الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 13th March,2006 العدد : 144

الأثنين 13 ,صفر 1427

سعودة الفكر والثقافة

د. زهير محمد جميل كتبي
وزارة العمل بَنَت استراتيجيتها العليا كما قال وزيرها الدكتور غازي القصيبي في تعقبيه على الدكتور محمد عبده يماني، الذي نشر بجريدة عكاظ بعددها (14393). وذلك تعقيباً على مقالة الدكتور محمد عبده يماني بعنوان (الدكتور القصيبي.. وحوار لابد منه) المنشور بجريدة عكاظ بعددها (14374). على السعودة في كل المجالات فكيف نسعود وظائف الشعب، ولا نسعود أفكارهم وثقافتهم ونحن الآن نتعامل بفرحة كبيرة بفعاليات مهرجان الجنادرية؟!. وهذا الحدث الثقافي العالمي، وهذا الفعل الثقافي العالمي وهذه (الذاكرة).. النقية التي يفترض أن تكون خلاياها من تراب الوطن. وهذه (الذهنية) الحضارية.. التي تبين بوضوح تام وصريح ومعلن أن بلادنا لنا ليست وطناً، نعيش ونستقر فيه، إنما هي الوطن الساكن فينا. إنها دواخلنا العميقة، تجاوزت نسبة حضور ومشاركة المثقف الأجنبي فيه نسبة عالية. ربما تلفت النظر بشكل واضح والسؤال الحيوي هو: أليس من حقنا أن نسعود.. (الثقافة العربية السعودية) نعم لابد أن نوطن ونسعود هذه الثقافة العربية السعودية.
إلى متى نظل.. ونظل نستورد (المثقف الأجنبي) ليعطينا دروساً خصوصية في.. (الوطنية) و.. (الولاء).. (والثقافة)..؟ وإلى متى نظل.. ونظل نستورد (المثقف الأجنبي) للمشاركة في فعالياتنا الثقافية والوطنية، مقابل شنطة مليئة بالدولارات الأمريكية، وعندما تنتهي يبدأ نفس ذلك المثقف بالنيل من بلادنا، ومنا. وهذا التجربة الاستيرادية ربما كانت تفيد في مرحلة ما من مراحل البناء والنماء التي قامت في بلادنا، وربما كنا نتعامل معها لحاجتنا - حينذاك - إلى من يرفع صوتنا خارجيا. أما اليوم فهذه التجربة غير مفيدة، ولا تنفعنا، ولا تفيدنا، بل إنها تضرنا بشكل مباشر. كما أنها ترهق المال العام السعودي الذي يصرف على عملية استيراد.. (المثقف الأجنبي).. وما يترتب عليها من تبعات ومصاريف مالية مرهقة لموازنة الدولة.
فاليوم تملك بلادنا وسائل إعلام قوية، بل مؤثرة وفعالة، تؤدي أدواراً أكبر وانظف وأفضل وأرقى مما يؤديه المثقف المستورد. مثال ذلك القنوات الفضائية الهوائية مثل قناة mbc، والعربية، وقناة lbc وغيرها. يضاف الى ذلك قنواتنا الفضائية السعودية الداخلية، وكذلك محطات الإذاعات السعودية المختلفة. وقبل هذا وذاك قوة الصحافة السعودية وبكل أشكالها الداخلية والخارجية مثل صحيفة الشرق الأوسط والحياة وغيرها من صحف ومجلات داخلية. يضاف الى ذلك المؤلفات المختلفة الثقافية والفكرية والبحوث العلمية السعودية المنتشرة في كثير من دول العالم، بل نالت الكثير من الأسماء الثقافية والفكرية والعلمية السعودية جوائز علمية وثقافية عالمية. وكذلك يجب ألا نغفل عن دور وتأثير الجوائز الثقافية العالمية مثل جائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة السيد محمد حسن فقي، وجائزة الباشراحيل، وغيرها.
كل هذه الفعاليات والتأثيرات الثقافية السعودية عرَّفت العالم مَن نحن، ولذلك شارك الكثير والكثير من المثقفين السعوديين في الكثير من الأنشطة الثقافية العالمية، مثل ما تفعله مؤسسة الفكر العربي. بل إن الكثير من الأسماء السعودية برزت في التفاعلات العالمية. كل ذلك تم ويتم بجهود سعودية ذاتية دون توجيه دعوات للسعوديين، إلا فيما ندر أن توجه الدعوات للمثقفين السعوديين يقع ذلك نتيجة ظروف.. (....).
وكم يؤسفني أن أقول وأتكلم بصراحة عن المواقف الدولية تجاه المثقف والثقافة السعودية. فأمامي عدد من جريدة أخبار الأدب المصرية الصادرة يوم الأحد الموافق 8-1-2006م، وبالصفحة (4) نشرت خبرا على عمود واحد وطول (6) سنتمترات. نشر في هذا الخبر المهم والعالمي فوز الأستاذ الدكتور تمام حسان، أستاذ علم اللغة بجائزة الملك فيصل العالمية في اللغة العربية والآداب مناصفة مع المغربي عبد القادر فهري.
أليس من المؤسف والنكران للجميل، وعدم التقدير، وعدم الاهتمام؟! بأن ينشر خبر مثل هذا مهم للغاية عن جائزة عالمية ربما تكون في نفس مكانة وقيمة جائزة نوبل العالمية. والفائز فيها مواطن مصري. يهمل الخبر ولا يتعامل معه باحترام ثقافي وتقدير إعلامي مميز لان المكسب في هذا الفوز هو لمصر قبل أن يكون لجائزة الملك فيصل العالمية فماذا نفسر مثل هذا التهاون والاستهتار بالثقافة السعودية؟!.
هل هو غرور؟ هل هو تعال؟ هل هو حسد؟ هل هو غيرة؟.. هل هو استهتار؟
أسئلة حيوية كثيرة تدور في دماغي حول مثل هذه المواقف وغيرها ولكن أخجل واستحي أن أبوح بها كاملة. حتى لا نفهم خطأ، أو تفسير تجاه المثقف والثقافة السعودية. لماذا نسينا بعض المثقفين العرب ممن دعتهم بلادنا لحضور بعض المناسبات الثقافية وغيرها، كانوا يكتبون المقالات الهجومية والنقدية، وهم على كراسي الطائرة التي أقلتهم من بلادنا إلى بلادهم، ونصر على دعوتهم مرات أخرى لبلادنا.. ونقعدهم في الصفوف الأولى في تلك المناسبات. أريد من المتلقي أن يعود للخلف عدة سنوات وبالذات فترة أزمة وحرب الخليج الأولى إبان الغزو العراقي للكويت. أو العودة لفترة السبعينيات الميلادية، لقراءة بعض مقالات كبار المثقفين العرب مثل الأستاذ شفيق الحوت وأنيس منصور، وإبراهيم نافع وما كتبه عن توزيع الثروات في إحدى مقالاته بجريدة الأهرام عام 1990م إبان أزمة وحرب الخليج وغيرهم ثم نقارن الفرق بين تلك المرحلة واليوم لعلنا نتعظ بمواعظ عصرية واعية. وإذا لم نسعود الفكر أو الثقافة فسوف نضمر عقول أبنائنا وشبابنا وبناتنا. وإذا ضمر العقل، لم يعد يدري ما يدور حوله، فيكثر حوله المسكوت عنه من الآراء والأفكار. وتلتف حوله المبادئ التي يصعب الاقتراب منها.
إن منهج.. (استقدام المثقف).. دفع إلى (ارتهان الثقافة السعودية).. للمستقدم، فاستغل ذلك المثقف هذا الضعف فينا، فجعل بلادنا منبرا لطموحه، لتحقيق كل النزعات الضيقة. فأصبح يتكلم عن المسكوت عنه مثل ما فعله نهاد الغادري في كتابه (الجهل.. ملكاً).
هذا المثقف المستورد جعل نص كتابه كأنه (نعي).. على أيامه التي قضاها ببلادنا.. وكتب كل أسئلته في ذلك الكتاب على مستوى المساءلة وبكل أبعادها غير الأخلاقية. إنها الأسئلة السياسية والثقافية التي لا تسر احداً غير الحاقدين علينا ممن يبحثون عن مبررات لزيادة مسافة حقدهم واتساع مساحة ضغائنهم، ولعل أخطر ما في منتج مثل هذا المثقف الذي عمل في أروقتنا السياسية أن ما كتبه صحيح ووقع أمامي، بل أمامنا.. فماذا يعني هذا للعقلاء والعارفين في وطني؟
وعند مراجعة بعض أسماء المثقفين المستوردين نجد أن بعضهم الكثير قد خرج علينا عبر الحديث المتلفز، أو مؤلفاته ذات المغزى الانتقامي مثل ذلك الدكتور عبد الله النفسي من الكويت أو الأستاذ محمد حسين هيكل من مصر وأحاديثه المتلفزة ضدنا في قناة الجزيرة القطرية وغيرها. تلك الأحاديث المتلفزة التي شحت فيها الصراحة والموضوعية وكذلك رياض الريس وغيره.
إن ما فعلناه وقدمناه من اجل.. المثقف المستورد.. يعتبر نقطة مفصلية، بل فريدة في نوعها، مما فتح علينا أبواب الأطماع من هنا وهناك، وهذا أيضاً جعل الكثير من مثقفي العالم يخططون ببراعة كبيرة كيف يدخلون من تلك الأبواب لتنفيذ مطامعهم وتحقيق طموحاتهم. والحصول على أموالنا حتى أن بعضهم أوهم البعض من الفاعلين أن ولاءه الثقافي لبلادنا وليس لغيرها. وإنه يضحي بآماله من أجل بلادنا. وفي أول تجمع (للغيوم الداكنة).. فوق سماء بلادنا وهبوب (الأعاصير السياسية).. حولنا وعلينا، اندفع وبشدة متناهية ليكتب ضد هذه البلاد المباركة. وأعرف كغيري أن تلك الأموال السعودية التي حصل عليها بعض المثقفين المستوردين فتحوا بها دور للنشر والتوزيع لطباعة وتوزيع الكتب ضد بلادنا. ليس في قصدي هنا من هذا المقال إلا أن نعود إلى فهم ومعرفة الظروف التي جعلتنا نعيش هذه (الغفلة) وهذا.. (السبات العميق).. من كل تلك التجارب.. التي غيرت التوازنات المختلفة، التي أدت إلى ظهور معادلات جديدة خلقت مصالح مستجدة تدفعنا بإلحاح شديد إلى تغير منهجنا السياسي والثقافي والفكري في التعامل مع مختلف الفعاليات الثقافية.
وفي المقابل ينبغي ألا نغفل في هذا السياق هشاشة (المثقف المستورد).. في فهم وهضم قضايانا ومعرفة همومنا.. وكما قيل إن جحا أولى بلحم ثوره.
وعدم فهم الفاعلين.. والعارفين.. والكبار لكل هذه المواقف من المثقفين المسؤولين خلق فينا، وفي دواخلنا كمثقفين سعوديين حالة من الضيق والغضب بعضه معلن، والآخر مكتوم لأن أصحابه مكتومون بفعل قوة القوى. ولا جدال أتوقعه في أن الغيوم التي تجمعت حول عملية استيراد المثقف سوف تزول وتتلاشى إلا إذا استطعنا كمثقفين أن نضغط بوقة على أعصاب الفاعلين والعارفين في القرار الثقافي والإعلامي والسياسي لتغير صورة المشهد الثقافي الوطني. إن الشارع الثقافي السعودي فقد قدرته على التعاطف مع هذا النوع من المثقفين المستوردين، لقناعته أن كلامهم لا يتجاوز حناجرهم وأن أفكارهم وثقافتهم تحكمها. (المبادئ المحنطة).. والمرتبطة بالمال والفاسدة أخلاقياً وثقافياً وسياسياً مبادئ قاتمة تبعث على القلق الوطني.
أؤكد أن الإنسان السعودي أوشك أن يقطع الخيوط المرتبطة بهكذا مثقفين متسولين داخل هذا الوطن الغني بأبنائه وطاقاته وقدراته.
لقد تراكمت الأخطاء من المثقف المستورد لغياب المحاسبة والرقابة، لأن بعض أولئك المثقفين المستوردين لو تمت محاسبته بالميزان الوطني لقذف به في اليم. ولن يجد قشة لنجاته.
(2) لمحة
بعض الناس يحتاج إلى (معالجة).. في (وطنيته).. والبعض الآخر الكثير يحتاج إلى حالة معالجة في.. (نفسيته).. والجزء الثالث من هذا البشر يحتاج إلى معالجة في... (دماغه).. أي في فكره وكل هذه المعالجات العاجلة تحتاج إلى عيادات ومعالجين مختصين.. فمن يتبرع بفتح هذه العيادات التخصصية والعاجلة لعلاج هؤلاء المرضى؟.. علينا ألا نتركهم بهكذا حالة حتى لا تتطور حالتهم. فيشكلون خطرا كبيراً وقادماً على المجتمع.
والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved