الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th June,2005 العدد : 110

الأثنين 6 ,جمادى الاولى 1426

مساقات
نَقْدُ القِيَم 20 (وَأْدُ البنات في الإسلام!)
د. عبد الله الفَيْفي
قلنا في آخر المساق السابق إنه لولا الغيرة المريضة لما بلغ الأمر ببعض العرب في الجاهلية إلى وأد البنات.(1) وإذا كان الوأد قد انتهى في الممارسة بمنع الإسلام إياه، فقد استمرت فكرة الوأد سارية معنوياً في بعض نفوس الإسلاميين. ويفضح ذلك، على نحو مباشر، ما يسوقه (الماوردي)(2) من أن (عقيل بن علِّفة) لما خُطِبتْ إليه ابنته الجرباء، ارتجز:
إنِّي وإنْ سيقَ إليّ المَهْرُ
ألفٌ وعِبدانٌ وذَوْدٌ عَشْرُ
(أحبُّ أصهارٍ إليَّ القبْرُ)
كما أورد قول (عبدالله بن طاهر):
لكلّ أبٍ بنتُ يراعي شُؤونَها
ثلاثةُ أصْهارٍ إذا حُمِد الصِّهْرُ
فبعل يراعيها، وخدر يكنها،
وقبر يواريها، (أفضلها القبر)!
وقال (أبو العلاء المعري)(3)، (فيلسوف الشعراء، وشاعر الفلاسفة!):
وإن تُعطَ الإناث، فأيّ بُؤسٍ
تبيَّنَ في وجُوهٍ مُقسَّماتِ!
يُرِدْنَ بُعولةً ويُرِدْنَ حَليْاً
ويَلْقَينَ الخطوبَ مُلوّماتِ
ولسْنَ بدافعاتٍ يومَ حرْبٍ
ولا في غارة متَغَشِّماتِ
ودفنٌ والحَوادثُ مُفْجِعَاتِ
لإحداهنَّ إحدَى المَكْرُماتِ
وقد يفقدنَ أزواجاً كِراماً
فيا للنسوةِ المتأيِّماتِ
يَلِدْنَ أعادياً ويكُنَّ عاراً
إذا أمسينَ في المتهضِّماتِ
و(فيلسوف الشعراء، وشاعر الفلاسفة) هذا كما ينعت إنما يحذو حذو أسلافه، ويأخذ عنهم، ومنهم (البحتري)، الذي وضع المعري عنه كتابه (عبث الوليد). فالبحتري(4) هو الذي لم يمنعه موقف العزاء في ابنة (محمد بن حميد الطوسي) من أن يستنكر عليه الحزن على ابنته، فأخذ يعزيه بأن (موت البنات لا يستحق البكاء!)، والبكاء عليهن ليس من شيم الفتيان، مستشهداً بأسلافه من الجاهليين، ومنهم (قيس بن عاصم المنقري)، الذي كان يئد كل بنت تولد له، رغم ضرب العرب المثل به في الحلم، والقائل، وقد سُئِل: ما الحلم؟: (أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك!)(5) بل يذهب البحتري إلى أبعد من هذا، فيستشهد تارة بالقرآن، حيث قال الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (46) سورة الكهف، ولم يقل (البنات)، حسب احتجاج البحتري وتارة أخرى يُشرك الأنبياء في فكرته الجاهلية، وثالثة يستشهد بالأسطورة غير الإسلامية عن الخطيئة وإخراج حواء آدم من الجنة، إذ يقول:
أتُبكِّي من لا يُنازلُ بالسيْ
فِ مُشِيحاً ولا يَهُزُّ اللواءَ؟!
والفتى من رأى القبورَ لما طا
ف به من بناتِه أكفاءَ
لسْنَ من زينةِ الحياةِ كعد ال
له منها الأموال والأبناء
قد وَلَدْن الأعداءَ قدماً، وورثّ
نَ التِّلادَ الأقاصي والبعداءَ
لم يئد كُثْرهُنَّ (قيس تميم)
عيلةً بل حميّة وإباءَ
وتغْشَّى (مهلهل) الذلَّ فيهـ
ن، وقد أعْطِيَ الأديمَ حباءَ
و(شقيق بن فاتك) حذر العا
ر عليهن فارق الدهناءَ
وعلى غيرهن أحزن (يعقو
ب) وقد جاءه بنوه عشاء
و(شعيب) من أجلهن رأى الوَحْ
دة ضعفاً فاستأجرَ الأنبياءَ
واستزلَّ الشيطانُ آدمَ في الجنّ
ةِ لمَّا أغْرى بهِ حواءَ
وتلفَّتْ إلى القبائلِ، فانظر
أمهاتٍ يُنسَبنَ أم آباءَ
ولعمري ما العجزُ عندي إلا
أن تبيتَ الرجالُ تبكي النساءَ
كلا الشاعرين، البحتري والمعري، كانا يتبعان سنّة من سبقوهما من الشعراء، ومنهم (الفرزدق)(6)، الذي كان بدوره يتبع سنّة (قيس بن عاصم)، جدّه، حينما قال في وفاة زوجته، مع أنه يفاخر بها (جريراً):
يقولون زُرْ حدراءَ، والتُّربُ دونها،
وكيفَ بشيءٍ وصله قد تقطَّعَا
ولستُ، وإن عزَّتْ عليَّ، بزائرٍ
تراباً على مرموسةٍ قد تضعضعا
وأهونُ مفقودٍ، إذا الموتُ ناله،
على المرءِ من أصحابه من تقنَّعا
يقول ابن خنزير: بكيتُ، ولم تكن
على امرأة عيني، إخالُ، لتَدْمَعَا
وأهونُ رزءٍ لامرئٍ غير عاجزٍ،
رزيَّة مرتجِّ الروادفِ أفرُعا
وما ماتَ عندَ ابن المراغةِ مثلُها،
ولا تَبِعتْه ظاعناً حيثُ دَعْدَعَا
وهذا برهان أن هؤلاء حين يقولون مثل هذا ورثة القيم الجاهلية.
والغريب أن تثبت (موسوعة القيم ومكارم الأخلاق العربية والإسلامية،) (الرياض: دار رواح، 1421هـ = 2000م) أكثر هذه الشواهد الشاذة وغيرها، في مقام تزعم فيه أنها تعرض (القيم ومكارم الأخلاق)، لتخاطب بها الناشئة! وكأنما هي إذن تدفع الناشئة دفعاً وإن بطريق غير مباشر ولا مقصود إلى التحلي بهذه الأمراض العربية المستفحلة القديمة. بل لقد شفعت ذلك ببعض الآراء التي تكتسب احتراماً لدى عامة الناس، وذلك بعزو تلك الآراء إلى بعض العلماء والمفكرين والحكماء. فهناك (الجاحظ)، وما ساقه في كتاب (الحيوان)(7)، أو (ابن المقفع) الذي استشهدت بمعظم قوله السقيم هذا:
(إياك ومشاورة النساء، فإن رأيهن إلى أفن، وعزمهن إلى وهن. واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن، فإن شدة الحجاب خير لك من الارتياب. وليس خروجهن بأشد من دخول من لا تثق به عليهن، فإن استطعت أن لا يعرفن غيرك، فافعل، ولا تملكن امرأة من الأمر ما جاوز نفسها، فإن ذلك أنعم لحالها، وأرخى لبالها، وأدوم لجمالها، وإنما المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فلا تعد بكرامتها نفسها، ولا تعطها أن تشفع عندك لغيرها. (...) وإياك والتغاير في غير موضع غيرة، فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم.)(8).
والله المستعان على ما يصفون! (للحديث بقية).
إحالات:
1) انظر: (1421هـ = 200م، موسوعة القيم ومكارم الأخلاق العربية والإسلامية، (الرياض: دار رواح)، 43: 7071 .
2) (1984)، أدب الدنيا والدين، شرح وتعليق: كريم راجح (بيروت: دار اقرأ)، 175 .
3) اللزوميات، تح. أمين الخانجي (بيروت: مكتبة الهلال، القاهرة: مكتبة الخانجي)، 1: 178 .
4) (1977) ديوان البحتري، تح. حسن كامل الصيرفي (القاهرة: دار المعارف)، 1: 40 41 .
5) ابن عبد ربه، (1983)، العقد الفريد، تح. أحمد أمين وآخرين (بيروت: دار الكتاب العربي)، 2: 278 .
6) (1987)، ديوان الفرزدق، شرح: علي فاعور (بيروت: دار الكتب العلمية)، 364 .
7) انظر: موسوعة القيم، 43: 52 53 .
8) ابن قتيبة، (د. ت)، عيون الأخبار، عناية: مفيد قميحة (بيروت: دار الكتب العلمية)، 4: 87؛ موسوعة القيم، 43 : 54 .


aalfaify@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved