الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th June,2005 العدد : 110

الأثنين 6 ,جمادى الاولى 1426

قصة قصيرة
أكره معلمتي؟
بهية بوسبيت
إن الشعور بالأمان نعمة كبيرة لا نقدر قيمتها الا حين نحس باحتلال الخوف يسيطر على كياننا. والاحساس بالخوف شيء مريع ومرعب للغاية وعذابه كبير لا يقاس بعذاب أي مرض. ومهما وصف الخوف فلا إنسان يدرك عمقه وعذابه الا من قاساه او جربه او وقع في شراكه ولو لساعات معدودة.
أمل أمل ما بك يا حبيبتي؟ ومدت يدها تهزها برفق لتوقظها من نومها وهي تبسمل بصوت مسموع. جلست أمل وهي ترتجف من الخوف وراحت تهذي بكلمات غريبة وتوسلات عديدة واعتذارات. ضمتها أمها الى صدرها بحنان ومضت تبسمل عليها وتهدئ من روعها وتقرأ شيئاً من القرآن الكريم عليها وهي تحدثها قائلة: لا تخافي يا حبيبتي انا معك أنت تحلمين، وتعود تارة اخرى وتناديها باسمها. مرت الدقائق ثقيلة كئيبة حتى هدأت أمل وذهب عنها الخوف حين ادركت ان ما حدث لها وما رأته لم يكن سوى حلمها المزعج المروع الذي تراه كل ليلة في منامها. غادرت أمها غرفتها بعد ان احكمت الغطاء حول كتفيها جيدا، وتلت عليها ما تحفظه من سور القرآن الكريم التي تذهب الخوف عنها وتدخل الطمأنينية الى نفسها وقلبها. لم تمض ساعة واحدة على خروجها من الغرفة حتى عادت مرة اخرى على صراخها الذي ملأ البيت وأقض مضجع النائمين من حولها، وهذه المرة حاولت تهدئتها وازالة الخوف من نفسها وتفكيرها ولكن حاولت عبثاً، فقد باءت جهودها بالفشل فقررت ان تنام الى جانبها حتى الصباح. أمل أمل هيا استيقظي حان موعد المدرسة.. مرت فترة ليست بالقصيرة وعادت ثانية تناديها: أمل هيا انهضي يا حبيبتي ستتأخرين على مدرستك. ولكن امل لا تجيب ولا حتى تتحرك في سريرها كالعادة قبل نهوضها ولم تفتح عينيها لتقول اني متعبة اليوم ولا اريد الذهاب ارجوك اتركيني انام كما كانت تفعل في بعض الأيام. (أمل ألا تسمعينني) قالتها بفزع وقد تملكها ذعر شديد وسرت رجفة عميقة في جسدها ان صوتها يختفي شيئا فشيئا وشعرت بالعبرات تخنقها، اقتربت منها في غير وعي سحبت الغطاء في قسوة ووضعت يديها حول كتفيها ومضت تهزها بخوف قائلة: ما بك يا أمل؟ مرت دقائق كأنها في حسابها ساعات قبل ان تفتح أمل عينيها في تثاقل وهي تفركها بصمت وذهول. تنهدت أمها بعمق حمدت الله وشكرته ثم سألتها في غضب: كل هذا نوم ألم تسمعينني وانا اوقظك؟ اوقعت قلبي في قدمي خلتك مت هيا انهضي بسرعة ستتأخرين اليوم على مدرستك. نظرت اليها ولكنها بقيت صامتة في مكانها ولم تبدِ أية حركة استعداداً للنهوض ما بك؟ يا ابنتي هيا تحركي لا اريد ان اذهب الى هذه المدرسة ولا اريد ان ارى تلك المعلمة، آه .. وتبعتها عدة زفرات. ما هذا الذي تقولينه؟ وتابعت الهذا تجاهلت ندائي لك وتصنعت النوم؟ هيا النهضي، وقادتها من يدها ولكنها صمدت في مكانها قائلة في غضب مشوب يفزع: لن اذهب الى المدرسة! لن اذهب! انا لا احبها ولا احب معلمتي انني اكرهها كثيرا. وتدفقت دموعها غزيرة من عينيها البريئتين الجميلتين وبكت بكاءً مراً أثار دهشة وتساؤل أمها.
سألتها بحرقة: لماذا لا تريدين الذهاب الى المدرسة؟ أنا لا أحبها.. من؟ المدرسة.. ارجوك يا امي دعيني ابقي معك! هل انت تشعرين بأي مرض يا حبيبتي؟ قالتها برقة وحنان جعلت ابنتها تحس بتجاوبها معها.. لا لست مريضة! اذن لماذا ترفضين الذهاب الى المدرسة؟ ظلت صامتة.. سألتها ثانية قائلة: هل كان عليك واجب لم تعمليه؟ لا اذن هناك شيء لابد ان اعرفه يا حبيتي؟ لاني لاني .. ولم تستع ان تكمل فقط عاجلتها نوبة بكاء شديدة مما دفع بأمها ان تأخذها بين ذراعيها وهي مأخوذة شاردة وتضعها في سريرها محاولة بكل ما لديها من وسائل تهدئتها.. اخذها النوم فاستسلمت له في وداعة وخضوع وظلت أمها الى جانبها تفكر وتتساءل بينها وبين نفسها عن السبب الذي من اجله اصبحت ابنتها تكره المدرسة وتتهرب من الذهاب اليها، تكره معلمتها وتخاف عند ذكر اسمها.. فقررت ان تبحث عن هذا السبب فابنتها تحب المدرسة كثيرا وتحب جميع رفيقاتها والمعلمات ولم تشكُ يوما او تتذمر من الذهاب لمدرستها طيلة السنتين الماضيتين ..اطرقت أم أمل مفكرة وسرعان ما تذكرت تلك الاحلام المفزعة التي تنتابها بين فترة واخرى فتوقظها من نومها فزعة مرعوبة فادركت ان أمل تعاني من مشكلة يسببها معلمتها .. بعد استيقاظ أمل من النوم اعدت لها افطارا تحبه ثم جلست تلاعبها وتتحدث معها برفق عن صديقاتها المقربات وعن اليوم الدراسي ومعاملة المعلمة لهن وتشجيعها للمجدة. سألتها عن احلامها المزعجة التي كانت تراها في نومها، فقالت كنت أرى في كل مرة معلمتي وهي تصرخ في وجهي بشدة ثم تسخر مني وتطلب من الطالبات ان يسخرن مني ثم تحمل عصا كبيرة وتضربني بشدة وتهدد بسجني في غرفة مظلمة طوال الاسبوع! انني اكره معلمتي واكره كل المعلمات ولا احب المدرسة ارجوك يا امي دعيني ابقى معك في البيت.. وراحت تنتحب في ألم وخوف. تنهدت أمها في مرارة وأسى ونظرت اليها في حنان واحتضنتها بذراعيها ثم مضت تسمح على شعرها برفق وتقول لها باسمة مطمئنة: يا حبيبتي كل الناس تحمل وترى في أحلامها ما يخفيها ويزعجها ولكن الحلم لا يعني شيئا في كثير من المرات وليس ما ترينه في كل حلم يصبح حقيقة أنا يا امي اكره معلمتي واخافها كثيرا ولا اريد الذهاب الى المدرسة! سألتها: هل ضربتك بالفعل؟ أجل انها تضربني دائما وتتوعدني بالحبس.. لابد انك اهملت في واجباتك؟ قاطعت أمها قائلة: صدقيني انا لم اهمل واجباتي ولكني احيانا انسى بعض ما حفظته فتنهرني وتعاقبني دون ان تعطيني ادنى فرصة لاسترجع ما حفظته واتذكره! ولماذا تنسين؟ الطالبة المجتهدة لا تنسى ما تحفظه. يا امي ولكنها ولكنها .. ماذا؟ لانها تصرخ دائما وتنظر اليّ بعينين مخيفتين فأنسى، كما انها لا تضرب بعض رفيقاتي حين يخطئن او ينسين اي واجب بل تسامحن! ادركت الأم ان ابنتها تعاني من مشكلة كبيرة وانها تعيش في خوف وفزع من معاملة معلمتها القاسية، كما انها اصيبت بعقدة الكراهية للمعلمة وزميلاتها وللمدرسة.. كما انها دائما تعمد الى اهانتي وتحاسبني على الخطأ البسيط ودائما لا تهتم لمشاركتي في الفصل وتجعل الطالبات يضحكن عليّ. وانفجرت باكية مرددة: انني اكرهها اكرهها. تنهدت أمها في ألم وبعد ان هدأت من روعها سألتها ولكن لماذا تعامل الاخريات بطريقة أفضل؟ لان بعضهن قريبات لها والبعض الآخر بنات زميلاتها المعلمات!
اكبرت في ابنتها ذكاءها الحاد، وصمتها وصبرها طيلة هذه الفترة دون شكوى، إلا انها ادركت بحساسيتها وادراكها للامور ان معلمة ابنتها مصابة بداء التفضيل والتفريق الذي يجعلها تعفو عن طالبة وتقسو وتعاقب أخرى وهذا بلا شك اسبابه كثيرة معروفة فالقرابة والصداقة والمصلحة تجعلها تنسى وتتجاهل طبيعة عملها وأمانة رسالتها ناسية أو متناسية ومتجاهلة أهم الأسس الأساسية التي يقوم عليها عملها فيرتفع وترتفع برفعته. لقد نسيت ان التعليم اولا واخيرا ما هو إلا رسالة وأمانة عظيمة يجب علينا نشرها باخلاص وبكل امانة. ولكي نقوم بنشرها على الوجه الاكمل والصحيح علينا ان نكون جديرين بحملها. كما انها نسيت ان مهنة التعليم فن وموهبة واستعداد قبل ان تكون مجرد رسالة تلقى على المسامع فقط.
كما انها نسيت انه يجب عليها ان تكون أماً ثانية قبل ان تكون معلمة وان عليها ان تكون مثالا وقدوة لطالباتها لانهن يقلدنها في كل شيء، كما انها تجاهلت انها تتعامل مع طالبات صغيرات لا يزلن في مرحلة الطفولة وهن بحاجة الى الحنان والمحبة الصادقة والمعاملة الرقيقة بالاضافة الى التشجيع الدائم والنصح والارشاد والتوجيه الدائم. لقد غاب عن فكرها ان المعلمة الناجحة والقديرة هي التي تستطيع غرس محبتها وثقتها في قلوب جميع طالباتها، فمحبتهن لها هي التي تجعلهن يحبن الدرس والمعلمة وجميع المواد. تألمت ام أمل في نفسها واحست بمرارة تعتصرها وهي ترى مستقبل ابنتها يتأرجح في الهواء بين السقوط والضياع واحتارت ماذا تفعل مع ابنتها المعقدة؟ هل تأخذها الى المدرسة وتحدث المديرة شاكية لها سوء تصرف المعلمة وتوصيها بابنتها خيرا؟ ولكن ابنتها اصبت تخشى من الذهاب الى المدرسة وتكره المعلمة.. هل تنقلها الى مدرسة أخرى؟ وهل تقبل ابنتها وتقتنع ان المعلمات يختلف بعضهن عن بعض وماذا يحدث لو نقلتها وفوجئت بمعلمة لا تعرف طريقة التعامل المثلى مع الطالبات ان سلبية ذلك ستكون عليها أشد؟ وضعت كفيها على رأسها من شدة الألم وتأوهت في حزن وحيرة شديدين: يا رب ارشدني الى الصواب .. ماذا افعل وكيف اتصرف.. انه مستقبل ابنتي! يجب عليّ ان اجرب جميع الوسائل لاعادتها وفك عقدة كرهها للمعلمة والمدرسة ككل.. لو تدرك كل معلمة عظم الامانة التي بين يديها وان تعاملها مع الطالبات اهم بكثير من تلقينها اي درس لهن وكم من طالبة حرمت التعليم بسبب قسوة المعلمة وقلة ثقافتها ووعيها بطرق تعاملها مع الطالبات وكم من طالبة راشدة تسببت سوء المعاملة معها باصابتها بعقد نفسية الكرة للمعلمة مما جعلها تنفر من مدرستها وتخرج وهي في منتصف طريق التعليم! الحل ان استخير الله ثم أقوم بالمحاولة الاولى عسى ان اخرج بحل.. احست بالراحة لتوصلها لهذا القرار.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved