الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 13th February,2006 العدد : 140

الأثنين 14 ,محرم 1427

النظرية العربية عند النقاد القدامى من منظور حديث
قدامة بن جعفر في نظر الدارسين 10

*د. سلطان سعد القحطاني
ذكرنا في بداية الحديث عن نظرية قدامة بن جعفر النقدية، أن كتابه حقق انتشاراً واسعاً في المجال النقدي العربي، وأنه متأثر بالثقافة اليونانية، والمحور الرئيس لنظريته (الأخلاق) ولكن من تحليلها يظهر لنا الكثير من الأمور، منها: إن مفهومه للأخلاق يختلف عن علم الأخلاق، وقد أكد الكثير من الدارسين هذه الخاصية، في اتجاهات متعددة تدل على أهمية نظريته في التراث العربي، بصرف النظر عن مصدرها وما تأثر به قدامة نفسه في ذلك الزمان. ومن أوائل الذين قرؤوا قدامة: ابن الأثير عندما تحدث عن أعلام العربية في النقد وعلوم اللغة المختلفة، وقد عد قدامة من ضمن الأعلام، (وأشهر كتب هؤلاء الأعلام التي تتصل بهذا الفن، هي النكت في إعجاز القرآن للرماني، والموازنة بين أبي تمام والبحتري للآمدي، والبيان والتبيين للجاحظ، وكتاب نقد الشعر، وكتاب الخراج وصناعة الكتابة، وكتاب جواهر اللفظ، وثلاثتها لقدامة بن جعفر). وهذه الإشادة من ناقد كبير كابن الأثير لها مدلولها في عالم النقد الأدبي، وأهمية النظرية، وما بها من آراء.
ومن الذين تحدثوا عن هذا الكتاب وصاحبه وحلل النظرية تحليلاً علمياً، الدكتور شوقي ضيف، وأبدى ملاحظات قيمة حول هذه النظرية، وأنه متأثر إلى حد ما بالثقافة اليونانية، وأنه قد بالغ في مصنفه (نقد الشعر)، فأنكر على سابقيه من النقاد جهودهم، ويرى أنهم كانوا يتخبطون في علم النقد، وهو بذلك كأنه يريد أن يلغي كل ما ألف قبله في تمييز جيد الشعر من رديئه، أو هو على الأقل لا يعترف بأن أحداً كتب شيئاً يغني بعض الغناء في هذا الموضوع، فلا ثعلب في (قواعد الشعر) ولا ابن المعتز في (كتاب البديع) ولا غيرهما من سابقيهما ومعاصريهما قد كتب فيه شيئاً يذكر له بالثناء، بل إنه ليدعي عليهم جميعاً الخبط والتخبط، وكأنه يقول: إنهم فقدوا الدليل الهادي من كتابات أرسطو. ويعلق الدكتور شوقي ضيف على بعض آراء قدامة، فيقول: (وكأن كتاب البديع لابن المعتز يؤذيه، ويذكر أن ابن المعتز قد رمى بعض المتفلسفة، الذين يردون البلاغة لليونانيين، وقد أثبت ابن المعتز أنها عربية)، ونتفق مع الدكتور شوقي ضيف أن قدامة بن جعفر ألف كتابه ليرد به ولو بطريق غير مباشر على ابن المعتز وكل من عارضوا الفلسفة اليونانية والمدعين أصالتها البلاغية على غيرها عند العرب. ومن هنا تأتي الإجابة على السؤال الذي طرحناه في بداية الحديث عن نظرية نقد الشعر عند قدامة بن جعفر، وقد حصلنا على الجواب من طريقين متفقين: الأول من تحليلنا السريع لبعض بنود النظرية، والثاني، من تحليل الدكتور شوقي ضيف في كتابيه (البلاغة تطور وتاريخ، وتاريخ الأدب في العصر العباسي الثاني)، فالنظرية خليط من الفلسفة اليونانية، والمنهج مضطرب لعدم فهم نظرية أرسطو، ويعيد الدكتور شوقي ضيف السبب إلى سوء ترجمة متى بن يونس: (ويقف عند تعريف الشعر وقفة منطقية يستمد فيها بوضوح من منطق أرسطو وما ذكره عن الحدود والتعريفات وأجزائها، ويبدو هنا أنه لم يفهم نظرية أرسطو في المحاكاة وأن المعول في الشعر عليها لا على الوزن، وجاء ذلك من سوء الترجمة لكتاب الشعر متى بن يونس، فإن كثيراً من معاني الكتاب في الأصل طمست طمساً، وهو ما جعل قدامة يضرب في الإفادة منه على صور شتى.. ويرى أن التوفيق خانه في كثير من الأحيان، ولولا ما أضافه إلى ابن المعتز من بعض فنون البديع لتناسي النقاد التالين كتابه ولم يلتفتوا إليه أين التفات).. ونضيف إلى ذلك تجاهله لكتاب ابن طباطبا، المعاصر له، وقد ذكرنا إشادة النقاد بهذا الكتاب وانتشاره، ولا معارضة على ذلك، وقد يكون السبب من موقع صاحب الكتاب من جهة، وتحمس الفلاسفة وأنصار المدرسة اليونانية ضد العربية له من جهة أخرى، وقد أخذ على الناقد أن جعل التشبيه والوصف غرضين من أغراض الشعر، والتشبيه فرع من غرض واحد (الوصف) ويرى الدكتور إحسان عباس أن إجازة قدامة للشاعر أن يتحدث عن موضوعات ذميمة لا يتعارض مع الأساس الأخلاقي للشعر. إذ إن الأساس الأخلاقي إنما يتناول تصوير الجوانب الموجبة، وليس هناك من يستطيع أن يحظر عليه تصوير الجوانب السالبة، وإلا لم يكن الهجاء فناً من فنون الشعر على هذا الاعتبار، ولعلنا أوضحنا بعض التراجعات عن مبدأ الأخلاقيات بالمعنى الظاهري لها، وما الفرق بينها وبين المعنى الشعري عند قدامة من قبل. ويرى الدكتور جعفر الشكرجي أن قدامة يقف موقف أصحاب جمهورية أفلاطون الذين يتحرجون من الشعر غير الأخلاقي، ويضرب مثلاً بابن حزم وابن مسكويه وغيرهما. وفي نظرنا أن هؤلاء فقهاء وليسوا نقاداً يحتج برأي أحد منهم. أما الاعتماد الحقيقي فعلى آراء النقاد الذين استشهدنا ببعض منهم، ومقامهم أكبر من أن نحصيه في مقال كهذا، فالدكتور محمد الربيع يشيد بكتاب قدامة ويصفه بأنه إمام مذهب من مذاهب النقد العربي، يعتمد على الدقة والتحديد والتأثر بالثقافة اليونانية، ويقارن بين ابن طباطبا وقدامة مقارنة مختصرة، فيقول:
- الاختلاف في المنهج النقدي، وقد عرفنا منهج ابن طباطبا، وكيف أنه اعتمد على الذوق المعلل وعلى طريقة العرب الخالصة من التأثير الأجنبي بينما يقوم منهج قدامة على النقد الموضوعي المنطقي المعتمد على الثقافة اليونانية، وقد اعتمد كل منهما على العقل الثاقب في النقد. أما الدكتور إحسان عباس، فله رأي مختلف عن رأي الدكتور الربيع في الاعتماد على العقل، فيرى أن نتائج هذا الاعتماد تختلف: (إن النقد العقلي قد يستكشف العلاقات الجمالية كما هو عند ابن طباطبا، وإنما نقد قدامة لا يستطيع أن يتناول إلا الواقع الشعري دون غيره من المستويات، ومثل هذا النقد يستطيع أن يتمرس بالحقائق التي يقبلها العقل في الشعر ويؤثر التقرير، والوضوح والحسم الفاصل والصحة المتميزة والفرق بين قدامة وابن طباطبا أن الأول يريد أن يضع للشعر مخططاً منطقياً بقطع النظر عن السعة والشمول وحكم الذوق، والثاني يحاول أن يحد من طغيان الذوق بشيء من القواعد والأسس). وفي الواقع أننا نميل مع الدكتور إحسان عباس والدكتور شوقي ضيف إلى نظرية ابن طباطبا أكثر من الميل إلى نظرية قدامة بن جعفر، مع تقديرنا لكل منهم، ونود أن نلخص ما قيل في هذه الدراسة في النقاط الآتية اختصاراً للوقت ومراعاة لحجم البحث:
1 - قال بعض الدارسين والنقاد إن كتاب قدامة بن جعفر أكبر من كتاب ابن طباطبا وأكثر شهرة، أما الكبر فلا يعني - دائماً - الجودة من الرداءة، وهذا مقياس نقدي ناقص.
2 - قدامة أدق من ابن طباطبا في التحديد لأنه يعتمد على الحد المنطقي، وابن طباطبا يعتمد في الكثير من آرائه على الأمثلة ويهمل التعريف.
3 - هناك بعض الموضوعات التي يتفق فيها كل منهما، وهي موضوعات أساسية: التشبيه - المبالغة - اللفظ والمعنى - أهمية القافية.
4 - نتيجة لاختلاف المنهج اختلفت نظرتهما إلى الأمور، مثل نظرة كل منهما إلى: الصدق والكذب، ابن طباطبا يؤكد على الصدق، وقد عرفنا أنه قسمه إلى أقسام. أما قدامة فلا يرى بأساً في الكذب والغلو معاً، ويؤيده بآراء فلاسفة اليونان ويؤيد من يقول: إن أحسن الشعر أكذبه.
5 - ابن طباطبا بنى نظريته على أسس عربية، فأخذ في عين الاعتبار البيئة العربية، والظروف التي حدت بالشاعر العربي إلى قول قصيدته. أما قدامة فاستعار أفكار نظريته من المصادر اليونانية، من (أرسطو) مباشرة، لكنه أساء الفهم الآرسطي في كثير من بنود النظرية، لكنها نظرية تقرب من الدراسات الحديثة إلى حد ما.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved