الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 12th December,2005 العدد : 133

الأثنين 10 ,ذو القعدة 1426

المملكة العربية السعودية
التسمية والتمكين (1 - 2)
نايف فلاح
عرض حال
لم نكن، بعد، قد بلغنا حد الفهم أو حتى وصلنا إلى سن التكليف عندما سرت بعض الكلمات المدسوسة في أجوائنا النقية الهادئة كي نصير على أبعاض، البعض أجازتها الغفلة فيه، والبعض بررها النشوز عنده، والبعض رفضتها منه السلامة والتكوين، والبعض لا طوق له في فهمها.. وحينما جاءت كانت في شكل ألوان توحي بالاختلاف لولا وحدة الجامع الذي يقف وراءها وقتامة المصدر الذي وجهها، كما جاءت كذلك في مساق حوارات وأسئلة تولدت عن أهواء وتربت على أوهام تدور في جمهورها حول مسمى وطننا النفيس (المملكة العربية السعودية) بغرض الخلخلة والتشكيك في معناه وأهليته.. ومع أنها ظلت مصبوغة بمسوح الإقناع إلا أنها لم تراوح المظاهر أو الظواهر فهي لا تستطيع أبداً النفاذ إلى اللباب أو إلى الجوهر... لكن الطفولة أبقتها فينا فنمت في بعضنا فضلاً عن ترددها في (تلك القناة) المتهتكة، وماتت في بعضنا الآخر.
فمن قبيلها - أي من قبيل تلك الكلمات - وعلى نساجها، تواردت - دواليك - أسئلة ساقطة تتبرأ من نفسها واخترعت حوارات يبطلها منطق الواقع كما يدحضها منطق التاريخ.. إنها جدالات لا تخلو من مقاصد وأهواء مريضة، وأسئلة ملغومة تهدف إلى السخرية إذا ما كان المحرك فيها حزازات القطرية، وتهدف إلى رمي المخارز إذا ما تحكمت بها أغراض السياسة.. وليس يشترط فيمن أراد تبصّر أبعادها مزيد من الكيس والرجاحة.. فهي مطارح بسيطة سخيفة ينبو عنها العقل السليم ولا يعقدها إلا النوك والغباء، لكنها على ما فيها من الهشاشة والترهل، تلتحق بجنس الآراء الفائلة التي قد يوهمك سخفها بزوالها، فيفجؤك منها، أن ما فيها من ضعف وما يسكنها من لؤم وضآلة، أمسى سبب البقاء لها وعلة النفوذ والطيران فيها... فكل من أنشأ مثل هذه الحوارات وغالى في إطلاقها فإنما أصابه قول إليوت (عندما يريد الناس تصديق الأكاذيب أو إذاعتها حتى يصدقها غيرهم، يقولون، لا دخان من غير نار.. ثم يحسب أن الدخان من عند غيره وهي من عنده، وكذلك كل الأكاذيب أو النقائص التي يراد تصديقها في نفسه). وإن شيوع أفكار كهذه، وما استتبعها من مزايدات مورست لحسابها، إنما كانت في اللحظة القومية وهياجها، وكانت أيضاً في اللحظة الحركية لدى كثير من الإسلاميين، المأخوذين بإشعاع الخلافة المجرد.. ولقد اندحرت أفكار القوميين أو قل اندحرت أحلامهم الفجة بقدر ما اندحرت الموجة الناصرية المعادية لكل ما هو ملكي.. وأسكتت الحركات الإسلامية، والأدق، أنها فشلت وتفرقت غير أنهم ما كادوا يصمتون عن التجديف حتى أتت الحرب الأفغانية لتلم ذلك الشعث وتعيد إنتاج الرداءة حيال (السعودية) ضمن إطار العداء العقدي المسلسل لجميع الأنظمة العربية... ولا حاجة بنا في هذا المعرض إلى وسط نعزو له أو ندّارك به، ككتاب أو مقالة أو حتى شخص بعينه ممن يثيرون ألفاظ التعدي والازدراء على (السعودية) لأننا، والحق أقول، عايشنا هذه المقولات التي انسلت إلينا في شكل ممازحات جادة، ومماحكات مازحة، أو في صورة منطق مشوش، داخل وخارج الوطن.. ومن أنماط ذلك المنطق الفاسد المرتج الذي أغرى ببهلوانيته ألباب طائفة من الأغرار، سواء كانوا من السواد أو ممن يتهمون أنفسهم بالثقافة، أو حتى من المثقفين ذوي العاهات، بل وكل من لا يعرف العلاقات التي تميز بين الخطأ والصواب.. فهذا المنطق هو الفريد الذي لا سواه لديهم، فمنه ينطلقون وإليه يعودون، مؤداه، (إنكم - معاشر السعوديين - في انتمائكم السعودي، تكونون بلا أرض تقلكم ولا سماء تظلكم، وبكلام آخر.. أنتم أناس بلا عنوان).. وهناك كذلك مثال باهت استرفدوه من المنطق الشكلي المفارق للواقع والناسف بعضه بعضاً، لكن عبره تتأدى تلك السخافات محاولة تشريخ القيم الموحدة في هذا الوطن (السعودية)، حيث يقولون (إذا كانت كل القططة حيوانات.. فليس كل الحيوانات قططة ).. وثمة أشباه ونظائر لهذه المقولات التي (كرغفان المعلم) بدد لا نظام لها ولا جامع لأوصالها، إلا أنه تهيأ لها في الأذهان المخصية، منامات ومعاطن...
ولا يحلو لنا - بيد أنه يحلو للحقيقة - أن نقول، بأن ترهات من ذات الوعاء كانت قد ليكت في ألسن بعض أفراد المجتمع، تصريحاً في التواري في المجالس الهامسة، وتعريضاً في المنابر الدعوية التي يستنيم لها الكثير الكثير ممن يعيشون على سطح أنفسهم، لتمر خلال نوافذ الخلافة الحالمة، وخلال التاريخ الأبيض أو التاريخ الذي بيّض سواده، وخلال التاريخ الأسود أو الذي سّود بياضه، وخلال ما ندري وما لا ندري.
وهنا لا بد من مساءلة، هل (المملكة العربية السعودية) من حيث الكيان والمواقف والتوجهات تمضي في تناقض كامل أو تعاند تام مع نظرية الدولة أو مفهوم الوطنية لدى الشعوب العربية والإسلامية أو لدى تياري القومية والإسلام؟ ومن هذا السؤال ينتج بالضرورة سؤال آخر إلا أنه عملي وشامل وهو، هل كانت (المملكة العربية السعودية) تقف يوماً أو ساعة في وجه مصالح المنطقة وشعوبها؟ إننا نجيب بجزم وقطع عبر (لاءات) غير متناهية، لكننا نتصون عن فرضية التطابق النظري أو الميداني فيما بيننا ومشروعي القومية والإسلامية، لأن هناك فارقاً جوهرياً بين المسارين، يشبه في ماهيته الفارق السرمدي ما بين الاعتدال والتطرف.
الأزمة، إذن، أزمة في (التسمية) أو أن التسمية بالنسبة إلى من يملأ فراغه الذهني بفراغ مثيل، تعد الذريعة الوحيدة والرئيسة في الحمل على هذا الوطن.. ومادام الحال كذلك فلابد لنا من مقالة رادفة لهذه المقالة.


Nf1392@hotmail. Com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved