الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th June,2005 العدد : 110

الأثنين 6 ,جمادى الاولى 1426

محاكمة شهر زاد «3»
تأملات في كتاب (الحريم الثقافي) بين الثابت والمتحوّل.. لسالمة الموشي

إن الحكاية الشفهية لا الأسلوب الشفهي في (الحريم الثقافي) تبرز تاريخ النساء المخفي للإعلان، وهنا يحدث التقاطع بين (ذات الكاتبة) و(ذوات الجماعة) وتظهر (الذات الأنثوية) المعبّرة لأزمتها الحقيقية، لكن مشكلة الحكي الشفهي كخاصية من خصائص الأدب النسائي، أنه اعتمد فقط الأسلوب الشفهي، أي رصد تجربة النسق، والدوران وسطها وحولها، لأن التجربة الكتابية تعني لدى الكاتبة السعودية عرض تجربة، لا رفضها أو مقاومتها أو التمرد عليها، لأنها تكتب وفق مقاييس (اللياقة الأدبية) (التي تضمنت التوافق الأخلاقي، والتشابه بين سلوك الشخص وطبعه وبين التقاليد، العلاقة بين السلوك والوضع، الاستمرار في الطباع خلال العمل الأدبي بكامله) ص67 وهكذا يسيطر خطاب الذاكرة (الوعي الجمعي) على النص الكتابي النسوي، ويحرمها من تفكيك النص من خلال استقراء التاريخ الشفهي للجماعة، وهو ما كان يمكّن الكاتبة من فعل التفكيك والتركيب وإعادة الصياغة، للتجربة ولذاتها.
وخطاب الذاكرة، يختلف عن خطاب العقل، لأنه يظل يعمل في محيط التجربة (المجتّرة)، بأثر رجعي لتبعيّة نسقيّة، أو ما تسميها سالمة الموشي (ميكروفيزيا السلطة)، والاعتماد على هكذا خطاب في النص النسوي، يعني غياب النص عن التأثير في التحول المجتمعي، والمشاركة في إعادة توزيع دور المرأة ومسؤوليتها على خارطة المجتمع، ليظل (واقع المشهد المحلي لكتابة الأنثوي، يقول لنا إن هناك تغييب لروح الإبداع، تبعه بالضرورة تغييب لامتلاك الخطاب بالإصرار على البقاء في ثابت التقريرية، والإنشائية، هناك منطقة سطح، لا تتوخى غوراً، أو استشرافاً، أو تعبيراً عن واقع بديل، تنعدم تبعاً لها القدرة على تكثيف الوعي بما يحدث جدلاً في الثيمة التي تعتبرها الأساس الحركي للقص، أو كتابة الأنثوي) ص68 وإن كان السيد محمد عابد الجابري يوسع نطاق المسألة فيرى أن النص النسوي، والنص المجتمعي المحتفل به هو (خطاب الذاكرة لا خطاب العقل، خطاب لا باسم ذات واعية تملك استقلالها وتتمتع بكامل شخصيتها بل باسم سلطة مرجعية توظف الذاكرة وليس العقل، وهذا من الخطورة بمكان. ذلك أن المفاهيم في هذه الحالة ترتبط، لا بالواقع الذي يتحدث عنه الخطاب، بل بواقع آخر هو الذي يؤسس في الوعي والوجدان، النموذج السلف صاحب السلطة المرجعيّة الموجهة) وكأنه يقول: إن (أزمة) النص الأدبي الناتج عبر المرأة أو عن المرأة عبر الرجل هو خطاب ذاكرة لا خطاب عقل، ويبدو أن هذا القول يشعرنا بأن الأمر كله، أقصد النص الكتابي الأنثوي عبر ذات الكاتبة أو عبر الوسيط الرجل مجرد لعبة يانصيب تدخل ضمن المناقصات والمفاوضات (السياسية).
إن الوعي الكتابي الذي يعكس وعي المبدع بالرسالة الوظيفة الإبداعية، وهو عادة ما يتكون من مجموع مفاهيم تعبر عن حرية المبدع في التعامل مع موجودات الواقع وإعادة إبداعها، وهو لا يتحقق إلا من خلال تدريب النفس على استكمال وجودها في الإنسان بالتصوّر، حيث تصور الذات الكاتبة فكرة الكتابة (المرجع) وأقصد به تفكيك بنية التجربة والموقف، ثم اكتشاف الكتابة في تمثيل المرجع، إنها عملية تسعى للربط بين الذات النفس، والإنشاء في الوعي الكتابي، وغياب هذا الوعي بالذات الإنسانية للمرأة أولاً، ثم بالوعي الكتابي أسهم (بقوة في خلق هوة بين أشكال التغيير، وخلق التغيير، تمثل في غياب الوعي الجدلي الذي هو نتيجة لغياب خطاب الذات في النص، وهذا الوعي المبتسر تجسد في الانحباس بسياق صريح في ذاكرة الحريم الثقافي) ص52 إن أهمية التحوّلات الاجتماعية المختلفة بما فيها الحداثة التي تعني البحث عن وعي يفكك الخطاب القديم، وبروز المرأة السعودية كقوة يدّ عاملة وقوة اقتصادية، يجب ألا تقتصر على أن هذه التحولات كشفًا عن تغيّر نوعي في نظرة المرأة لإطار دورها، فحسب، بل يجب أن تمثل تحولاً فكرياً في التعامل مع المفاهيم الفنية لصناعة النص الإبداعي عند الذات الكاتبة، لاسيما مفاهيم (النص)، و(الكتابة)، و(النفس) مما يعطي النصوص الإبداعية قيمتها وخصوصيتها.
إن تفعيل الانحباس داخل ذاكرة النسق، ليس قاصرا على المرأة، بل المرأة منفذ لم تمليه عليها (ذاكرة النسق)، وهذا ما جعل ذات الكاتبة تقوم بدورين، المؤلف والمؤدي، فعندما يكون المؤلف ممثل للتجربة الانهزامية، وفي ذات الوقت هو المؤدي لتشخيصها، يفقد النص الأدبي الرؤية الموضوعية، فكلما ابتعد المؤلف عن دائرة المؤدي اقتربت رؤيته من استشراف الحقيقة كيف تصنع (لقد وظف حضور الذات الأنثوية الكاتبة باتجاه خلق خطاب موجه وصادر في الآن نفسه عن الذات الأنثوية كونهن حريم ثقافي، فالخصوصية المكتسبة أصبحت العنصر الفاعل والمحرك في ذاكرة ما يكتب وينكتب) ص48 وقد يتمّ الحبس بالمعنى (بالحصر المكاني) لمسوّغ، وإلحاق المعنى بالمسوّغ، ليغلب المسوّغ الإلحاقي على المعنى القبلي، هو ما شكلّ مفهوم الحريم في المعجم اللغوي، في لسان العرب، كلمة حريم (أصلها كلمة حرام، أي الأشياء الممنوعة، وهو ما يحظر لمسه، وتعني المنع والحرمان، والحريم قصبة الدار وفناء المسجد، وحريم الدار ما دخل فيها مما يغلق عليه الباب)، وتذهب الدكتورة فاطمة المرنيسي إلى أن (الحريم مفهوم مكاني وحدود تقسّم الفضاء إلى قسمين: فضاء أنثوي، مستتر ومحرّم على كل الرجال ما عدا السيد، وفضاء خارجي مفتوح على كل الرجال ما عدا النساء، وكلمة حريم، تعني الحرام والحرم في آن، أو المكان المقدّس الذي يخضع الدخول إليه قوانين محددة وصارمة).
في حين أن الأستاذة (سالمة الموشي) تقف أمام المعنى الذي يذهب إلى (ما دخل في الدار مما يغلق عليه الباب) ص49 وكأنها تسعى إلى التقريب الشكلاني والنسقي بين تصميم النص النسويّ الأدبي المغلق، وتصميم البناء المعماري لبيت الحريم ذاته المغلق، والتحرك ضمن هذا المعمار باتجاه واحد، وإن بدا لنا أنه أكثر بفعل الترداد والصدى، وهو ما يغيّب حركية التأثر والتأثير المتبادل بين الكامن داخل هذا المعمار بيت الحريم النص الأدبي النسوي وخارجه فعل التغير، وهذا ما جعل المحجوز (الأنثى الكاتبة) يصمم معماراً أدبياً آخر ينطلق من معمّار المكان ذاته، ليسمح بمروره وتجاوز حراسه.
لذلك لا نندهش عندما يكون النص الحكوي النسائي تصميما معماريا آخر يتفرع من معمارية البناء الحريمي، ولا يشق عصا الطاعة عليه، بل يحاول محاكاته بذات الهندسة المعمّارية، بفضل التلقيح الدائم لوعي المرأة والمتفق مع مكون المعمار الحريمي.
الذي ظل يٌنمي حالة الاستعداد لدى المرأة للتقوقع داخل ما يبثه العقل الجمعي من خلال رسائل التربية التعليم والثقافة القاهرة.
وكلمة (حريم) تعود جذرها إلى (ح ر م) (بضمّ الراء) و(حرم حرملك) اسم علم مكان، واسم المكان منه (محرم) على وزن (مفعل) فتح الميم والعين وتسكين الفاء، و(حريم) اسم مفعول بمعنى محروم، مثل سجين بمعنى مسجون وأسير بمعنى مأسور، واسم المفعول به يقتصر على دور استقبال الفعل بكل سلبياته وإيجابياته دون تغير، أو أدنى رغبة في أن يكون محل الفاعل، أي (الطرف السلبي) في منظومة الفعل وهو الخاضع لإرادة الفاعل، فهو لا يكون إلا في وجود الفاعل وسيطرته على الفعل وتنفيذه.
وهذا ما يُشكل علينا البحث في علاقة متقاطعة، فما علاقة (الحريم) بخطاب الحكي والحكايات، فالحريم (محيط موصد الأبواب، مسدود الآفاق، ذو خصوصية مؤسساتية) والخطاب الحكوي، (فضاء مطلق مفتوح الآفاق)؟ فهل الخطاب الحكوي بالنسبة للمرأة يمثل اجتيازاً وهمياً لمؤسسة الحريم عبر الحكاية، وتعتبر من تملكه تمتلك امتيازاً وخاصية سامية للتخلص وهمياً من شعور العجز، الذي يزرعه داخلها برتوكولات الحريم؟ جائز.. كما أن الجائز الآخر.. إن (الحريم النسقي) لا ينتج أي خطاب ثقافي، بل يسهم في تفريغ (بوح أنثوي) مشفّر.. يمارس أنفاسه تحت ظلال سيّاف شهريار، وهذا ما يجعل النص الأنثوي لدينا (مخلوق) يعاني من عقدة (الخوف) كما تمثله أنثى (نزار قباني) (ياسيدي.. أخاف أن أقول ما لدي من أشياء.. أخاف لو فعلت أن تحترق السماء.. فشرقكم يا سيدي العزيز.. يصادر الرسائل الزرقاء.. يصادر الأحلام من خزائن النساء.. يستعمل السكين.. والساطور.. كي يخاطب النساء).
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved