الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 13th March,2006 العدد : 144

الأثنين 13 ,صفر 1427

رؤية ثقافية:
معرض الرياض الدولي للكتاب (1)

* د. سلطان القحطاني
شهدت الرياض على مدى عشرة أيام نشاطاً لم تشهده منذ زمن، بل إنه النشاط الأول من نوعه في معرض الكتاب. ويختلف هذا المعرض عن المعارض السابقة من حيث التنظيم والنشاطات المصاحبة له. وقد تحدثنا قبل بداية المعرض بوقت كافٍ عما يريد المثقف من المعرض، وهل المعرض سيكون كسابقه من المعارض التجارية التي لا فرق بينها وبين مكتبة تبيع وتشتري الكتب أو نشرة إعلامية تصدرها دائرة ما تبين فيها أهدافها وخططها المستقبلية وما أنتجته على مدى أعوام من تأسيسها.
كانت الطروحات كثيرة، والتساؤلات أكثر من الطروحات، لكن أمنيات المثقفين كانت متقاربة، بل تكاد تتفق على وجود أنشطة ثقافية متنوعة على غرار المعارض الدولية. وكان القائمون على المعرض على وعي تام بهذه المتطلبات الثقافية؛ فقد شاركوا في معارض دولية لم يحضروها بصفة المراقب، بل حضروها بصفة الفاعل المتفاعل، وبعين الدارس المستفيد، وبالتالي أخذوا معاييرها وطبقوها على هذا المعرض الأول في المملكة. وكان النجاح حليفهم؛ لأنهم عملوا بصورة جدية وعلى أسس مدروسة متقنة وليست مقلدة، فوضعوا البرامج الحيوية، وطرحوا التصورات الحديثة فيما يهم الوطن والمواطن في حاضره ومستقبله، إضافة إلى تقييم الماضي. وإذا أردنا أن نسمي الأشياء بأسمائها فلن أتردد في الإشادة بما قام به الدكتور عبد الله المعجل ومساعدوه من جهود تمتد إلى ساعات متأخرة من الليل. وبصرف النظر عن نجاح المعرض من الناحية التجارية، كما أشارت الصحف وتحدث الكثير من الناشرين، فإن النشاط الثقافي أخذ قدراً كبيراً من وقت هؤلاء، من حيث المتابعة والتقييم يوماً بيوم، فالدكتور المعجل وزملاؤه يتابعون المنتديات الرسمية المعدة سلفاً على أرض المعرض، والنشاط الحر الذي يُقام في فندق الإنتركونتننتال في الرياض بعنوان (إيوان اليمامة)، وهذا المنتدى مطروح للمناقشات والأسئلة، فقد حضره معالي وزير التعليم العالي وناقش مع الحضور مدى تصوراتهم عن الفعاليات، واستمع للتعليقات والمتطلبات في المعرض القادم، وحضره سعادة وكيل وزارة الثقافة لشؤون الثقافة الدكتور عبد العزيز السبيل، ودارت المناقشات حول الكتاب ومسألة الرقابة التقليدية في زمن التكنولوجيا، وطرحت فيه العديد من الرؤى والمسائل المتعلقة بالشأن الثقافي، وتولى إدارة المناقشات واللقاءات الأستاذ عمر السيف.
هذه أمور وتصورات تمت بنجاح على أرض الواقع في جلسات اتسمت بالشفافية، وجمعت بين عدد من المثقفين، كان البعض منهم يرى ويلتقي بالآخر وجهاً لوجه للمرة الأولى، ومنهم شباب يُدعون لأول مرة ويشاركون هذه الفئة من الشيوخ يعرضون عليهم إنتاجهم من الشعر والقصة، ويناقشون معهم عدداً من القضايا الفكرية بكل شفافية. حتى بعد انتهاء الوقت المقرر للندوة (منتصف الليل) كانت تمتد إلى ساعات الفجر الأولى، كانت حصيلتها تبادل الأفكار وتقديم الإنتاج المطبوع والمعد للطبع، إضافة إلى كونها أسست لجسر من التواصل الفكري بين هذه الفئات في المستقبل، وأظهرت وجوهاً جديدة.
هذه رؤية سريعة عن معرض الرياض الدولي الأول للكتاب، ونبذة سريعة عن فعاليات منتدى (إيوان اليمامة). أما الفعاليات الرسمية التي احتوى جدولها الحيوي على برامج مهمة للغاية في الوقت الحاضر، واستدعيت لها الأسماء الرنانة في السعودية ودول مجلس التعاون، فقد خيَّب البعض منهم آمال الحضور، ولن أستعرض كل الفعاليات؛ فالمتلقي الكريم تابعها وله فيها رأيه الخاص من حيث المحاضرين والمتداخلين الذين لم يتعود بعضهم على مثل هذه الفعاليات في المعارض السابقة، ولم يسمع إلا من صوت يعرفه تمام المعرفة من حيث اتجاهه، ومن حيث الموضوع الذي يطرحه بصورة إما أن تكون وعظية مباشرة وإما أن تكون موضوعاً طُرق عشرات المرات أو المئات!! ففوجئ بالجديد، والإنسان عدو ما يجهل، وبالتالي أوَّله إلى العقيدة أو أنكره. والندوة التي حضرتها كانت من أهم الندوات (التعليم والإصلاح)، دُعي إليها أربعة أسماء من الأسماء المعروفة في الساحة على اختلاف في التخصصات، وليس من بينهم متخصص في التعليم ومناهجه: باحثة أكاديمية، ومنظِّر في عدد من المذاهب الأدبية، ومفكر سياسي، وواعظ. هذه الأسماء الأربعة لها وزنها العلمي والاجتماعي، وعلى الرغم من ذلك كان لي أمل إلى آخر لحظة في الندوة التي أدارها الأستاذ عبد الله الناصر الكاتب المعروف، لكني كغيري خرجت دون أن أسمع كلمة تعني التعليم، والتعليم يقوم على أربعة أركان: (المعلم، والطالب، والمنهج، والمبنى) كما درسناها، وإصلاح هذه الأركان المتداعية في هذا الزمان يحتاج إلى خبير في هذا المجال، والحديث الذي يردد في كثير من المجالس عن المنهج وأنه مصدر الإرهاب حديث مَن لا يعرف المنهج، فليس في المنهج مفردة تدعو إلى الانتحار، وليس في المنهج مفردة تدعو إلى صنع المتفجرات، وليس في المنهج مفردة تدعو إلى تكفير الشيعة، والمنهج واحد يدرسه أبناء الشيعة وأبناء السُّنة، وليس في المنهج مفردة تدعو إلى الاعتداء على مقدرات الدولة التي يعيش فيها واضع المنهج كغيره من المواطنين، والمناهج على ضعفها أقل من أن تربي مجموعة من الذين لم يبلغوا في التعليم إلا قليله، الذي ربَّى على ذلك هم الجماعات المتطرفة الحاقدة التي خدعت المجتمع باسم الدين، والمجتمع الذي يرى في ابنه نوع التدين ولا يدري عن خلفيته الثقافية، يدعوه الشيخ وهو لم يكمل العام الخامس عشر من عمره، حتى انزلق وفقده في هذه الدوامة الكبيرة من الضلال. لم نسمع أحداً من المحاضرين الكرام تحدث عن المبنى المتهالك، والمبنى الآخر المستأجر، وخصوصاً المدارس الخاصة التي تجني ملايين الريالات كل عام, ولم يتحدث أحد منهم عن المعلم الذي يتكاسل في أداء وظيفته، وينشغل عن طلابه بالمضاربة في سوق الأسهم أثناء الدوام الرسمي.
تحدثت الدكتورة هند الخثيلة عن التعليم بطريقة أكاديمية تقليدية جمعتها من مصادر بعضها أكل الدهر عليها وشرب ثم نام!! والدكتور عبد الله الغذامي صار محدثاً عن واجبات الحج وما قاله الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في شأن الرجم قبل الزوال، وتحدث عن البيت الذي لا يستر العورة، وفي ظني أن البيت الذي لا يستر العورة ليس ببيت!! ثم أسهب في حديث إنشائي بعيد عن الموضوع يستدر به عواطف بعض الحاضرين، وأظنها درَّت له معسولة الحلبي، حيث شكره أحد الحاضرين على مواظبته على صلاة الجماعة.
أما الدكتور أحمد الربعي فقد أتحف الحاضرين بنبرته الخطابية القومية وبالضرب على الطاولة للتنبيه، وطوَّف بعيداً عن الموضوع، ولا لوم عليه؛ ففاقد الشيء لا يعطيه. أما المشارك الرابع فخير له أنه غاب عن الحضور.
كان الأجدر في مثل هذه المناسبة المهمة أن يحاضر فيها أساتذة من وزارة التربية وأساتذة من كليات التربية وأقسام المناهج فيها؛ ليبينوا للحضور كيفية الإصلاح، ومدى ما توصلوا إليه، وما هي خططهم المستقبلية، وكيفية معالجة الأمور المتعلقة بالتعليم؛ تلك الرسالة العظيمة، وقد قيل: (أعطِ القوس باريها). فلعل وزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة تأخذان في حسبانهما في المعرض القادم مسألة التخصص، حتى وإن لم تكن من الأسماء الرنانة؛ فقد سئمنا (الظواهر الصوتية)، فكما أن الجهود كانت كبيرة والآمال أكبر فليكن الاختيار موازياً لها.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved