عميدا التاريخ السعودي (22)
قراءة: سليمان الوائل اليحيى
|
لتتكامل فكرة القارئ عن كتاب الدكتور الخويطر (عثمان بن بشر)، فسأورد هنا بعض النصوص من الكتاب: تفتحت مدارك ابن بشر خلال فترة عانت نجد فيها من حكام الأتراك، ومن القبائل، ومن أمراء البلدان، أهوالاً جعلته يقدر عهدي الإمامين تركي بن عبدالله وابنه فيصل اللذين عاصرهما، ناضجاً... كما شهد زمنه اتجاهاً نحو التعليم، أوحى به ما قام به الشيخ محمد بن عبدالوهاب من جهود لتوحيد الاتجاه إلى ما نزل به القرآن الكريم وجاءت به السنة النبوية.. وقد تنقل من حلقة علم إلى أخرى بغية ارتشاف العلم من مناهله، وكان القوم في تلك الأزمان يضربون آباط الإبل طلباً للعلم، ولم تخل حياته من تلك التجربة، ولم تقتصر صلته بالعلماء على تلقيه العلم في حلقاتهم ومجتمعات دروسهم، فقد كان يراسلهم، وكون علاقات دينية وأدبية عن هذا الطريق... وقد جعله علمه يتقدم في مجتمعه، ويكون له قيمة بين قومه.
ويرى إبن بشر أن علم التاريخ (علم شريف، فيه موعظة وإعتبار، وإطلاع على حوادث الدهر الدوار، ومعرفة أحوال الماضين، مما يوقظ الأذهان والأفكار، ويقيس العاقل نفسه على من مضي من أمثاله، فمن إعتنى بشيء من أخبار الماضين، فقد اتحف هدية وافرة لمن بعده من الخالفين... وأعلم أيدك الله أن التصنيف آمر صعب، لا تنال إلا بكد وتعب، ومتعرضاً لألسنة الحاسدين، وتنقشات الطاعنين، والقلب في أشغال شاغلة، ومقاسات أمور هائلة، وما أنافيه من طلب المعيشة، وترادف الهموم، وأشياء يعلمها الحي القيوم... ثم أني أردت أن أجمع مجموعاً في وقائع آل سعودٍ وأيامهم وأخبارهم، ولا وجدت من يخبرني عنها أخباراً صدقاً، ولا متقنا لها لا يقول إلا حقاً، والكذب آخر هذا الزمان غلب على الناس، فلا نتجاسر أن نكتب كل ما نقلوه في القرطاس، لأننا وجدناهم إذا سمعوا قولاً أو نقلوه من موضع إلى موضع زادوه ونقصوه، وإختلاق الكذب عليهم أغلب، وذهبوا فيه كل مذهب... وكل علماء جميع الأقطار في الحرمين، والشام، ومصر، والعراق، والمغرب، وبلاد الترك، وبلاد العجم، وغير ذلك، أرّخوا أوطانهم ومن بناها، وسكنها، وتولى فيها، وما حدث فيها من الحروب، وأرخوا أيضاً علماءهم، ومن أخذوا عنه، ومن أخذ عنهم، ولا سمعنا بأحد من علماء نجد وضع شيئاً من ذلك).
وبدأ ابن بشر تاريخه، منتظماً، من عام 1158هـ، وهي السنة التي يشير إلى أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب انتقل فيها من العيينة إلى الدرعية (غير ما يراه ابن غنام من أنها سنة 1157هـ)... ويستمر ابن بشر في الجزء الأول من كتابه، في سرد المعلومات عن الدرعية وفتوحاتها، وصلاتها المختلفة حتى عام 1237هـ، ويبدأ الجزء الثاني بعام 1238هـ، وينتهي بآخر عام 1267هـ.
وعند تدبير السنة التي انتهى عندها تاريخ ابن بشر (1267هـ)، نجد ان هناك فترة غير قصيرة بين هذه السنة وبين السنة التي توفي فيها (1290هـ)، مما يجعل المرء يتساءل عما إذا كان هناك نسخة استمرت الحوادث فيها إلى وقت متأخر عن التاريخ الذي وقفت عنده النسخة المطبوعة.
ويمكن أن يقال: ان المعلومات التي يوردها ابن بشر والفترة التي يتكلم عنها، هي التي تقرر نوعية مصادره، ويمكن تقسيمها في ضوء ذلك إلى:
1 المعلومات التي تخص فترة بعيدة عن زمنه.
2 المعلومات التي تخص فترة ليست بعيدة كثيراً عن زمنه، ولها صلة بالأمور التي يعالجها.
3 مصادرعن الفترة التي يكتب عنها (التواريخ المكتوبة، أفواه الرجال، شاهد عيان).
وفي كتاب ابن بشر ملامح عامة يشترك فيها مع كثير من مؤلفي تلك الفترة (الوفيات، تحديد الأماكن، التواريخ، زمن كتابة التاريخ، السوابق، الأسعار، معلومات عن خارج الجزيرة، الظواهر الطبيعية: الأمطار، الظواهر الفلكية، الجراد والدبا، الأمراض).
أما عن أسلوبه فيمكن أن يوصف بأنه سهل، وطبيعي، ومعتاد، فليس فيه غريب، ومع هذا فليس فيه قوة خاصة يمكن أن يوصف بها، ولكن ابن بشر يمكن أن يمتدح على هذا الأسلوب المرسل الذي تحرر فيه من القيود التي كان يلتزم بها بعض المؤرخين القريبين من عصره، أمثال ابن غنام الذي سبق ابن بشر في التأليف، وكان قد التزم السجع في تاريخه مما جعل قراءته ثقلا على الكثيرين.
لقد أنصف عميد المؤرخين السعوديين الحالي عميدهم السابق، حيث أعاد لفت نظر المتابعين له ولجهوده في سد ثغرة هامة في تاريخنا المعاصر.
ومع ان كتاب الدكتور الخويطر عن موضوع جاد، إلا أنه يحمل طابعه المميز (أسلوب مشرق سلس ممتع، احترامه لفكر القارئ من حيث وضوح الفكرة التي يتجه إليها مباشرة دون مواربة أو التفاف، طباعة مريحة جملاً، وحروفاً، ونوعية ورق).
ولا نملك إلا أن نقول: لقد أسعدنا كعادته أسعده الله بهذا الكتاب الهام، في زمن تتناقص فيه أعداد القراء الجادين يوماً بعد يوم، وقد يكون من باب الإنصاف لهذا الرجل القدير الإشارة إلى جانب من جوانب شخصيته الفذة، حين كان يؤكد المرة تلو الأخرى على خلاف من عرفناهم من المؤلفين على ان يباع كتابه بسعر زهيد (تحقيقاً للهدف من نشره، وهو تمكين القارئ السعودي من الاطلاع على جزء هام من تاريخ بلاده).
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
