الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 13th February,2006 العدد : 140

الأثنين 14 ,محرم 1427

خطاب الأنا العربية بين التقليل والتضخيم
(قراءة في وعي الشخصية العربية) «12»
*سهام القحطاني
***
الديمقراطية
كل إصلاح لا يبدأ من الرأس، هو إزاحة لتشنج وقتي، لذا فالإصلاح السياسي أولى درجات التنمية الصحيحة، ويخطئ كل من يظن غير ذلك، إن أغلب السياسات العربية هي سياسات دكتاتورية، وإن ادعت غير ذلك عبر الرسم الصوري المتمثل في البرلمانات ومجالس الشعب والاستفتاءات والانتخابات، ففي النهاية هناك دكتاتور يحرك كل ذلك من خلف الستائر، والسجون والمعتقلات تمتلئ بالمعارضين، والكتب التي تفضح القمع العربي يمنع دخولها إلى البلدان العربية، وهذا أمر طبعي، فكلما ارتفع منسوب القمع والاستبداد، ارتفع سقف الرقابة وتعرّضت الخطوط الحمراء وتدوّرت وتربعت واستطالت حتى تغطي عين الشمس، والوعي الشعبي يعلم ذلك جيدا ويلعب اللعبة وهو يعرف نهايتها (عندما تغيب الديمقراطية ينتشر القمع، والقمع لا يحتاج إلى برهان في البلدان العربية،... ولذلك لا ينتظر الناس أي شيء لصالحهم، وكمثال فإن معظم الصحف العربية تمنع من بلد إلى بلد والرقابة على الكتب والمجلات ليست بأقل من الرقابة على الصحافة، هنا مئات الكتب العربية وغير العربية ممنوعة في معظم البلدان العربية وخاصة الكتب التي تعالج الحياة اليومية الملموسة للناس... أو تتكلم عن واقع السجون والحريات العامة) - العرب وجهة نظر يابانية - نوبوأكي نوتوهارا - ص 8.
إن العالم العربي يعاني أزمة مفهوم الديمقراطية، الديمقراطية التي تتجلى في عبارة عمر بن الخطاب: (ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)؛ فالديمقراطية تعني حرية الاختيار، حرية الرأي، حرية المعارضة، حرية النقد، وهي حرية تظل على كل المستويات مكفولة بالعقلانية والمسئولية ومصلحة المجتمع. إن الذين يطالبون بالديمقراطية في المجتمعات العربية بقصد طرحها في السوق السياسية للمجتمع العربي، أعتقد أن تلكم رؤية تنقصها العقلانية. إن المجتمعات العربية بوعيها النخبوي السياسي والثقافي وبوعيها الشعبي تحتاج إلى أن تتعلم الديمقراطية قبل أن تمارسها، أن تتعلمها في الأسرة وفي المدرسة وفي الجامعة وفي العمل، أن تتعلمها من خلال التجربة الحياتية في السوق والسوبر ماركت واللجان والجمعيات ومجالس الأحياء والفصل المدرسي والقرار الأسري. إن تلكم التطبيقات والأنشطة بمختلف أشكالها هي التي تربي مفهوم الديمقراطية داخل وعينا بعيدا عن الشعارات.
***
دور المثقف
ذكرت فيما سبق من الحديث أن هزيمة 1967م أدت إلى نوع من المقاطعة بين وعي الشخصية العربية الثقافي، ووعي الشخصية العربية الشعبي، أو ما سميته غياب حدّ التلاؤم بين الوعي النخبوي والوعي الشعبي، واستمر عدم التطابق ذلك حتى يومنا، ولعل لذلك أسباباً سأذكرها لاحقا.
إن معرفة العلاقة بين الثقافة والتطوير الاجتماعي مسألة ذات أهمية، فكثيراً ما نظن أن الثقافة صفة أحادية للفعل الإبداعي؛ وبذلك نكون قد معيرنا سقف المفهوم وفصلناه عن الارتباطات الأخرى، الأكثر تعقيداً ودقة وانغراساً في بنية الجذور، وهو منهج لا يفلح عادة، في تكوين قدرة إدراكية للمسائل المعقدة وتفاعلاتها التبادلية وفضاءاتها الخفية التي هي بمثابة ويب مركبة الأنشطة والآمداء والتراتبية، وها هنا تتجلى أزمة التعامل مع المفاهيم المنقوصة، وهو مأزق يسهم غالباً في الارتباك الوعيوي، وهو أمر يظل يهدّد المنجز الثقفوي بالإجهاض إذا استمر نحو المدّ العرضي؛ فالوجود بنى متفاعلة أكثرها كذلك وقليلها بنى ثابتة، لكن أن نجمد الحراك الوجودي للمتغير وندور حوله، فحسبنا أن الدوران يعني التحرك والتطوير والارتفاع، وهو أمر لا يقبله العقل الثقافي. إن توصيف حالة الدوران السابقة تنطبق على الفكر الثقافي العربي، فالثقافة أحد مرتكزات الوعي التنموية الشعبي، وهذه الوظيفة تحتم على المثقف موقفاً إيجابياً من إشكاليات المجتمع وطموحاته ومحركات وعيه ومحفّزات مسارات تغييره، لكن المثقفين العرب قد خانوا اعتبار الاعتقاد، أو أغلبهم، وتفرقت بهم السبل، وكانت مسئولية تنمية وعي الشخصية العربية الشعبي آخر همهم، وبعضهم ظن أن الكتابة في (النقد الثقافي) و(نقد العقل العربي) كفيلة بمواجهة تحديات وعي الشخصية العربية الشعبي، أو منقية لشوائبه، والحقيقة أن النقد الثقافي هو ناتج من نواتج الهزيمة النفسية للمثقف. إن المثقف ها هنا يتشابه مع الإرهابي، فكلاهما سفه موروثات المجتمع، وكلاهما شتم الرؤساء، وكلاهما أقصى المخالف له، وإن اختلفت الوسائل، إن الوقوف أخر الطرف، سواء يميني أو يساري كلاهما تطرّف، وما يميز التطرف عن الوسط، إمكانية الدفع للسقوط تحت أحد الطرفين، لكن الوسط يتيح لك احتمالية التمسك بالمتدلي وإن سقطت لن تنزلق تحت الخط (هذا مؤكد)!! إن إشكالية المثقف العربي أن مبادئه متأرجحة، فعدم إخلاصه لمبادئه وأفكاره جعلته عبدا مطيعا، وهو وصف يطلقه لورنس العرب على العرب جميعاً. وهذا ما غيّب المثقف عن صناعة القرار الاجتماعي وصياغة وعي الشخصية العربية الواقعي أو - على الأقل - إعادة ترتيب أولوياتها كحدّ أدنى، وبالتالي أفقده السلطة على مستوى التعزيز والتحفيز للحالة الاجتماعية الراكدة.
إن الإشكالية الأولى التي أعاقت دور المثقف في التأثير في صناعة القرار التنموي أو الإنجاز التنموي هي إحاطة فكره بأيديولوجية مخصوصة، والفكر الثقافي إذا أطر بانتماء فكري خاص فقد قدرته على تغيير الوعي الاجتماعي، وهذا ما حدث في عهد ابن رشد والغزالي وابن خلدون، لأن خاصية التحيّز من أهم مفاسد الفكر وموضوعيته وقدرته على التأثير والتغيير والتبديل. ويصف الأستاذ علي حرب هذه الحالة بقوله: (ولا مبالغة في القول إن المثقفين العرب، دعاة الحرية والثورة والوحدة والتقدم والاشتراكية والعلمانية، كانوا قليلي الجدوى في مجريات الأحداث والأفكار،... إنهم مارسوا أدوارهم التحريرية أو التنويرية، بعقلية سحرية وبآليات طقوسية تمثلت في تلك المؤتمرات والبيانات التي اعتادوا إصدارها تعليقاً على الأحداث، سواء ما تعلق منها بحريات التفكير أو التعبير، أو بمشاريع النهوض والتنمية، أو بالنزاعات الناشئة بين دول العالم العربي ومجموعاته، فإذا النتيجة كل هذه التراجعات والانهيارات، قياساً على الشعارات المطروحة والمطالب المعلنة منذ عقود طويلة) - أوهام النخبة أو نقد المثقف (38).
لقد انتشرت حمّى (النقد الثقافي) و(نقد العقل العربي) بداية التسعينيات وما زالت، وكانت محاولة مميتة لإثبات أن سبب تخلف العرب ورجعيتهم هو الموروث بأشكاله الحيّة والميّتة الممارِسة والخامدة، ما تحت الأرض وما فوقها، وهكذا يرون (العلة في الواقع لا في الأفكار أو في أنماط الفهم أو في طريقة التعامل مع الحقائق؛ ومن هنا كان سعيهم الدائم لمطابقة الوقائع مع مقولاتهم المتحجرة، أو لقولبة المجتمع حسب أطرهم الضيقة أو تصنيفاتهم الجاهزة، وبهذا المعنى مارس المثقفون ديكتاتوريتهم الفكرية أو عنفهم الرمزي باسم الحقيقة أو الحرية) - أوهام النخبة - علي حرب - ص45.
(.. إن من أصعب تحديات النظام العالمي الجديد إيجاد المواطن المعولم والمثقف المعولم والسياسي المعولم؛ فإزاحة الحدود بين الشعوب أوجبت على المثقف المعولم اليوم مسئوليتين تضافان إلى مسئولية الحماية، وهي مسئولية تطور العقل الجمعي ضمن تأطير المدلولات الحضارية التي تسعى إلى إضمار محليات الشعوب وقوّلبتها داخل الجاهزيّة العولميّة، ومسئولية تفعيل الوعي الاجتماعي مع المتغيرات لاستيعاب سنة التغيير والتلاؤم معها وإخراج التصور الجمعي من هيمنة التآلف والثبوتية، وإيجاد رؤية ائتلافية بين القديم والجديد، وهي من أصعب مسئوليات المثقف المعولم، وأبرز سماته أصالة وعمقاً)؛ فالعولمة اليوم سحبت البساط من تحت أرجل المثقفين أو أوشكت على ذلك، وحلّ الإعلام المرئي العولمي محلّ الثقافة، وتعقّد موقف المثقف، وأصبحت قضية التحدي قضية خاصة بين العولمة والمثقف، قضية كينونة أو عدميّة، فحلّ الإنترنت محل الكتاب، وأصبحت نسبة المفاضلة أعلى والاختيار أدق، وإخراج السذج من سباق التقنية المعلوماتية عملية مستمرة، وحلّت الفضائيات محل الفكر الثقافي بل بدأت تغيير معايير وعي الجيل التقويمية، وصورة البطولة ومقياس القدوة، أصبحت ثقافة وعي الجيل الجديد (ثقافة أغنية)، (ثقافة صورة) وعادت فلسفة (جمال الجسد) التي بدأت في عصر اليونان، عبر ثقافة (الفيديو كليب) (وكلما رأى الإنسان شيئاً صار ذلك ميثاق تصديق) - ثقافة الصورة - عبد الله الغذامي - ص27، لذلك تقدمت ثقافة الصورة وتراجعت ثقافة الكلمة بعد سقوطها في فخ النخبوية. وهذا موضوع يطول الحديث فيه، ولعله مدخل جديد لقراءة وعي الشخصية العربية في زمن العولمة.
*(ما ورد من تحليل في هذا الطرح - رؤية خاصة بالكاتبة - لا يتبع أي مذهب أو يندرج تحت أي تيار).
انتهت


seham_h_a@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved