الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th June,2005 العدد : 110

الأثنين 6 ,جمادى الاولى 1426

صدى الإبداع
ما هكذا يُكتب الشعر
د. سلطان القحطاني
ذكرتُ في الحلقة الماضية نقد العبادي للمتشاعرين (معجب الزهراني وحمد الزيد)، مع فارق في الموهبة بين الاثنين. ولكن الأخطاء العروضية واضحة عند كلٍّ منهما، يدركها العربي، وحتى المستعرب. وحتى أكون محايداً عرضتُ القصيدتين على مجموعة من الطلاب الأجانب في معهد اللغة العربية، فجاءت الردود كما ذكر الناقد تُفيد بخلل عروضي؛ فقد درس هؤلاء العروض كأي علم، وليس سليقةً، فأين نحن من علمنا وسليقتنا؟!
وقد يعجب القراء عندما يجدون دارساً نفخ في روح الشعر العربي الحياة، وأعاده إلى أصوله الأولى عند الشعراء والعلماء والدارسين. ثم إنه ليعجب مرة ثانية عندما يجد مَن يعقب عليه بلا علم ولا هدى مبين، ويستنكر عليه ما جاء به. وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على فساد في الذوق، ورداءة في السليقة العربية التي انتبه إليها الخليل في القرن الثاني الهجري، وحذَّر منها في زمن دخول الأعاجم. ومما يُلحظ في الطبيعة العربية أنها سريعة التأثر بالغريب من القول والطباع، حتى صار اللسان العربي فيها (غريب الوجه واليد واللسان) كما عبَّر المتنبي عن ذلك منذ القدم. ولم يسلم العبادي من الردود السقيمة على بعض مقالاته النقدية؛ فقد عقب أحد قرَّاء مقالته عن قصيدتي معجب الزهراني وحمد الزيد مدافعاً عن الشاعرين، ومنتقداً العبادي. ومن حقه إبداء الرأي، ولكن لكل باب جواب كما يقول المثل، فأوقع نفسه في حرج كان في غنًى عنه، وقام الناقد العبادي بتفنيد أخطائه. يقول العبادي معقِّباً على الكاتب الذي لم يُفصح عن اسمه، وقد كتب المدافع مقالته في جريدة (الجزيرة) عصبيةً ومصححاً للدكتور معجب هذا البيت:
(أنت سر التكوين من بدء تاريخي (م)
وعرف الإنسان في وجداني)
وبهذا التغيير الطفيف يستقيم وزن البيت ويتألق المعنى. إذن هو يعترف بأن البيت غير مستقيم، وليس فيه معنى، وهو بحاجة إلى مَن يساعده على المعنى والوزن، ولم نعرف في الإبداع من مساعدة غير موهبة الكاتب والشاعر والرسام والموسيقي. ويرد العبادي بقوله:
(عندما أردتُ أن أصحح هذا البيت، وزناً لا معنى، ما أردتُ من تصحيحي أن يتألق المعنى؛ لأن ما كتبه الدكتور معجب لم يكن فيه معنى حتى يتألَّق، وما هو إلا نظم بارد اتَّخذ شكل البحر الخفيف، فما الجديد الذي أضافه (أحدهم) على بيت الدكتور معجب حتى يتألق المعنى؟!) ص74.
والعبادي في ردوده ونقده يستند إلى المراجع العلمية القديمة والحديثة فيما يتعلق بالعروض واللغة، فقد استند إلى الخليل والدماميني وابن واصل الحموي، ومن المحدثين: الدكتور عبد العزيز عتيق، والدكتور إبراهيم أنيس، وغيرهم. ومن الشعراء الفحول يأخذ أدلَّته على تقطيع ووزن الشعر، فيجعله وسيلة إيضاح لبعض المتطاولين على التراث العربي كتراث إنساني له مقوماته وأصوله الإنسانية قبل أن يكون تراث أمة لها من المجد ما لها، وعليها ما عليها، فيرد على مَن انتقده في دراسته عن الزيد بنفس الدليل والحجة (ص90).
ولعل ما نشره نادي تبوك في ملفه الأدبي (أفنان) قد وقع من الأستاذ العبادي موقع السهم الجارح، وإني لأعجب من نادٍ أدبي نشر مثل هذه القصيدة التي نشرها لعضو النادي مسلم فريج العطوي يقول عنها العبادي: إنها كسيحة امتلأت بالأخطاء العروضية واللغوية، ولا أدري كيف سُمح لهذه القصيدة أن ترى النور على صفحات (أفنان)، وإن كان لا يخلو عصرنا كغيره من العصور من النظَّامين ذوي الشعر البارد ممن ملأوا الدنيا جعجعةً بلا طحين (ص93).
إن القصيدة التي صدَّق العطوي أنها قصيدة ليست الوحيدة في هذا الميدان، في هذا الزمن وغيره، فالغثُّ قد ملأ السوق الثقافية من الشعر والنثر، وأدهى من ذلك النقد. لقد زارنا هذا العام وفدان من الجامعات العربية، الأول كان من الجامعات السورية، وفيه أساتذة كبار، منهم الدكتور عبد الله أبو هيف، والثاني من الجامعات المغربية، وفيهم الشعراء والصحافيون والكتَّاب. ومما يؤسف له أن النادي الأدبي في الرياض دعا إليهم النظَّامين المقلِّدين الذين صدَّقوا أنفسهم أنهم شعراء، ولم يلتفت إلى الشعراء الشباب الذين سيعطون الزائرين صورة عن شعرنا العربي الجيد، مثل جاسم الصحيح ومحمد جبر الحربي وخديجة العمري.
وما نقده العبادي من شعر للعطوي في مقالته هذه كان أحسن مما قدَّمه النظَّامون أصحاب الشعر البارد والألفاظ النابية، وكان رد الوفد في قصيدة من الشعر الحر قدَّمتها واحدة من أعضاء الوفد المغربي، دوَّت القاعة بالهتاف لها، وتبلَّجت وجوه الزائرين بعدما سئموا من نظم مَن سمَّوْا أنفسهم شعراء، والله المستعان. أما نحن، فوالله إننا قد توارينا منهم خجلاً.
والعطوي يقول في قصيدته التي نقدها العبادي:
(إن كنت تيمت في تبوك حباً بها
فلستَ أول مَن في ربعها رغبا
هذي تبوك وهذا حال من أمَّها
ما غرَّد الطير في مروجها وربا)
فمثل هذا النظام النابي عن الذوق الشعري والموسيقى العذبة، الذي ضاع بين الشعر والنثر الموزون الجميل، اجتهد العبادي في إصلاحه، وأنَّى له؟! ويتغاضى العبادي عن شطر بيت الحزين الكناني، على أنه صحيح الوزن عند العطوي، وهو صحيح قبل العطوي. والعبادي يستشهد بالبيت نفسه في مقالته، لذلك قلتُ: إنه تغاضى عنه، بينما الكسر في الشطر الثاني:
(يغضي حياءً ويغضي من مهابته
كأنه الليث في عرينه انتصبا)
ويرى العبادي أن هذا الشاعر وأمثاله يمثلون جناية على الشعر، فإما أن يُحسِّن من موهبته (إن وجدتْ)، وإما أن يُطلِّق الشعر إلى غير رجعة؛ لصون ماء وجوه أعضاء إدارات النوادي الأدبية.
وأقول: هوِّن عليك يا شيخ، فما أصاب الشعر أصاب غيره من الفنون الجميلة، فكم تسمع من مغنٍّ في ناحية والموسيقى في ناحية أخرى، ومن متشاعرٍ بلا إحساس مرهف، وكاتبٍ لا يجيد أبجديات الكتابة، وأنت تستشهد بأبيات أبي تمام في رثاء الشعر، فهذا طبع كل زمان، والأدب هو الفن الوحيد الذي لا يحتاج إلى وصاية، فهو كفيل بنفسه، يعيش أو يموت كموت الحمار.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved