الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 13th March,2006 العدد : 144

الأثنين 13 ,صفر 1427

الحارثي حين يستشرف آفاق الفكر عبر (العوربة):
الموجودون على الساحة الآن دارسو نقد وليسوا نقاداً
* حوار - عبدالله السمطي
المفهوم الذي يلوذ به الناقد الدكتور محمد مريسي الحارثي الأستاذ بقسم الدراسات العليا بجامعة أم القرى وهو: (العوربة) مفهوم يتسع لمنطلقات عربية وإسلامية وعالمية وإنسانية، يرى الحارثي أن المفهوم يمكن أن يكون بديلاً للعولمة، وهو يحقق التكامل والتجانس بين الثقافات المختلفة.. هكذا يرى الحارثي في هذا الحوار الذي يحدد فيه مكامن رؤيته للواقع الفكري المعاصر، ويتطرق لبعض الظواهر الثقافية والحوارية في المملكة.
* طرحت مصطلح (العوربة) في مقابل (العولمة) في أكثر من مقام.. هل هذا المصطلح يشمل أبعاداً ثقافية محددة توائم العصر أم أن له أبعاداً أخرى غير هذه الأبعاد الثقافية؟
- أولا من حق المشتغلين بالمعرفة، ومنها النقد أن يطوّروا نظرتهم النقدية إذا ما توافر لديهم اطلاع على خبرات سبقتهم وصاحبت حراكهم في المشهد النقدي والأدبي، مثل هذه الخبرات تحتاج عندما تطرح إلى تكرار إعادة النظر فيها من أجل إنضاجها، ومن أجل أن يفهم الناس منطلقات هذه الأفكار الجديدة في النقد وفي غير النقد، وعندما وفد إلينا مفهوم العولمة في الثقافة العربية، وفي الثقافة العالمية ككل، بدأ الناس يتلمسون خصوصياتهم ويتحصنون أمام كل أمام طارىء جديد، لأن أمام كل طارىء جديد من الاهتمام والعناية، لأن الناس دائما يقولون: إن لكل جديد لذة، ومن هنا حتى تكون لذة هذا الجديد دائرة في الوضع الصحيح بدأنا نبحث عن مقومات الذهنية العربية، أمام هذه المفاهيم العالمية الجديدة التي تطل علينا كل يوم، فكان هناك مطروح قضية القومية العربية في الستينيات مقابل الهجمة الخارجية التغريبية، وكان هناك مفهوم: (العروبة) و(العروبية) و(العروبيين) وهو مستل من مفهوم (القومية) البحتة، فيبدأ الإنسان يفكر: هل هناك مفاهيم يمكن أن تطرح على الساحة تبين خصوصية هذه الأمة، وهذا الشعب العربي، فطرحت مفهوم: (العوربة) في مؤتمر بجامعة فيلادلفيا بالأردن قبل عشرين سنة تقريباً، وكان هناك في البداية معارضات أكثر من الموافقات حول هذا المصطلح الجديد.. قالوا لم تسمه: (الأسلمة) مثلاً، من أجل أن يدخل فيه غير العربي من المسلمين، لكن عندما تبين لهم المرتكزات التي تنطلق منها (العوربة) أدركوا أنها لم تغفل الناحية الإسلامية.
* وما هي أبرز المرتكزات التي تصوغ هذا المفهوم؟
- هذا المفهوم عندما طرح انطلق من ركائز أربعة:
- أولاً: المنطلق الديني، فالدين نزل بلسان عربي، والعرب هم أول من نشر هذا الدين، ثم دخلت فيه شعوب وقبائل أخرى.
وهذا المنطلق يدخل فيه العربي وغير العربي من المسلمين من كل الجنسيات، فالدين لا يعرف العصبية.
- ثانياً: المرتكز القومي، فأنا عربي ويشاركني في اللسان عربي غير مسلم، العربي المسيحي، والعربي اليهودي، والعربي الوثني، وأي عربي آخر..
فالقومية إذا دخلت أدخلت أيضاً معي مجموعة من غير المسلمين، ومن لا يدخل في القومية، يدخل في المرتكز الثالث: الوطني، وهو يشمل العربي وغير العربي، المسلم وغير المسلم.
والمرتكز الرابع: هو الفضاء الإنساني الواسع..
هذه المرتكزات الأربعة هي التي تنطلق منها العوربة، وتعود بما تحمل من تصورات جديدة. القصد من هذا أن تشكل الذهنية العربية في هذه المرحلة والمراحل المستقبلية، من خلال هذه الأبعاد الأربعة، وبذلك حافظنا على الهوية القومية والوطنية والدينية، وعلاقتنا بالإنسان أياً كان، وعلاقتنا بالإنسان له علاقة بالمرتكزين الأول والثاني.. لأن الدين الإسلامي دين منفتح ذو فضاء واسع وليس مغلقاً على العرب أو حتى من لا يؤمن بهذا الدين نجد أنه دين منفتح لأنه يتعامل مع الناس ولا يصادرهم، ويتعامل مع كل الأديان مع كل التصورات، من دخل في تصور الدين الإسلامي فأهلاً وسهلاً وأصبح من أهل الملة، ومن لم يدخل لم يقسر ولم يصادر بأنه غير مسلم، لأن هناك مشتركات بين الناس وبين الأمم، هذه المشتركات تجمع بين الناس في المصالح، وقبل ذلك مشتركات بين الديانات السماوية، الإسلام، المسيحية، اليهودية، تشترك في إقرار التوحيد ونبذ الشرك، وفي ضرورة المحافظة على الضرورات الخمس، أضف إلى ذلك مشتركات المصالح والتبادل بين الأمم.
قضية (العوربة) تساعد على تشكيل الذهنية العربية تشكيلاً يحافظ على الهوية، ينفتح على العالم، لا يكون منغلقاً، وبذلك يصبح ذهناً منتجاً.
* هل يمكن لهذا المصطلح أن يصبح قاعدة ارتكاز في الحوار مع الآخر؟ خصوصاً مع طرح حوار الحضارات والحوار مع الآخر؟
- نعم. لأننا تركنا للآخر فرصة التعامل معنا، بدون استعلاء، لأنك تعرف أن الأمة الإسلامية اليوم في مرحلة ضعف، غالب ومغلوب، والأمة الإسلامية هي المغلوبة في هذه المرحلة، ولابد أن ننتشل تبعية المغلوب للغالب، وأن نستنهض مكامن قوة الأمة من خلال هذه المرتكزات من أجل أن توحد كلمتها وأن تقف موقفاً يعايش العالم، ولا يصطدم مع العالم، ويسمع رؤية العالم، ويُسمع صوته للعالم.
* هناك شعارات كثيرة خرجت من الأمة العربية، على امتداد أكثر من قرن، منها: النهضة، ثم الثورة والاستقلال، ثم الصحوة دينية أم وطنية.. هذه الشعارات عند خروجها تكون قوية في بداياتها ثم تضعف فهل هذه الشعارات فشلت جميعاً في تكوين هوية عربية موحدة تستطيع أن تصمد أمام أية هجمات؟ وما الشعار الأمثل في هذه المرحلة التي نحياها؟
- في عصر النهضة، ظهرت أصوات قوية، لكنها لم تنضج لأسباب كثيرة، فالأصوات التي خرجت في عصر النهضة يمكن تصنيفها في ثلاثة مسالك رئيسية كبرى أولاً: الارتكاز إلى التراث ولا غيره، أو التطلع إلى الغير ولا غير، أو التلفيق بين التراث والمستجدات.
فبدأت الأصوات تتنادى من مكان بعيد، لا يسمع صوت صوتا آخر، وهذا الذي لم ينضج تلك الشعارات التي عرفت في بداية النهضة، ولنتخذ شعار: (حرية المرأة) الذي بدأ منذ أكثر من 120 عاماً في مصر ثم ظلت المصادمة لهذا الشعار، والرفض المطلق في كل مناسبة واحتفالية، وبعد أكثر من 100 عام يعقد أول مؤتمر للمرأة في القاهرة، التي بدأ منها شعار (حرية المرأة) فإذن على مدى مائة عام أو أكثر لم نستفد من دعوة قاسم أمين.. لم نواجهها بالنقد والتمحيص والتحليل، لم نواجهها مواجهة صحيحة تتناسب.
إذا أنت احترمت مقومات دينك وشخصيتك، يحترمك الآخر، لكن إذا فرطت في ذلك، بدأت اللعبة الآن تتبع من، تنازلت عمّا أنت عليه، تتبع المتقدم، المتأخر، تتبع الرؤية المستقبلية، أصبحت النظرة غبش لا تعرف أية وجهة تتبع؟
* ما هي أفضل الطرق للتواصل مع الآخر: المدخل الحضاري أم السياسي أم الاقتصادي؟
- الآن.. الرؤى المتبادلة بين الذات والآخر تنحو صوب الجديد، الذي هو الاقتصاد، وهذه استراتيجية يضع الناس منطلقاتها ونحن نتبع ما يضع الناس من منطلقات.
نفترض في: (نحن والآخر) أن نطل على الآخر من مقوماته، أن نقول للآخر: نحن هؤلاء، نحن هذه المقومات، نحن هذه الأمة.. ما الذي يناسبكم من مقوماتنا من أجل أن تستفيدوا منه؟ نحن نعرف مقوماتهم.. نحن نستفيد من كل هذه المقومات المادية.. ولا يمكن أن نصادرها لأننا نتعامل معها، صباح مساء.. فلكم التقدير على ما وصلتم إليه من هذا الجانب المادي التقني. فاعطونا المادي واسمعوا منا: الروحي، نحن لابد أن نخضع لأخذ هذا المادي لأننا محتاجون إليه، أنتم إذا كنتم في حاجة إلى هذا الروحي.. فهذا هو الروحي كما نزل من السماء، تريدون منه شيئاً فهو مفتوح، لا تريدون منه شيئاً فهو منزل للذين سيهديهم الله من هذه الأمة، ومن غير هذه الأمة، ثم نناقشهم بالتي هي أحسن.. ولا بد أن يكون لدينا وعي.. نحن بمكانتنا.. ما هي الممكنات التي بها يمكن أن نحاور الآخر؟ هم يمتلكون تقنيات أعلى منهجية ومادية.. فهم من حيث الغلبة، سيغلبون مادياً، لكننا نمتلك تقنيات روحية فلابد أن نراعي هذه الفجوة، بين ما نحن فيه من ارتقاء روحي، وما هم فيه من ارتقاء مادي وألا نفسرهم على روحيتنا.. نحن محتاجون لماديتهم، وهم محتاجون لروحيتنا وهذا هو الحوار. لكن أن اعتبر الآخر عدواً، هنا تتضخم المشكلة، فأنا لست مؤهلاً أن أواجه العدو بطاقته أو ببعض طاقته، إذن أنا استفز العدو في مرحلة أنا فيها من الضعف بمكان، وبالإمكان أن يعمل معوقات أكثر مما نحن فيها الآن سواء على المستويين الروحي أم المادي.
* هل ترى أن الحركة النقدية في المملكة تسير بخطى استراتيجية منظمة أم بشكل فردي؟ هل هناك مشروع نقدي أكاديمي سعودي مثلا يراقب الاجيال الأدبية، ويرصد التحولات الإبداعية؟
- النقد الذي يراعي الحركة التحقيبية للأجيال مكانه الدرس الجامعي، والدرس الجامعي حريص على ذلك بلا شك سواء الدراسات التي يقوم بها طلبة الدراسات العليا، أو الدراسات التي تلقى في الجامعات، لكن الشيء الواضح في النقد في المملكة هو نقد فردي صحيح، بحيث يعبر كل ناقد من خلال مكتسباته، فالموجود على الساحة الآن هم دارسو نقد، وليسوا نقاداً بالمعنى الصحيح، ودارس النقد يستفيد من النقد سواء التراثي أو المستجد أو ما يبتكر من أدوات نقدية جديدة في تقريب النص للطلاب، في تقريب النص للقراء أو للسياق النقدي بشكل عام، فالناقد الذي لا يكون له مشروعاً نقدياً يتحرك في دائرته فهذا ناقد مشتت.
إذا أردت أن تكون دارساً تستفيد من تراثك، من مستجداتك، من الآخر، فعليك أن تكون مشروعاً نقدياً، توسع نظرتك لهذا المشروع النقدي في النهاية ستتوصل لنتائج وابتكار مفردات نقدية جديدة لم يصل إليها السابقون، ولم يصل إليها الدارسون المعاصرون لك، فتستطيع هنا أن تستثمر كل ما طرحت من آراء نقدية في أن يصبح لمشروعك هذا نتائج يستفيد منها دارسو النقد.
* سؤالي الأخير عن وزارة الثقافة والإعلام: ما هي أبرز المشاريع التي يمكن أن تحققها وزارة الثقافة أو تتأملها في وزارة الثقافة والإعلام؟
- أولاً الإعلام قائم قبل الثقافة في هذه الوزارة. الثقافة طارئة على الإعلام، طبعا هناك جهود سبقتنا في المشهد الثقافي العربي أضرب على ذلك مثلاً مشروع سوزان مبارك: القراءة للجميع، كذلك دعم الكتاب المصري.
في المنشورات الجديدة في: القراءة للجميع أنا أشتري رسالة ماجستير بـ(3) جنيهات، معنى ذلك أنني أستطيع أن أكون مكتبة من مواردي البسيطة، فالمعول على وزارة الثقافة أن تبدأ وتدعم هذا المشروع مباشرة سواء بإعانات تثبت في ميزانية الوزارة أو بأي ممول آخر.. أي شيء يضيف في مشهد الثقافة، وما يوسع نظرة المثقفين فيه.
كذلك منح حرية الكلام، أن يعطى المثقف حرية لأنه عندما تتكلم أنت بحرية، يعضد هذه الحرية حرصك على المصداقية. حرية بدون مصداقية لا شيء، والمصداقية بدون حرية لا تقوم.
فإذا جمعت بين المصداقية والحرية في أنك تنصح لأمتك، تنصح لثقافتك ولمعرفتك ولأجيالك، وتنصح للرؤية التي تبثها بين الناس، كذلك إشاعة التعددية. نسمع كل الأصوات ولن يؤثر إلا ما كان مفيدا للناس، أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
لذا نشط المشهد الثقافي، نشط النشر وادعمه، اسمع صوت المثقف السعودي خارج المملكة.
* الكتاب السعودي مثلاً هل له صدى في المكتبات العربية؟ هل تفضل يا دكتور إنشاء هيئة سعودية للكتاب؟
- نعم فالكتاب في حاجة لهيئة تدعمه، فالصوت السعودي المثقف من الضروري أن يصل إلى خارج البلاد.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved