الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 13th February,2006 العدد : 140

الأثنين 14 ,محرم 1427

هالة محمد:
عندما أنظر في المرآة لا أرى نفسي
*الثقافية:
قلة من الشخصيات تلك التي تفرض على جليسها نمطاً عالياً من التلقي والالتقاط، وثمة أقل من ذلك من يستفزني أن أقف قبالتهم كسائل، لقد وددت لوهلة، وأنا أحاور الشاعرة السورية هالا محمد، لو أن لي أذرع اخطبوط حتى أتمكن من لمّ بلاغاتها وأفكارها من المحيط!، بلاغاتها التي تراكمت أخيلةً وملاحم ملأت فراغ الأسئلة وراودتها على نفسها فنبتت كما تريد لها شاعرتنا أن تكون.
***
التنظير للابداع
والشاعرة هالا تنطلق من رؤية خاصة بها حول الشعر تصفها: أنا لا أنظر لأي شيء، فما بالك بالتنظير للإبداع الذي يحتاج أول ما يحتاج إلى نَفَسٍ حرّ يكسر كافة التنظيرات التي تأسره في داخلها لأسباب مختلفة، ماهية الشعر - إذا أردت القول - هي بنية تأملية مفتوحة على عالم الإحساس لكنها تأخذ من عالم المعرفة وتشحن هذه البنية وتطورها عن طريق تطوير ذاتك تستطيع تطويرها لكن لا يمكنك تصنيعها.
هكذا أرى الشعر من النوافذ المشرعة لا أحتمي بالتقليدية وأمنع التجديد، الشعر بنية تأملية مفتوحة.
***
الضابط الداخلي
كما أنها كشاعرة تدرك أن القصيدة بحاجة إلى ضوابط داخلية كما تسميها هي وتشرحها بالقول:
الإحساس وحده لا يكفي للمشروع الإبداعي، أرى أن الإناقة مرافقة للإبداع والأناقة تتطلب ضوابط هادئة كي لا تزيد جرعة الفوضى، وتجر المشروع للأمام أو الوراء أو باقي الجهات الأربعة، هناك ضابط داخلي هو الإيقاع الذاتي الذي يشبه تلك البنية الحسية المعرفية المضبوطة بقدر متصوف وزاهد ومتأمل، فتغمض عينيك بعد هذا الإحساس لتبحر في بحر من الخير داخلك...
إني أنا أكره البشاعة ولا أحب السلطات بكافة أنواعها، لا أحب التسلط وأرى أن الإنسان خلق ليتعرف على عواطفه ورموزه التي وهبتها له الحياة، الأمومة الحب الصداقة الفرح الحزن، لعله يروح عن نفسه تلك المأساة الإنسانية الخالدة وهي الموت!.
***
السلطة والمثقف
وإذا كانت العلاقة بين المثقف والسلطة يشوبها الشك فإن الشاعرة هالا محمد تطرح وجهة نظر تستحق التوقف عندها ملياً عندما تقول:
- المثقف (أي مثقف) بنظر السلطة (أي سلطة) هو إما أن يكون موالياً وإما غير موالٍ، قد يكون المثقف المخلص لمشروعه الذاتي برأي الآخر غير موال بينما هو لا يعنيه سوى مشروعه الإبداعي، المنابر هنا منابر موالاة والمبدع صاحب المشروع المستقل مهمش وعليه الدفاع عن مشروعه، ويحدث الآن أن يلمع المثقف المستقل في الخارج، ويصبح من رواد المهرجانات العالمية ليفرض بقوة في الداخل، كما ترى هنا المعادلة غير متوازنة وغير مقروءة بشكلها الصحيح بين السلطة والمثقف.
***
الإبداع والرقيب
وعن الرقيب الذي يلاحق الابداع فإن الشاعرة هالا لديها من السخرية المرّة ما يجعلها تتفاءل بأن لا يصل أحد من المبدعين.. فتقول: إن كنت ممنوعاً من أن تكون مسؤولاً عن نفسك وقرارك مسحوب منك، إذا لم تكن أنت من يختار مفردات حياتك العامة فإلى أين تستطيع الوصول؟ حتماً إلى ذاتك التي اعتدت الأسرار معها بعيداً عن حياة خارجية مليئة بالازدواجية لتحمي نفسك من التخلف الذي يظهر بألف لون ولون (ربما هنا مصطلح اللون مديحاً للتخلف) بل بألف عماء وعماء، نحن نحاول أن نزيد فسحة الحياة قليلا في عيوننا ونحاول العيش بجرأة ودفاع مستميت عن لحظة حياتنا بإخلاص ونقاء.. لكن لم يصل أحد!.
***
التواصل كالأشجار
وحول الجغرافية والحدود التي باعدت بين المبدعين العرب تستشهد بمقولة سعدالله ونوس: هنا يحضرني سعد الله ونوس بقوة في قوله: (أتمنى أن أكون شجرة بعد موتي)، إننا لا يمكن أن نقضي عمرنا دون أن نلتقي بالأشجار والأزهار وبالذين هم ذواتنا الأخرى بشكل ما في الفناء، لا بد أن نلتقي بسبب زاوية الضوء التي اخترناها للتأمل.
***
سيرة حياة
حياتها كإنسانة بعيداً عن الشعر لا ترى نفسها إذا نظرت في المرآة كما أن للزوج والابن أدواراً أخرى فتقول عن هذه السيرة:
أنا التي تعلم علم اليقين إذا نظرت للمرآة بأنها حكماً لا ترى نفسها!، ترى المرآة أولاً!!، أنا من أبوين أحبا بعضهما خمسين عاماً، وكانا مثالاً للديمقراطية، نشأت في بيت قائم على الفلسفة والتصوف والزهد والمثالية والحب في آن، واليوم أدفع ثمن هذه التربية علماً بأنها صارت خياري الفردي في سن الرشد، أنا أمٌّ لشاب اسمه (ورد) اعتبر أمومتي له هي أعظم ملكية في حياتي دون أن أسعى لامتلاكه على الإطلاق، أنا زوجة المخرج المبدع هيثم حقّي الذي اعتبر حبي له من أهم الملكيات في حياتي دون أن أسعى لامتلاكه أيضاً، أنا صديقة أصدقائي وأخت إخوتي وابنة الشارع الذي أمشي فيه. والإنسان عموماً ثلاثة أرباعه ماء علمياً، أنا أقول: إن ثلاثة أرباعه حزن!، هذا الإنسان بالعموم فكيف بالعربي!!؟؟.
الحزن تربة خصبة للذاكرة والإنسان عبارة عن ذاكرة، فإذا كنت تريد أن تجرد المادة فأنت جملة من الذاكرات، وهي ذاكرات متفلتة وعصية عن الانضباط، من هنا ربما تنبت القصيدة.
لست متفائلة.. لكنني لا أستطيع أن أكون متشائمة لأنني أمّ!، لا يحق لي التشاؤم، الحياة أمام ابني بحاجة إلى تفاؤلي بها، لا أستطيع أن أكون متشائمة لأنني امرأة تحب، لكنني وبصدق مليئة بالخوف من خمسين سنة قادمة ربما ستكون معاركنا - جل معاركنا - مع التخلف المدقع نحاول دحره لحساب مساحات جميلة في حياتنا مؤملة، أنا أخاف من حالة التعب التي باتت ترافقني وتضعف مقاومتي.
تعبي مغمسٌ بالحزن أن تضعف مقاومة الإنسان أمرٌ محزن ومخيف.
في ديوان هذا الخوف، أقول: في لحظات الفرح نمسك يداً بيد، أنا والحزن ونتفرّج!.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved