تلك الجوائز على أفلامه القصيرة بحكاياتها الجميلة، وكذلك الأفلام الطويلة ذات البعد الدرامي، وأيضا الأفلام الطويلة التي مزجت بين الشخصيات الحية للممثلين وتحريك الكرتون.. لقد كان والت دزني هو أهم الأمريكيين الذين حققوا نجاحا في صفوف المنتجين لهذا النوع من الأفلام، ناهيك عن كونه أحد أهم مؤسسيه وأكثرهم شهرة وابتكارا للشخصيات الظريفة ومدلولاتها الاجتماعية.
علينا أن ندرك أن تحريك الكرتون قبل ظهور التقنية في فن الكومبيوتر كانت تأخذ الدقيقة منها زمنا طويلا. وعندما نفذ والت دزني فكرة إدخال الكرتون مع الشخصيات الحية في أفلام لعبها نجوم هوليوود كانت تعتبر ثورة في عالم التحريك حيث كانت الثانية الواحدة تستغرق أياما في الرسم والتصوير والحيلة السينمائية التي ابتكر تقنيتها والت دزني نفسه.
وإضافة إلى ما يطلق عليه بأنه صاحب إمبراطورية التسلية في السينما ومن ثم في التلفزيون، فإنه امتلك قنوات تلفزيونية خاصة به وبفنه، وأنشأ عالم دزني لاند ومدن الملاهي المسلية والعظيمة التي أصبحت امتيازا تدفع الشركات الملايين من الدولارات من أجل استثمار اسمها، ويلعب الفأر (ميكي) دورا أساسيا في مدن التسلية هذه، وتلتقط الحسناوات في أنحاء الدنيا الصور التذكارية مع شخصية الفأر ميكي في مدن دزني، في حين تنزعج الفتيات من الفأر في حياتهن اليومية! هذا الفأر الذي كان ينغص والت دزني في السجن، قاده إلى أن يصبح هو ودزني ربما أشهر شخصين في العالم (دزني) السينمائي و(ميكي) الفأر.
عمل والت دزني في أستوديو أفلام التحريك في كنساس سيتي، ولكن الأستوديو خسر ولم يحقق أرباحا تساعده على الاستمرار في إنتاج هذا النوع من الأفلام.. ولأن والت دزني كان واثقا من أهمية هذا النوع من الأفلام، أفلام التحريك، فلقد أنشأ أستوديو خاصا به في مدينة هوليوود السينمائية عام 1923م. وفي عام 1928، رسم شخصية صديقه (الفأر) ميكي، وكان أول فيلم كرتون ينتج مع الصوت، وكان الصوت المسجل هو صوت والت دزني نفسه، وكان ذلك الفيلم بالأسود والأبيض، وفي منتصف عام 1930 أنتج والت دزني أفلام ميكي ماوس بالألوان.
ومع أن الثانية الواحدة في إنتاج أفلام الكرتون في ذلك الوقت كانت تستغرق وقتا طويلا، ويعمل بها عشرات الرسامين والفنيين، ويعتبر إنتاج أفلام ميكي ماوس الدقائقية جهدا كبيرا وغير عادي، سواء في كتابة أفكار الحلقات أو في تنفيذها ورسم شخوصها والأجواء التي تتحرك فيها، مع هذا الجهد الكبير في الأفلام القصيرة الدقائقية، لكن والت دزني أنتج أفلاما روائية طويلة مدهشة صارت تغطي برنامج عرض نظامي في صالات السينما، بعد أن كانت أفلام ميكي ماوس تعرض للتسلية كمقدمة لبرنامج العرض الأساسي. وكان أول فيلم كرتون طويل هو (الأقزام السبعة).
إن على المرء أن يتصور حجم الجهد وحجم التصور (المخيلة) وحجم الإبداع في إنتاج الأفلام الطويلة من أفلام التحريك. بعد ذلك اتجه والت دزني إلى إنتاج أفلام طويلة تؤديها الشخصيات الكرتونية إلى جانب الممثلين بشكل حي، وهي عملية أكثر تعقيدا في ذلك الوقت من الناحية الفنية التقنية والإخراج أيضا.
من تلك الأفلام (جزيرة الكنز - 1950) وفيلم (عشرون ألف لغة تحت البحر -1954) وفيلم (ماري بوينير - 1954).
ما يحزن في ذكرى ميلاد هذه الشخصية الفذة في التاريخ الإنساني التي صنعت الفرح للأطفال ما بقيت البشرية، أن فكرة التحريك تغيرت بتطور التقنية التي بدلا من أن تصبح وسيلة تعمق الفرح صارت هدفا يلعب دورا سلبيا في حياة الأطفال. فأفلام التحريك صارت أفلام رعب وأفلام عنف يراها الطفل ويعيد صناعتها في الشارع وفي المدرسة وحتى في البيت.
إن كل شركات الإنتاج لأفلام التحريك لم تحترم ذلك الشرط المقدس فرح الأطفال وبناء شخصياتهم. دخول عالم الحيوان في اللامعقول الذي يحفز المخيلة وينشطها بطريقة فيها كل الإيجاب الذي وضع أسسه والت دزني لم يكن عملا سهلا. لكن فكرة تحريك الرسم والدمى تحولت بفعل الجشع الذي أصاب أصحاب المشاريع لكي يربحوا على حساب جمال الطفل وهدوئه وبناء شخصيته. لقد نسوا أن والت دزني أصبح أكثر الأغنياء ثراء ولكن كل الثروات التي حصل عليها والت دزني وبالتالي مريدوه وتلامذته وخلفه يسخرونها دائما لما هو أجمل.
كل الشركات التي تنتج التحريك المدمر لمشاعر الطفل في أيامنا هذه إنما تشترك بالجريمة مع أصحاب الفضائيات التي يعرضونها دون أن يحسبوا للطفولة البريئة حسابا، بل هم يحسبون أرصدتهم في المصارف.. وهو أمر يدعو للأسى حقا. لعل الأهم والبشرية تحتفل بذكرى ميلاد هذا المبدع النادر أن مؤسسته لا تزال تعمل بنشاط وبنفس النهج الذي رسمه وتستفيد من التقنية الحديثة لإنتاج الأعمال الساحرة الجمال ولا تجعل من التقنية هدفا كما يتصرف تجار الأطفال. لقد رحل والت دزني عن هذا العالم في نفس الشهر الذي ولد فيه. فلقد رحل عنا في الخامس عشر من شهر ديسمبر عام 1966م.. فهل تذكر الفضائيات العربية والت دزني بالخير وهو الذي وفر لهم مادة بصرية ساحرة الجمال لا يمكن لأية قناة تلفزيونية الاستغناء عنها.. فهل تذكره بكلمة خير وتقدم للأطفال معلومات عنه وعن حياته المليئة بكل جميل، أم ترى تمر ذكراه مر السحاب ويقال عنا (ناكرو الجميل)؟!
الأطفال في عالمنا دونما استثناء ترتسم ابتساماتهم بريشة والت دزني الذي صنع لهم أشهر شخصية هي شخصية الفأر ميكي واشتهر هو بها.. ترى من هو المدين للآخر، الفأر ميكي مدين لوالت دزني أم والت دزني مدين للفأر الذي أسماه في السجن، ميكي ماوس وقدمه للشاشة وتعرفنا عليه. أم نحن المدينون لهما على مر العصور؟!


* سينمائي عراقي مقيم في هولندا
Sununu@wanadoo.nl

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved