الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 12th December,2005 العدد : 133

الأثنين 10 ,ذو القعدة 1426

الأساس الفلسفي للنقد الأدبي الموضوعاتي
د. أحمد برقاوي *

ما النقد؟ سؤال في كشف الماهية، ماهية النقد حتى يكون باستطاعتنا أن نقول عن قولٍ ما أنه قول في النقد.
والحق إن كشفنا عن ماهية النقد ليس إلا الكشف عن ممارسة النقد وإعطاءه هذه الممارسة معنىً كلياً.
النقد في أساسه عموماً هو إظهار أخطاء الخصم أو صوابه ثم صار النقد منهجاً، فمهمته إذاً هو فهم الأثر الأدبي الفلسفي.. إلخ، ولكن لكي يقوم النقد بهذه المهمة فيجب أن يكون معرفة في مواجهة معرفة أخرى، أو وعياً في مواجهة وعي آخر.
نحن أمام عناصر ثلاثة الناقد المعرفة النص، الناقد - ذات تنطوي على نوعين من المعرفة، معرفة ذاتية مسبقة، معرفة بالنص - الموضوع والنتيجة نص نقدي. فالنقد عندما يحول النص إلى موضوع، يعني أنه شكل علاقة بين الذات والموضوع، ولكن الذات ليست صفحة بيضاء تدخل نصها خلواً من المعرفة المسبقة. فالنقد معرفة تواجه موضوعاً - نصاً، والمعرفة هي المنهج لأن كل منهج معرفة ولهذا عندما نتحدث عن مناهج النقد، فإننا نتحدث عن معرفة تكونت لتغدو أداة للنقد، وهذا يعني أن النقد منهج نقدي، معرفة تحولت إلى أداة فض وفهم، إلى أداة تفكير.
والمنهج قضية فلسفية، لأنه قضية استيجولوجية بامتياز.
وتأسيساً على ذلك نقول إن هناك أساساً فلسفياً لمناهج النقد الأدبي.
إذا انطلقنا من أن النقد غايته الفهم، وإذا انطلقنا من أن الفهم غير ممكن دون منهج معرفة، وإذا انطلقنا من أن المنهج معرفة تحولت إلى منهج، فإننا نقبض على العلاقة الصميمة بين مناهج النقد الأدبي والفلسفة.
الموضوع الأساسي للنقد الأدبي هو فهم النص - الأثر والسؤال الأول الذي يخف النقد الأدبي للإجابة عنه هو: ما النص؟
للإجابة على هذا السؤال كان على النقد الأدبي أن يستعير من الفلسفة أجوبتها عن: العلاقة بين الذات والموضوع في عملية المعرفة؟
اللغة وماهيتها، علاقة الفكر بالواقع، علاقة الكاتب بشروط الاجتماعية الطبقية، اللا وعي وظهوره في النص، لأن الحر والعالم فنياً علاقة بالوجود بالماهية، الثورة ضد المركز، الظاهر والباطن.
كان على النقد الأدبي - عبر تاريخه - أن يصل إلى مرحلة يكون فيها مستقلاً عن الفلسفة، لكن هيهات لم يخف أن يفهم عملية الكتابة الأدبية والكتابة نفسها أن يتخلص من نظرة العالم، من زاوية رؤية خاصة لعلاقة الذات بالموضوع.
سآخذ طريقة في تحليل فرضي لا تقوم على سرد مناهج النقد الأدبي لاكتشاف أساسها الفلسفي وهو أمر يسير ولا يحتاج لأبرز حضور الوعي الفلسفي فيها.
دعوني أبدأ من الذات المبدعة، ما الذات المبدعة للنص الأدبي؟ هذا السؤال ليس سؤالاً أدبياً بالأصل، إنه سؤال فلسفي سيكولوجي - اجتماعي تاريخي.
لأطرح الأسئلة التالية: هل تعبر الذات عن نفسها بحيث يكون النص الأدبي هو السيرة الذاتية للمبدع وقد أخذت شكل النص؟ هل يعبر الذات عن لا وعيها الذي يحتاج إلى قراءة اللا وعي في النص هذا اللغوي أو ذاك؟
هل الذات تعكس موضوعات العالم وهي محملة بفكرة مسبقة عن العالم.
هل الذات هي ثمرة الشروط المعيشية، وبالتالي هي مكونة في حقل ثقافي محدد لا يمكن فهم أثرها إلا بعد بوصفها ثمرة هذا الحقل؟
هذه الأسئلة يجيب عليها النقد الأدبي إجابات مختلفة انطلاقاً من مباحث أخرى أهمها الفلسفة.
لما كان المبدع لا يعرف إلا من أثره ولما كان الأثر هنا نصاً ولما كان الأثر يحمل قيمة جمالية وأخلاقية وفكرية فإن كهذه يقيم التي يحملها النص موضوع نظرٍ فلسفي بالأصل ولما كان سؤال مناهج النقد الأدبي كيف تأتي للنص أن يحمل هذه القيم فإن الفلسفة حاضرة في مناهج النقد الأدبي من حيث إنها المبحث الذي إن دعوني انطلق من الأطروحة التالية:
الأدب امتلاك للعالم، وبكلمة أدق امتلاك جمالي للعالم حتى ولو كان هذا الامتلاك هو تعبير عن سيرة ذاتية فإن السيرة الذاتية هنا تحولت إلى عالم يسعى لامتلاكه فنياً.
المشكلة الفلسفية هي التالية كيف يتم هذا الامتلاك للعالم. المشكلة المتعلقة بالنقد الأدبي كيف يتم امتلاك العالم. فنياً المشكلة الفلسفية: ما هي طبيعة العلاقة بين الذات والعالم، المشكلة في النقد الأدبي: ما هي طبيعة العلاقة بين الذات المبدعة والعالم.
النتيجة: أن علاقة مناهج النقد الأدبي بالفلسفة هي علاقة الخاص بالعام.
لنفض هذه العلاقة في إطار النقد الموضوعاتي حين أعلن ديكارت: أنا أفكر إذاً أن أكون فإنه قد جعل من الأنا جوهراً مفكراً أولاً، والحق أن النقد الموضوعاتي قد تأسس على هذا اليقين: الأنا يفكر، الأنا مفكر.
إن الأنا المبدع هو أنا واعٍ قبل كل شيء، لكنه أن يظهر وبصورة متفردة عبر الوعي.
إن الأنا يُفهم هنا بعلاقة بالعمل الأدبي بحيث نرصد عبر العمل الأدبي تغيرات الأنا نفسه لكن الوعي هو وعي بالعالم، إن كل وعي هو وعي بشيء وعي العالم يعني إقامة علاقات معه، ولهذا فالنقد الموضوعاتي هو الكشف عن هذه العلاقات بين الأنا والعالم.
لقد تعمقت هذه النظرة إلى العمل الأدبي بوصفه علاقة، انطلاقاً من تأثير هو سرل، إن طبيعة إدراكي للعالم.
تحدد علاقتي بالعالم لقد تحولت أطروحة ديكارت أنا أفكر إذاً أن أكون إلى منبع السؤال: من أكون ومتى أكون وأين أنا. إن طريقة إدراكي الحسي تحدد طريقة وجودي في العالم. بل قل إن النص الأدبي صار طريقة وجودي في العالم. لكن علاقة الأنا المبدع بالعالم متوسطة بالخيال ، الخيال بوصفه وعياً ينظم العالم الخاص للمبدع ويعطي للعالم صورة جديدة.
وهنا تبرز أهمية باشلار.
ولما كان العمل الأدبي وجود في العالم فإنه ينطوي على تجربة كلية، تجربة الوجود.
وكما أمدت الفلسفة منهج النقد الموضوعاتي بأدواته المعرفية - النقدية كذلك لا يمكن عزل النقد الاجتماعي عن الأساس الفلسفي له. فمن المعروف أن النظر إلى النص الأدبي بوصفه تعبيراً عن المجتمع ومشروطاً بالعلاقات الاجتماعية السائدة والتاريخ ليس وقفاً على الماركسية، بل يعود إلى القرن التاسع عشر، فلقد نظر إلى المبدع بوصفه أنا اجتماعياً يعكس عالم المعيش.
ولكن مع الماركسية صار النقد الأدبي مرتبطاً ارتباطاً شديداً بأطروحة ماركس الأساسية في علاقة الفكر بالواقع، من حيث ارتباط البنية الفوقية بالبنية الاجتماعية أي أولوية الواقع على الفكر، فيكون الأول من هذه الزاوية انعكاساً للواقع الاجتماعي الذي هو جملة علاقات طبقية واقتصادية.
لقد قرأ الأدب كما الأيديولوجيا انطلاقاً من المادية التاريخية، حيث قيمة الأدب الجمالية والأخلاقية والمعرفية صارت مرتبطة بالعصر أولاً الذي أنتجها وبالطبقة التي يعبِّر عنها، إن النص وصاحبه ليس أكثر من تعبيرين عما سبق.
من هنا ندرك معاني الأدب البرجوازي والأدب البرولتياري، بل أدب المرحلة الإقطاعية والمرحلة الرأسمالية والمرحلة الاشتراكية، لم يعد الأدب موجوداً بمعزل عن السياسة الظاهرة أو الباطنة في النص، عن صراع الطبقات، وانطلاقاً من تصور كهذا نشأت الواقعية الاشتراكية ورمزها البطل الإيجابي الذي يتجاوز الراهن من أجل المستقبل.
وهكذا صار النص في تعبيره الجمالي الروحي والأخلاقي تعبيراً عن الاجتماعي السياسي، أو بلغة ادوارد سعيد تعبيراً عن الدنيا: من حيث هي الوقائع الوجودية للحياة البشرية والسياسية عن حياة المجتمع وأحداثه فالمبدع والنص والناقد هم أبناء الدنيا.


* رئيس قسم الفلسفة بجامعة دمشق

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved