القصيدة العمودية وكيمياء البيت الشعري
|
* الثقافية- عبدالله السمطي:
من أجمل الأشياء التي يمكن أن نعتز بها في ثقافتنا العربية وجود القصيدة العربية بشكلها التقليدي إلى اليوم بعد مرور أكثر من خمسة عشر قرناً من الزمان بل إن وجود هذا الشكل الشعري يعد أحد عجائب الدنيا، لأن هذا الوجود لم ينقطع أبداً طوال القرون الماضية، قد تضعف القصيدة المكتوبة بهذا الشكل، وقد يخفت صوتها إلى درجة التواري، لكنها مستمرة ودائبة، ومتواترة، يتواتر على كتابتها آلاف الشعراء العرب، وربما غير العرب، منذ عصر ما قبل الإسلام وإلى اليوم.. إنها قصيدة حافظت على شكلها الفني، وعلى قيمها البلاغية والبيانية، وأيضاً على صورها وأخيلتها وتشبيهاتها، وهذا الحفاظ أعطاها نوعاً من الديمومة الأبدية التي ربما لن تنتهي إلا بنهاية العالم.. أو نهاية هذه الأمة التليدة لا قدر الله... وارتبطت هذه القصيدة بالإنسان العربي، شكلاً، ودلالة، وغناء، حزناً، وغبطة، وأحداثاً.. حملت كل قيم الإنسان العربي في مدحه وفخره وغزله وهجائه، وأعراسه ومآسيه. إنها قصيدة ضاربة في العمق مكانياً وزمانياً.. إنها عنوان، وميسم، - وبحق- ديوان للعرب.
هكذا نحن حيال شكل فني تليد , ديمومي , متواتر .. ويحيا بيننا آلاف الشعراء الذين يمارسون كتابته , منهم من لايرى مندوحة في استنساخ المعاني والأخيلة الموروثة , فيقف على الأطلال , ويمدح ويفخر ويتغزل فيمن وراء المضارب والخيام , ويصيد أيضاً الغزلان ويحارب في قصيدته بالسيف ومنهم من يستدعي عنترة وخالد بن الوليد , وصلاح الدين , ومنهم من يجدد قليلاً فيتقمص أصوات شوقي , والشابي , وطه وخوري , وناجي , وقد يقتنع بصوت أبي ريشة , والوجواهري والبردوني أو نزار قباني .. لكن يظل التقليد هو الأفق السائد لدى كتاب هذه القصيدة , التقليد والاستنساخ المباشر في قصائد فوتوكوبي بالأبيض والأسود هو المهيمن في نماذج آلاف الشعراء العرب ناظمي هذه القصيدة ,, التي لم يكتبها بشكل حقيقي مجدد وسط هذه الفيالق الشعرية - سوى شاعرين فقط : عبدالله البردوني ونزار قباني ,, أما جميع الشعراء الآخرين اليوم فلم يدخلوا إلى اللعبة النصية المبتكرة التي تنجم عن الكتابة بهذا الشكل لم يلجوا إلى كيمياء البيت الشعري وعلاقاته السحرية , وفضلوا الكتابة السهلة المباشرة الغضة التي توقعهم في هاوية التكرار والتقليد , وحتى لايكون كلامنا نظرياً سنقوم بعرض بعض النماذج الشعرية التي نطالع مثيلاتها بشكل مستنسخ اليوم .
| | |
|