شِهَار ..
المكان الشاعر.. والزمان الشاهر«2»
حمّاد بن حامد السالمي*
|
ويقع وادي شهار، الذي يتجه من الجنوب إلى الشمال، فيصب في وادي وج عند حوايا، بين جبلين كبيرين الأول من الشرق، وهو جبل (مجر الشاش) الذي يقع المستشفى بسفحه الجنوبي الغربي، ثم يليه جبل أصغر منه شرقاً هو (أبو جزة) مما يلي النزهة، والثاني من الغرب في طرف أم العراد، وهو جبل (المصلوب)، الذي يفصل شهاراً عن عودة. وبسفح هذا الجبل من الشرق، (دكة الملك سعود). ذكرها (ديدييه) في رحلته، ولكنه خلط بين جبلي مجر الشاش والمصلوب.
وينقسم وادي شهار إلى ثلاثة أقسام:
الأول: شهار الأدنى: وهو الموالي لحوايا من جهة وادي وج شمالاً.
الثاني: شهار الأوسط: هو بعد شهار الأدنى جنوباً وشمالاً من مستشفى شهار.
الثالث: شهار الأعلى: بعد شهار الأوسط جنوباً وغرباً، مما يلي أم العراد، وعليه مستشفى شهار، ومستشفى الأمراض الصدرية، وحديقة السداد.
ومن أشهر البساتين والركبان التي كانت تنتظم وادي شهار قبل تحولها إلى عمران: (أبو توتة - البستان - العارض - بستان شهار الأوسط). وفي شهار الأدنى حتى يوم الناس هذا، شجرة سدر (نبق هندي) عمرها يناهز ثلاث مئة عام، ثمرها مميز، وهي في بلاد المفتي بطرف البستان.
كان شهار.. وكانت الأغاني في الليالي الملاح، فقد غنى فيه الفنان الكبير (طارق عبد الحكيم)، قبل ظهور المستشفى بطبيعة الحال أغنية شهيرة من كلمات الشاعر المرهف، (محمد الفهد العيسى) فيقول في بعض منها:
حبيبي في روابي شهار
ووادي وج والمثناة
وكم فيها لنا أسرار
غرام وشوق ما ننساه (4)
وليالي شهار، كانت حافلة بالبدور والأشواق ونيران الحب الباردة.. فهذا ابن الطائف، عميد الموسيقى العربية طارق عبد الحكيم يتغنى بليالي شهار، فيقول من ضمن أغنية شجية ندية:
لك عرش وسط العين في القلب أوطانه
امتى تجي يا زين.. تحتل أركانه
اذكر ليالي شهار.. والبدر يحمينا
كم أشعلت نيران.. ذي ليالينا(5)
وإذا تجاوزنا ذكر شهار في الشعر المغنى والنبطي، وهو كثير، فليس بمقدورنا تجاوز ذلك في الشعر الفصيح، فهناك أكثر من عشرة شعراء، فتنهم شهار الذي كان، فتغنوا به في قصائد طويلة، لا يتسع المجال لذكرها كاملة، ولكن يكفينا من القلادة ما أحاط بالعنق كما يقولون. الشاعر (إبراهيم بن محمد الزيد) عافاه الله وشافاه، له قصيدة اسمها (في شهار)، يكشف فيها عن نفسه، وأنه وجدها في شهار.. فإذا قرأنا هذه الأبيات من القصيدة سوف نعذر الشاعر لا محالة. يقول:
ووجدت نفسي في شهار
ما بين.. منتزه ودار
وعلى الضفاف.. خريدة
رَيَّا.. يحار بها النهار
ربطت بوج طرفها
حور.. وفي الخد احمرار
في قلبها أمل يضيء
وفي توددها.. سُعار
حتى يقول في ختام القصيدة الشهارية:
ألفيت قلبي واجماً
ما بين وج.. أو شهار
قلبي يرف على يدي
قد عاد مبتهجاً.. وطار (6)
أما الشاعر (حمد بن زيد الزيد)، فقد حيا الفنان الكبير، (طارق عبد الحكيم) في حفل تكريم كبير جرى له في جدة، فكأنه أراد أن يذكره بأيام روابي شهار. فقال من قصيدة:
يا نجي الطير.. والأز
هار.. والروح العلية
كم تغنينا بإبداعك
في وج.. أو شهار.. والحوية
ولريم ثقيف.. غمزات
قلت يكفي البعد هيا (7)
وللشاعر الكبير (محمود عارف)، زجاجة عطر ندية، عصرها من ورد شهار في سويعات بهية. قال:
قصدنا شهاراً.. والدجى جد حالك
فأشرق فيه النور من صبح مالك
قضينا سويعات اللقاء وقد مشى
هوانا على درب رحيب المسالك
تقاسمنا صفو الحديث يلفنا
وقار ملاك في تبتل ناسك
فزاد هوانا.. رشة من زجاجة
بكف حبيب أنعشت روح هالك(8)
وننتقل الآن، إلى شاعر من أبناء الطائف، هو الأستاذ (علي بن حسن العبادي)، الذي شاطر الشاعر (غازي القصيبي) في قصيدته الشهيرة (أنت الرياض) ، فغازل محبوبته الطائف، عندما رأى فيها شهاراً الجميل:
أنت ما أنت..؟ أنت شمس شهار
أشرقت بالضيا على السكان
قد أضاءت بنورها فتحلت
بالشعاع الأشجار في إتقان
ذهبي شعاعها أرسلته
زينة للربى.. وللوديان (9)
شاعر آخر، لم يترك موضعاً في الطائف الجميل، إلا صوره ورسمه، شعراً جميلاً من نظمه البديع، إنه الشاعر (محمد الفهد العيسى)، الذي تكشفت أسراره في وادي شهار. فقال:
هناك بوادي شهار الجميل
هناك.. أباح الهوى ما بيه
وبح لشرح الهوى معزفي
وراح يبوح بسري الخفي
بظل الصخور من الردف
هناك بذكراك أشجانيه (10)
ثم.. في قصيدة (حدثيني).. يستنطق النفس المأخوذة بجمال الطبيعة في شهار. فيقول: حدثيني...
عن شهار الجميل زاهي الرواء
عن حوايا.. ففي الحديث عزائي
عن غنائي.. وكم صدى لغنائي
فاض بشراً هنا.. ببشر اللقاء
حدثيني (11)
المرحوم الشاعر (علي صالح الغامدي)، يؤرخ لحادثة قصر أفراح شهار عام 1402هـ (12)، وكان القصر في مواجهة مستشفى شهار من الشرق، ليس بينهما سوى شارع ودور قليلة. فيبدأ قصيدته التي سماها (رقصة الموت) بقوله:
هتفت بالمنى عيون الملاح
وتداعت مباهج الأفراح
حتى يقول :
كنت يا ليل في شهار وكانوا
كنت ليلاً.. يا ليل دون صباح
في خضم السرور والبشر عاشوا
والأماني فياضة الأقداح (13)
ونأتي إلى الشاعر العملاق (أحمد بن إبراهيم الغزاوي) رحمه الله، فهو على ما يبدو، قد استبدت به ذكريات الصبا والصبابة في شهار، فيبوح قائلاً:
ولا أنس بالمثناة ليلات أنسنا
وبين الهدى.. أو في جوار الكواكب
ولا في شهار والمليساء ضحوة
لهونا بها عن طارقات النوائب
لقد كنت وأيم الله أحسب أنني
من الأنس في إحدى الجنان السوائب (14) كما أن الشاعر، الأمير (عبد الله الفيصل)، يخاطب الطير الذي هيج عليه آلامه وأشجانه، فيأتي شهار، من ضمن دلالات الاستشهاد بما في الذكريات من صور بديعة.. يقول:
أين الجبال التي تكسو أعاليها
بمذهب من كثيف السحب هتان
وأين مني شهار؟.. أين هضبته..؟
يا حبذا فيه أفراحي وأحزاني..! (15)
وفي التغني بروعة الطائف المأنوس، يخاطب الشاعر (علي حسين الفيفي)، روابي شهار، فيطلب منها أن تنثر وردها الذي طالما رآه في سفوحها، في استقبال المصطافين:
انثري الورد يا روابي شهار
واجعلي الليل مشرقاً كالنهار
رحبي بالمصطاف.. في روضك الزا
هي.. فلا زلت ملتقى الأنظار
رحبي بالمصطاف.. فهو ولوع
بالرياض الغناء والأزهار (16)
شاعر آخر في دنيا شهار الجميلة، هو الشاعر (إبراهيم بن حسن المالكي)، يصاب بالدهشة، لأنه رأى في شهار ما يشبه حدائق بابل.. فيقول:
ماذا أرى ؟! قصر على شرفاته
وقفت تناجي بعضها الأسرار
كالكوكب الدري في غسق الدجى
شبرا.. يضيء وما عليه غبار
ماذا.. أرى ؟! جنات بابل هاهنا
أمسرة.. وجباجب.. وشهار.. ؟! (17)
ونصل في نهاية المطاف، إلى نصيحة من شاعر مصطاف، خبر الطائف، وعرف وهادها وجبالها ومضان جمال، هذا هو الشاعر (عبد الرحمن بن عثمان الملا)، الذي يوصي بالتشتي والاصطياف في الطائف، وخاصة شهار.. يقول:
إن شئت تنسى.. كل ألوان العنا
في الطائف المضياف.. شتّ وصيّف
إن حط رحلك في الهدا أو في الشفا
أو في الحوية.. أو شهار.. ستكتفي (18)
* كاتب سعودي
assahm@maktoob.com
****
هوامش وإحالات
(4) الطائف في مرآة الشعر - لجنة المطبوعات - التنشيط السياحي. ص207
(5) المصدر السابق - ص235
(6) الشوق الطائف حول قطر الطائف - معجم شعري للكاتب. 748-2
(7) المصدر السابق - 763-2
(8) المصدر السابق - 906-2
(9) المصدر السابق - 969-2
(10) المصدر السابق - 1127-3
(11) المصدر السابق - 1130-3
(12) انهار القصر، في ليلة فرح صاخبة، وتوفي في الحادث عدد من النسوة، وأصيب عدد آخر.
(13) الشوق الطائف حول قطر الطائف - معجم شعري للكاتب. 1148-3
(14) المصدر السابق - 1162-3
(15) المصدر السابق - 1213-3
(16) المصدر السابق - 1229-3
(17) المصدر السابق - 1289-3
(18) المصدر السابق - 1354-3
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
