الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 13th February,2006 العدد : 140

الأثنين 14 ,محرم 1427

استراحة داخل صومعة الفكر
سعد البواردي

قصائد في زمن السفر
أحمد صالح الصالح (مسافر)
84 صفحة من القطع المتوسط
الحياة تتحرك.. الأرض كروية تتحرك.. البشر يتحركون.. في الحركة البركة هكذا يقول المثل.. ولكن أين الاتجاه..؟ وبأي شيء نتحرك؟ أقدامنا تتحرك.. عقولنا تتحرك.. مشاعرنا تتحرك.. بل مشاكلنا تتحرك.. ومشاغلنا تتحرك..
تحديداً مع شاعرنا مسافر لابد من حركة سفر.. إطاره الخيال.. وحركة سفر أخرى صوتها وصورتها يرسمهما الفكر وهو يغوص في أعماق ما حوله منتزعاً من بحر التأمل أصدافه. وحيثياته. وزبده الذي يذهب جفاء على أوقاع أمواجه المتحركة..
(أنتِ) تحرك المدد والقلم ورسمها من خلال حركة إيقاعية ملونة..
أنتِ
يا أحلى من الراحة
من ماء المطر
أنت يا اشهى من اللذة
يا صفو العمر
لم يدلنا شاعرنا على ماهيتها.. هي حبيبة.. أم قريبة.. أم حبيبة قريبة.. أجمل ما في الشعر انه لا يحدد مساحة للحرية.. لا يؤمن بوثاق القيد.. لا يفرض على الشاعر بطاقة هويات عرائس أحلامه.. ولا حتى شيطانات آلامه.. المرأة حيث هي عنوان الشعر الجميل حتى ولو جاء عاصفا متمردا..
كم دعاني قدري
أن انتهي
فإذا أنتِ على دربي قدر
يا لها من منقذة أعادت اليه أنفاسه بعد أن كاد يلفظها، إنها تستحق به أن يكون طوع أمر لا يضره ولا يضيرها.. دائما يشبع جوع حب لا يقبل القسمة على اثنين.. أو اثنتين..
وإذا كان كل هوى قبلك
قد صار أثر..
المسافر دائماً يستبطنه دعاء ودعوة.. الدعاء ابتهال حياة.. والدعوة نداء لاقتحام ساحتها.. وإذا كان الحب يقظة التحام بين قلبين فإنه أيضاً اقتحام لمخاطر الدرب المفضي إلى الحب..
أيقظي الذكرى بقلبي
فحديث الشوق ينسال على سمعي ندبا
ولأنها عاقلة يتملك الطهر قلبها اشتاق لحديثها وخربشتها لأوراقه الولهى.. إنه لا يقوى على صمتها..
مزقي صمت اللقاءات
وهاتي يدك الحلوة
تغفو.. مثل عصفور صغير
على يدي..
ونسي أن يُقبلها.. أي يديها.. حتى لا يحسده المحرومون من الحب..
(لقاء) يعقب الدعوة..
لقاؤنا.. ميلاد أفراحنا
أحلى من الأحلام.. يا ظالمة
شربت في عينيك سحر الهوى
ونسمة في الشفة الناعمة
هل تريد لفاتنة كهذه ألا تظلم؟ وتتغالى على عاشقها؟! أبدا هذا لن يكون وإلا كانت رخيصة.. التمتع سلاح التمتع بالجمال.. ألم تحكي لها ضياع عمر دونها؟! لن تستعجل في جوابها.. لن تتمكن حتى تتمكن من قلبك وتنتزع من حبه أحلى وأجمل ما فيه.. (مني).. ولمن؟.. يبدو ان الذكريات طغت على سؤاله وحولته الى علامات استفهام حائرة.
وكانت لنا ذكريات وحب
تنادي فيخفق للحب قلب
ونكبر والحب فينا يشب..
حذار أن يشيب وتقع الكارثة..!
رعينا الهوى في لقاءاتنا
منحناه حلو ابتساماتنا
دثرنا على الضعف في ذاتنا
هذا شيء جيد.. فأدوات حبك نظيفة ولطيفة يشهد بها لحظ عيونك وهو يعترف ويغترف:
بكل العيون التي قد عشقتُ
وكل الشفاه التي قد شربتُ
وطعم الحنان الذي قد عرفت
ماذا بعد هذا؟
حملت لعينيك طيبة قلبي
وطهر البراءة يغسل هدبي
حنيني إليك يعانق دربي
كل هذا.. تحول الى لحظة انتظار مر.. لقد سخر من شاعرنا نداؤه فبكى.. وارتعش حبه داخل جنبه.. وراح يصلي في انتظار الحلم المتردد..
(حاذري).. مرحلة خطر يستشرفها لا بد لها من صوت لا يقبل التسول ولا التوسل:
حاذري ان تقلبي عزتي
فعزتي كالنبض ملء العروق
ان وشوش الواشون في حبنا
ان زرعوا حقول أشواك متوحشة.. فأشواقنا مشرعة تعانق جبين الشروق.. هكذا يؤكد.. إلا انه يودع.. لمن يودع هذه المرة؟
افرحي ما شئت هذا قدري
وامنحي قلبك من شئتيه ذخرا
واذكري الحب الذي علمنا
ان تذيبي الليل في الاجفان فجرا
يوم ان كنا كعصفورين.. لا
نعرف الدنيا سوى حبا.. شعرا
هل تذكرت فتاة أحلام صباه وصبوته؟ الحب احيانا لا ينتظر دائما بخطفة خاطف ذو حظ عظيم.. او عقيم.. لا أدري.. يسرد عليها دروبهما المزروعة. وهمسات الليل. الأماني الحلوة.. ابدا يفرش لها بساط او مصير حبه ما دام الحب عسيرا.. لا جواب على نجاح او فشل.. ويتجه مسافرنا نحو قدره.. لا الى اقتداره.. حب جاء توصيفيا لطيفا جميلا برق في خياله.. غنى له أغنية أمنية لم تتم:
خذني يا قدري بين ذراعيها
أرسل بين ذراعي سنابل.. هذا الليل المنساب..
استعار بسنابل الليل المتوحشة.. سنابل الصبح الخضراء ليست في يده.. دائما في ايدي قدره لا اقتداره
مسافر شاعر حب لا يشبع ولا يروى.. فمن غصن الى غصن يتنقل كعصفوره الملازم له.. تارة غصن بثمر.. وآخر مجرد ذراع شجر..
حبيبتي.. هذا الهوى لم يزل
كالنبض في قلبي.. وفي اضلعي
يا أنتِ في حبي جنون الهوى
ما كنت طهر المتقين أدَّعي
حبه كان طفوليا طاهرا.. وبخطاب الطفولة يناشدها الا تقتل براءة الأطفال في عينيه..
(عيون الرقيب) آه من الرقيب انه رهيب مرعب في نظراته وفي خطواته وفي قراراته.. حتى الحب يخشاه ويخاف منه..
مررت على لحظات انتظاري
سنونوة .. في عيون السحر
حكاياتنا لم يطلها الوشاة
نخاف من الحب ظلم البشر
عيون الرقيب تذل السؤال
وكان الحديث حديث النظر
حتى النظر الذي يتم بسرقة حتى لا يفتضح سره وأمره حانت الحروف الصامتة على شفتيه، وذابت الصور الباهتة على مقلتيه، لم يبق غير ذكريات لقاء.
الإبحار.. والبحر.. والشراع.. والمجاديف.. والملاح.. والشاطئ.. والموج.. والتجارة والغرق فيها ومن خلالها تدور الدوائر بين العاشقين بعد ان ضاقت بحبهما اليابسة كأنها في معظمها جافة الحب.. جافة التربة.. ورغم هذا اصطفى مسافرنا الابحار في عيني محبوبته:
الحب في عينيك يا صغيرتي يهمس لي
(أنت التي ملاكي)
يأخذني الى وجود حالم
يصمني طفلا.. يشدني بقوة العشاق
للهوى الكبير لابتسامة
تحمل لي بصدقها رضاك
عرفنا معا لماذا أبحر في عينها.. الحب الطفولي لا يتجاوز حدود مهده.. لا يتحمل الأعاصير والأمواج والأشرعة المتكسرة.. انه إبحار دون غرق، محيطه عينان تبرقان بسحر جمال الطفولة.. وشطه مجرد موج مسالم يغسل اقدام العاشقين في رفق:
(الحنين) رفع اشرعته وابحر.. سفينة أشواق.. وأشواك وبقايا أمل:
أنتِ اتعبت زورقي.. فتعالي
أوغلي في غدي.. وغلي ظنوني
وابعثي دورة الحياة بيأسي
واخطري في ملاعبي هدهديني
على نفس الوتر البكائي الحزين ينثر شاعرنا دموع الخيبة على خشبة الانتظار.. لم يقل لنا مرة ان قفلته وقافلته الشعرية امطرت حبا محققا.. الحب في شعر مسافر كالشلال.. والسواقي.. والجداول يجري.. والأرض عطاش من حوله.. هذا قدره.. او هكذا اختار واحتار.. إلا أنه انتصر هذه المرة على بؤسه ويأسه واعطى لنا.. عمرا من الحب..
حبيبتي ليلة الحب التي ظمئت
لها الشفاه وثار الشوق ملهمتي
في حر شفتيك دعاني للهوى قدر
فجئت أشرب من ثغر ومن شفة
أشعر بشيء من الزلزالي الخفيف يهز شطرك الثالث: (في حر شفتيك دعاني للهوى قدر).. يمكن ضبط حركته كما أرى على النحو التالي:
(على شفاهك لي حول الهوى قدر) ألست معي.. هذه مجرد ملاحظة.. أعود إلى مقطوعة عمر الحب
لقاؤنا والأماني حوله رقصت
عمر من الحب تزهو فيه أزمنتي
حبيبتي لاهب في اضلعي غضبي
لا تشعلي غضبي فالنار في شفتي
دعها تشعل غضبك لتطفئ نار لهيبه.. ألست الذي تبحث عن شفة تقبلها.. ورحيقا تسقي منه عطشك..
(سؤال) يطرح نفسه.. بل يطرحه مسافرنا عليها قد يتحول الى مساءلة أجهر صوتا:
اسائل فيك الزمان البعيد
اسائل عنك قصي الديار
فلا الأرض تعرف اني رحلت
ولم يدرك السمع ورجع الحوار
هكذا حوار الطرشان يبدو غير مفهوم النتيجة..
نتجاوز بعض محطات الرحلة (عينان) وقد عشنا مع أكثر من عين.. (تتساءلين) وقد شبعنا من كثرة التساؤل.. (ثورة الأحزان) ومسافرنا ألقى بظلال حزنه علينا حتى حزنا.. (لا) الرافضة المنكرة أيضاً وقفنا أمامها مستذكرين تارة ومستنكرين أخرى.
و(لأن الحب) عرفناه من تجاديف شعر شاعرنا الإبداعي مسافر (حتى) لوح الذكريات الراعفة، قرأناه ووددنا جميعاً لون أحرفه خضراء كالربيع.. وليست حمراء كالدم.. او سوداء كالجهام.. (ذات مساء) استوقفت المسيرة على وعد بالاستماع لما جرى.
السماء تفرقوا.. لم يبق في المشهد إلا عيناها وفرحة في اضلع شاعرنا تنبض وترفض مثل رقصة عرس. ثم جاءت:
ويوم جئت في دلال أيقظ الأشياء
كأسراب النور.. كانغلاقة السحر
الساحر العاشق نهل من جدول الضوء وهو العطشان.. ثرثر كالطفل واستسلم مثل عاشق شارد.. وافاق ليستكمل حديث سمره..
والآن يا حبيبتي تلفتت في قلبي الذكرى
(اليك) الف مرة.. فأين أنتِ
يبدو أنها استغلت شروده وتسللت بعيداً عنه قبل أن يفيق.. نهاية منتظرة كما عودنا شاعرنا.. شرود الحب يضيع الأشياء
(عنيدة) عاشقة او معشوقة لا أدري حتى ينجلي الأمر:
إليك كل حناني والهوى يدمي
يسري كأن به نفحا من الشرر
حبيبتي قد عشنا الهوى زمنا
فكيف عادت ليالي الحزن من قدري؟
ماذا عرف منها.. أو عنها؟
عرفت في مقلتيك البحر يحملني
إلى ضفاف من الموال والحذر
عرفت في شفتيك الشوق يزرعني
على دروب من الأحلام والصور
هذا ما عرفه عنها.. تُرى ماذا ابقت هي له؟!
ماذا تركتِ.. صباي الحزن ينهشه
ممزقاً بين مقتول.. ومنتظر
ماذا؟ أتلقين أوراقي وما نشفت
حروفها بعد.. ما اقساك أن تدري
يناشدها العودة:
عودي كما تركض الغيمات والهة
وامطريني حنانا منك يا مطري
أخشى يا صديقي ان تكون غيمة صيف عابرة بلا مطر.. لو كنت مكانك لأسدلت عليها الستار دون انتظار.
(غربة الأهداب) تعني غرابة وغربة الأحباب مقطوعة نثرية حروفها تصفق لخيال محبوبته تسرق من خياله الحب يسترجع معها ما قاله نزار قباني (عودي إلي) و(ما أحلى الرجوع إليه) ولكن الأمنيات أحيانا تمنى بالخيبة.
المغرم.. المدنف يلجأ إلى مواويله.. والمسافر المفتون بجميلاته طرح مواويله على شفاه الشوق.
حملتُ الجرح في قلبي
كعصفور هجير الصيف أجلاه
الى ماء الى حب
وضم حنينه ظل
عيوني مولد للحب
يغفو في ثوان عمره هذا الهوى
ابعد عن الغفوة تبتعد عنك الجفوة.. اشعر ان غفوتك طريقة مثلى للهروب والاغتراب. حتى هروبك اليها لا يجدي.. فلا قيس وليلى رغم جنون حبهما أوصلهما الى الأمنيات.. الأمنيات وحدها لا تكفي.
هنا نقفل بوابة الدرب مع شاعرنا المتألق (مسافر) ملاحظة عابرة توقفت عندها.. الاهمال في النقطة المخل بالمعنى كمفردات (صبوتي) و(اضلعي) و(مسمعي) و(ضلوعي) و(دموعي) و(جوانحي) و(ولوعي) و(مفاصلي) و(زوارقي) و(شموعي) المقترنة بباء النسبة المفتوحة.
الأخرى تجزئة الشطر الواحدة وبعثرته مما ينتقص من جماليات إطاره وترنيمته.. شكراً لشاعرنا مسافر على سفر كان بالنسبة إلي سفر الامتاع والإشعاع.. رغم نهاياته الجاحدة ولا أقول الجامدة.


الرياض ص. ب 231185
الرمز 11321 فاكس 2053338

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved