الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 13th February,2006 العدد : 140

الأثنين 14 ,محرم 1427

إدارة الثقافة
د. عبدالعزيز الشعيل

لا تلقى الثقافة اهتماماً بكافة جوانبها؛ فكثيراً تجد أن هناك مثقفين في هوامش مجتمعهم، وعندما يتم الاحتفال بإنتاجهم الثقافي نجد أن ذلك الاحتفال يلاقي نقصاً أو عيباً يبرز من خلال طريقة العرض لهذا الإنتاج، فتتعثر جهودهم، وربما لعنوا اليوم الذي تجرؤوا فيه على تقديم الإنتاج.. فمنهم مَنْ يصاب بإحباط ثم التراجع أو الاشتغال إلى الانشغال بأمور أخرى، ومنهم من يقضي وقتا طويلا من عمره في صراع إلى أن يشاء الله ومن ثم تتوارى هذه الثقافة والمثقفون. إننا لم نسأل أنفسنا يوماً عن تلك الأسباب التي ربما نرجعها إلى ذات المثقف، في حين نعفي أنفسنا من التساؤلات والمساءلة عنها التي ربما نحن السبب الرئيسي في ضمورها.
إنَّ المناشط الثقافية المختلفة في واقعنا اليوم أُصيبت بشيء من الهزال في العرض أو النقص أو العيب أو قُل إنْ شئت الاعاقة الثقافية؛ وذلك لوقوعها بين فكي بيروقراطية الادارة وشكلياتها وصراعات القائمين عليها ممن يحلو لهم ان يكون لهم حضور إعلامي أمام كاميرات التصوير بحللهم الجميلة وبين من أوكل لهم العمل في الثقافة كتنفيذيين ممن لا يقدرون العمل الثقافي فيتعاملوا مع الثقافة بتجربة إدارية تخلو من أي معنى لفَهْم دور الثقافة.. فكثيرا ما تشهد العروض الثقافية نقصا تنظيميا يدخل ضمن نطاق مسؤولية الإدارة بالدرجة الأولى أو السلوكيات تجاه المثقفين لها انعكاساتها السلبية، فيوكل اليهم القيام على رعاية هذه المناسبة أو تلك ويتعاملون معها بتجربتهم بشيء من عدم التفاعل أو القدرة بل ببيروقراطية تنفيذية وكأنهم يتعاملون مع الثقافة كعنصر من عناصر المادة لها مخرجاتها الإدارية القحة دون إدراك أن الثقافة تحتاج إلى تعامل خاص وتكيّف بل وتفاعل يخدمها ويحقق الأهداف الإيجابية التي تنعكس على الثقافة والوطن عموماً.
إنَّ إدارة الثقافة بكافة أوجهها تحتاج إلى مفاهيم خاصة تجاه المثقف أولا ثم المتلقي ثانيا.. الادارة والتنظيم بكافة أشكالها ما هي إلا وسيلة يتم من خلالها الإسهام في إنجاح العرض الثقافي.. فسلوكيات إدارة الثقافة يجب أن تراعي النوعية لتلك العروض ثم تقديم الاسلوب الخاص بالتعامل مع المثقفين ثم وضع اكبر فرصة لصالح ذلك العرض، مع الاهتمام بمن يقومون بالرعاية والتنفيذ لتلك العروض ليكونوا مناسبين لإدارة ذاك النشاط أو غيره.
إنَّ اختيار رعاة الثقافة لا يستلزم فقط أن يكونوا مثقفين بالدرجة الأولى ولا إداريين أكفاء يعملون في جد.. هذا لا يكفي، وانما يكون لديهم الملكات الخاصة بإدارة الثقافة أولاً ولديهم الفَهْم الواعي الخاص بأهمية الثقافة ثم القدرة على الادارة والقدرة على تكيفها لتكون في خدمة الثقافة، ولديهم البُعد الخاص بالاحساس بأهمية المثقف وأهمية دوره في الساحة الثقافية، مبتعدين عن حب الذات والبروز الإعلامي، مؤثرين المثقف بهذا الظهور لشد عضده واعطائه اولوية تدعم جهوده وترفع من معنوياته، واضعين نصب أعينهم نجاح العرض الثقافي في أولويات واجباتهم من خلال الإدارة المتزنة والذات الشاعرة بالمسؤولية.
* * *
وبعد أن تطوى سجلات ذلك الفرح الثقافي شكلا يغادر كافة المشاركين والإداريين موقع الحدث وكأن شيئا لم يكن، بل انك تلاحظ التباين في إدارة تلك المناسبة قبل وبعد.. فقبل المناسبة نجد الحماس يأخذ من كافة العاملين مأخذاً وكأنه نهاية الإنجاز والخلاص منه غايتهم، وكأنهم موعودون بسرد ما تم إنجازه في تلك المساحة من الزمن الثقافي.. ولعل أول مَنْ يتنفس الصعداء ويحس بإزاحة الثقل عن كاهله الإداري، فكم عقدت ندوات ومحاضرات ودشنت كتب وافتتحت صالات ثقافية ومعارض وغيرها من الألوان الثقافية فينتهي الامر بلا معرفة واستفادة بنهاية العرض، ويلجأ المشاركون المنتفعون - وهم المعنيون - إلى التسول الثقافي بحمل صور من رقاعهم أو ورقة أبيات المشاركة لمحاولة التعريف بهم عن طريقها أو محاولة نشرها بجهود شخصية علّها تخدم الهدف الذي أقيمت من أجله كجهود ذاتية ربما تواجه أحيانا بعدم القبول.. وهنا يصابون بالإحباط في حين تنسى الإدارة الثقافية المعنية بذلك هذه الجهود بآخر لحظة تنتهي فيها العروض إما جهلا بالاهداف وهو الغالب أو للانتقال إلى جهود أخرى فتنسى انه من واجباتها الحرص على تدوين الأرصدة الثقافية والمحافظة عليها ونشرها واستمرارية الاستفادة منها.
إنَّ إدارة الثقافة معنية بأن تكون الصفحات الثقافية بمختلف مذاقاتها وألوانها حاضرة في كل وقت دعماً للأرصدة الثقافية وتراكمها لتكون عنواناً حضارياً متفاعلاً باستمرار، وذلك بالتدوين والتسجيل والعرض والتزويد والمتابعة لئلا تُصاب المسيرة الثقافية بالتعثر أو الخلل أو التباين في مسافات الزمن الحضارية، وهذا بطبيعة الحال يستلزم فئة مؤمنة بالثقافة وحريصة على الواجبات نحوها، وهذا لا يعني الاستغناء عن الخبرة الإدارية لذلك النمط من الأعمال أو الاعتماد على القدرة فقط دون المتابعة والتطوير لأساليب العمل والتعامل مع الثقافة وجعل التنفيذيين لهذه الجهود حريصين ذاتيا على تقديم الثقافة بشكل حضوري دائم ودائب البحث عن آفاق جديدة تخدم ما بذلوا من جهود من أجل تحقيق الأهداف.. هذا بالإضافة إلى رفع روحهم المعنوية بحكم أنهم جزء من مسيرة العمل وإتمامه، وهذا يقع بالطبع على أولياء الثقافة الذين يملكون عملية إيجاد التفاعل المطلوب.
يلاقي الباحثون مصاعب شتى في الحصول على السجلات أو التسجيلات أو الوقوعات الثقافية بعد الانتهاء منها، وقد يكون لإداريي الثقافة الدور في عملية البطء أو التهاون أو عدم الاهتمام بعملية سرعة التدوين وكذا عدم العناية بكافة العروض الثقافية مما يدفعهم إلى الاتصال بالمقدمين للعروض الثقافية، وهذا يعني تكرار الجهود، وربما لا يتجاوب معهم المثقفون؛ لأن ذلك ليس من مسؤولياتهم بل يلقون المسؤولية على إدارة العرض الثقافي كجزئية مهمة من واجباتهم. ولنتذكر ما كان يقوم بها الأجداد والآباء في عملية نشر الثقافة بوسائلهم البطيئة وجهودهم التي يبذلونها لإيصال المعلومة وتدوينها ونشرها. والله الموفق.
* * *
تُلقى مسؤولية إدارة العروض الثقافية في بعض الأحيان على مَنْ يفتقدون حس الإدارة الثقافية، حيث يحملون وزر الخلل في العرض، ويبدأ كل منهم بإلقاء التبعة أو القصور على بعضهم الآخر.. فكم تاهت دعوات لمشاركين في بطون الادراج، وكم وُئدت خطابات وتاهت عمن يطلب منهم المشاركة.. وهذا بطبيعة الحال لا ينصبُّ على من أوكلت اليه المهمة فأخفق خطأ دون إرادته أو أنه استخدم كافة الوسائل للوصول إلى المعنى ولم يوفق، وانما المقصود مَنْ توكل اليه هذه المهمة ولا يعطيها الاهمية أو لا يقوم بواجبه نحوها.
إنَّ إدارة العروض الثقافية معنية بمتابعة صغائر الأمور الإدارية، لا أكثر من غيرها وإنما بمتابعة مجدولة يلعب الزمن فيها الدور الأهم وليس الأصعب، وقبل ان يلقى اللوم على نمط الاتصال والتنفيذيين في الإدارة الثقافية يجب إلقاء اللوم الرئيس على مسؤولي الثقافة بالدرجة الأولى؛ فهم المعنيون باستكمال خارطة العرض الثقافي قبل غيرهم، وحضورهم هو الذي يحقق الايجابية للعرض وتكامل خطته التي يجب ان تكون موضوعة مع بدائلها في بداية التفكير في ذلك العرض أو ذلك؛ حتى لا تحدث المفاجآت وهي كثيرة في مثل هذه العروض؛ لأن الطرف الآخر في المشاركة ليس معنياً الا بجزئية في ذلك العرض، والخلل الطارئ في جزئية بمثل هذه العروض الثقافية يؤثر على كافة الجهود ويعمها بالاخفاق ويحول دون أن تحقق نجاحها بنسبة عالية؛ لأن المتلقين للعروض ينظرون إلى العرض الثقافي كلوحة متكاملة ذات اطار، الخدش على سطحها او اطارها تطارده الاعين مباشرة وتلحظه بنقد فوري حتى وان تم تدارك ذلك الاخفاق في وقت العرض.. وفي نظرهم تصبح كل المجهودات وإنْ فاقت الإنجاز مساوية لذلك الخلل وإنْ كان هفوةً صغيرةً.
لنعد إلى الخارطة الثقافية وجدول العمل الزمني والمكاني، وننظر إليه بشمولية وحرص وعناية ومتابعة دقيقة لتكون أعين المتلقين في غنى عن الملاحظة.. ولنجعل العرض الثقافي لوحة واضحة التفاصيل لا يؤثر فيها العمليات الاجرائية او اخطاء غير المؤمنين بالعمل الثقافي في وحدة عمل مترابطة تسير فيها عجلة تسيير العمل الثقافي أو العرض الثقافي باتزان مطلوب؛ حتى نضمن نجاح العرض.. فيجب أن نركز على الإجراءات الادارية التي هي وسيلة من وسائل نجاح العمل الثقافي ونتدارك الهفوات في الانجاز بوقت كافٍ قبل العرض ونتجاوز احتكاكات التنفيذ للعرض والتي غالبا تحدث بين التنفيذيين اما اجتهادا فيما بينهم او انانية موقوتة لإيقاع البعض في الأخطاء أو تهاوناً؛ لذا يجب الاهتمام بنوعية مَنْ يتم اختيارهم للعمل ضمن منظومة الأعمال الثقافية والتأكد من قدراتهم وملكاتهم ورغباهم في ذلك النمط من الأعمال.. ولعل ادخالهم في تجارب ومتابعتهم أثناء قيامهم بالعمل مع الآخرين يحدد مدى صلاحيتهم لذلك العمل الذي انعكاساته السلبية والايجابية تطال أبعاد العمل الثقافي المكون من المثقفين وادارة الثقافة بكافة عناصرها المادية والبشرية والمتلقين وهم الجانب الأهم والأكثر في الاستهداف الثقافي.. ولنجعل من القافلة الثقافية تسير في تقدم وتراكم ثقافي يعبر عن حضارة الوطن ورؤيته المستقبلية.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved