الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 13th March,2006 العدد : 144

الأثنين 13 ,صفر 1427

الحب..
ما الذي ربطه بالموت أو الجنون؟!
* الثقافية - فاطمة الرومي:
الحب.. وهل ثمة أجمل من هذا الكائن؟
أعرف بأن ثمة من سيعترض على منحي لهذا الشعور العظيم صفة الكائن، لكنني أرى أنه بالفعل يمتلك صفات الكائن فهو يولد، ويكبر ويتنفس، وربما يتعرض للخنق فيموت.
هذا الكائن الجميل الذي يلون صفحات الحياة بألوانه القزحية الزاهية، اقترن رغم ذلك وعبر العصور المختلفة بالموت أو الجنون، فأي شيء جمعهما يا ترى؟!
ولماذا انتفى هذا الارتباط أو كاد في زماننا الراهن؟
هل يدل هذا على انقراض كائن الحب الجميل؟
أم أن هذا العالم لم يعد بيئة مناسبة لعيش هذا الكائن الجميل، مما دفعه للهجرة بحثاً عن مكان آخر أكثر ملائمة له؟
أم أن إنسان هذا العصر أصبح أكثر عقلانية بحيث لم يعد يولي تلك اللغة الجميلة (لغة القلوب) التي تصاغ كلماتها من حروف الحب كثيراً من اهتمامه؟؟
جميل جداً أن تطرح هذه القضية في وسائل الإعلام، وفي هذه المرحلة من الزمن بالذات.
فقد أوشك العالم أن ينسى هذه الكلمة (الحب) وأن يفقد معانيها السامية - في ظل الحروب الطاحنة، وفي ظل نشر ثقافة الخلاف والكراهية.
كم نحن متعطشون للحب في زمن الحرب..!، وكم نحن في أمس الحاجة إلى دعاة سلام يخمدون نيران الحروب، ويوقدون شموع الحب في أنحاء المعمورة..!
بالحب تسمو الأرواح.. وتنصهر وتعلو وتصفو النوايا.. وتصح المنطلقات والأهداف.. ويتعايش الناس بجميع أطيافهم.. ويعمر الكون.. وتنتهي الصراعات.
وبدون الحب تتقاطع المصالح.. وتفسد النوايا.. وتطفو الصراعات.. وتشتعل نيران الحروب، ويعم الدمار أرجاء الكون.
وهنا لابد من تضامن المحبين وتعاونهم لنشر مبادئ السلام والتسامح والعطف والتآلف والرحمة.. ولترسيخ تعاليم الخير والفضيلة في المجتمعات.
حملنا التساؤلات الحائرة إلى عدد من مبدعينا، فجاءت مداخلاتهم على هذا النحو:
حمد العسعوس:
إن تجارب الحب الفاشلة هي التي تؤدي بالمحبين إلى الموت أو الجنون.. تجارب الحب التي يرفضها المجتمع.. أو يفسدها العذال.. أو يحول دون نجاحها بعض العوامل الاجتماعية أو الاقتصادية أو أي عوامل أخرى ذات علاقة بالعادات والتقاليد.
وتجارب الحب الفاشلة لم تنته، ولم تتوقف - من وجهة نظري، فهي قائمة، وتحدث في كل المجتمعات، وكل الأزمنة..
ولكن معظم قصص الحب الفاشلة التي تؤدي بأصحابها للموت أو الجنون تحدث لأشخاص عاديين لا شأن لهم في الحياة، وبالتالي فإن قصصهم لا تروى، ولا تدون، بل تذهب أدراج الرياح.
نورة الخاطر:
في رأيي البسيط والمتواضع ومن زاويتي الخاصة جداً أن الحب اقترن عبر العصور بالموت أو الجنون بسبب أنها حالات نادرة جداً، وليست مألوفة والنادر كما نعرف عكس المألوف في كل زمن ومكان، خصوصاً في مجتمعات الأزمنة الماضية، وتلك الحالات هي من الندرة بمكان لخروجها عن السائد، والخروج عن السائد، هو ما يذكر ويدون في النواكر قبل الصحائف ومن ثم ينقل للكتب، فلو أنك قمت بعمل معتاد لما انتبه الناس إليك ولما اهتم أحد بما تفعل أو تقول ولذلك جاء المثل: (إذا أردت أن تذكر فاصنع خير أو منكر) الحالات التي ذكرت ممن عشقا فماتا أو جنّا هي حالات نادرة جدا وهي ولا شك من الغرابة بمكان بحيث علقت في أذهان الناس ودونتها ذاكرة التاريخ أيضاً كخلاصة فعل غريب.. زيادة على ما في تلك الأزمنة من صعوبة في التواصل بين العشاق ومن ذلك قول الشاعر الذي عشق فجن ومات:
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم
الحب أعظم مما بالمجانين
وقوله:
أمر على الديار ديار ليلى
اقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبي.. ولكن حب من سكن الديار..
وقوله في نص آخر:
أعد الليالي ليلة بعد ليلة.. وقد عشت دهرا لا أعد اللياليا
وأخرج من بين البيوت لعلني.. أحدث عنك النفس بالليل خاليا
أما الآن وفي هذا الزمن الجميل جدا يتخيل للبعض أن ما عاد للعشق ذلك البريق الذي تشتاقه الروح إلا كرغبة مادية سرعان ما تتبدد تحت حمى الشبق الجنسي وليس الرغبة بالارتواء الروحي أو الوجداني!!
غير أن هذا الرأي من وجهة نظري الخاصة جداً يبقى رأياً سحطياً، جانبه الصواب، فالبعض ربما يظنون هذا الظن بسبب أننا ما عدنا نرى أو نسمع حالات عشق في مجتمعنا كأحاديث تروى وتتناقل في زمننا الحاضر لذلك ربما يتوهم البعض أنها تلاشت واندثرت، وربما يظن أيضا أن السبب يكمن في ثورة الاتصالات والمواصلات التي سهلت سبل التواصل بين العشاق فارتوت القلوب وما عاد للحرمان ذلك الهاجس المسيطر الذي يؤدي بصاحبه إلى طريق التهلكة بشكل أو بآخر..
غير أن لي رأياً مخالفاً، وهو أن حالات من العشق المؤدي للهلاك ما تزال بيننا، وهي حالات صارخة، تضج بالحرمان، وإدمان المخدرات والجنون والمرض المؤدي للموت، وللكثير من الحالات النفسية التي تجعل العاشق ذكراً كان أو أنثى في حالة من البؤس تدعو للشفقة والسبب الأول لها والمحرض عليها هو العشق ولا شيء غير العشق هذه الحالة العجيبة التي ترهف مشاعرك وأحاسيسك الشفافة وتجعلك إن لم تنل القرب من المعشوق، مجنونا أو مريضاً يضمحل وجوده في الدنيا يوما بعد آخر..
عبدالله السميح:
اقترن الحب بالموت والجنون فيما يتعلق بالشعراء لهشاشتهم وضعفهم وهو أنهم على الناس، لأن الشاعر يعيش بين أسلاك الموت والجنون الشائكة حتى يوجد ذات حزن مصلوباً على قارعة الفجيعة، أما بالنسبة لأولئك (الذين أنعم الله عليهم) برباطة الجأش وقوة العزيمة فإنهم يحبون لكل صلابتهم لا تسمح لهم بأن يهيموا على وجوههم في القفار كما فعل مجنون بني عامر مثلاً، لأن رجولتهم تأبى هذا الضعف والبكاء على الأطلال الذي هو سمة الشعراء.
الحب لم ينتفِ في الوقت الراهن، ولم يزل لليلى ولبنى ومي حقل من سنابل القصائد، وخزامى الحنين رغم تهتك (ستار أكاديمي) واحتراق (بيت القصيد) نعم لم تزل (بثينة) فاتحة العشق، تهمي خطاها فتورق الدروب وإن أسرف القحط، ولم يزل (جميل) يحدو غيوم الجمال رغم قوافل القبح.
هيام المفلح:
ترددت كثيراً في الإجابة على هذا السؤال؟
تسألون عن الحب الآن؟ وهل هناك حب في زماننا هذا؟
الحب حلم كبير نعيش بانتظاره جل عمرنا، لكنا نكتشف متأخراً على أرض واقعنا!
لماذا لم تتحقق؟ ولماذا خدعنا الأوائل وقالوا إنه موجود، وأنه رائع، وأنه نبض الحياة؟
التاريخ نقل لنا قصص بعض ضحاياه.. منهم الذي مات.. ومنهم الذي جن.. ومنهم الذي قتل.. أو قتل لأجله!
أناس بالهم (فاضي) (وعيشهم) (راضي) .. كما يقول المثل!
أناس متفرغون للمشاعر والكلام والحياة..
ليس عندهم هموم زماننا الحالي.. فلا اضطرابات سياسية لديهم.. لا مذابح ولا مجازر.. لا أزمات اقتصادية تطحنهم وتجعلهم ينسون حتى أسماءهم!
ولا غلاء يجعلهم يلفون حول أنفسهم، مثل ثيران الساقية، بحثاً عن قوتهم وقوت أطفالهم.. أو بحثاً عن كماليات، دائمة التغيير والتطور، جعلوها لازمة ضرورية من صميم حياتهم فتحولت إلى عجلة إضافية تزيد طحنهم طحناً!
هل كل هذا الكلام، الذي قلته، صحيحاً؟
ربما فيه شيء من الصحة.. لكن رغم أنف كل شيء:
الحب سيبقى على مر الزمن حلماً تتزين به غفواتنا.. وإن لم نجده!
سنبقى نبحث عنه.. ونكتب عنه.. ونردد أناشيده.. لأن مجرد التفكير بإمكانية وجوده، يدغدغ أحاسيسنا.. ويمنحنا القدرة والقوة على الانتظار والترقب.. إلى أن نجده.. أو يوارينا الثرى!
ألم يقل شاعر الحب نزار قباني:
الحب في الأرض بعض من تخيلنا
إن لم نجده عليها.. لاخترعناه!
إبراهيم شحبي:
لن يموت الحب ما دامت القلوب تنضح بالحياة وتعج بالمشاعر المشتعلة التائقة للجمال..
من قال إن جنون الحب ذهب، وموت العشاق لم يعد موجوداً هو من يعيش في مجتمع أغلق أبواب الفطرة.. هذا المجتمع الذي أقام بين المرأة وبين الحياة الطبيعية الحواجز الوهمية، هو هذا الذي ينظر لها أنها دون إرادة، وليست إلا هدفاً رخيصاً، هو هذا المجتمع الذي اعتقد أنه بمواراتها خلف الجدران قد قتل الحب، وقضى على الفطرة.
في قريتي انتحرت فتاة قريبا لأن أهلها منعوها من الزواج بحبيبها، في مجتمعنا الكثير من قصص الوجد والغرام والجنون والموت البطيء بسبب عوائق كثيرة تحول بين حبيبين أن يتزوجا.. أو يلتقيا.
ومع أن العزل قد أغرى الكثيرين والكثيرات من الشباب إلى اقتحام عالم الآخر بهدف الجنس فقط.
ولأن أبواب السفر مفتوحة للجنسين فإن اللقاء متحقق.. في عالم سخر المرأة للدعاية، وتاجر بجسدها، وحولها إلى سلعة عبر نوافذ الإعلام الواسعة في تناقض فاضح بين الحجب القامع والتسخير المزري.
ولأجل هذا ضاقت عدسة الرؤية.. أو لم تعد تكتشف العشاق العفيفين والعفيفات، ومن جن أو مات منهم.


fatima1400@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved