Culture Magazine Monday  13/08/2007 G Issue 211
أقواس
الأثنين 30 ,رجب 1428   العدد  211
 

لا.. لم تمت (اثنينية الصالح).. ولكن!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

 

 

- منذ حين وأنا أفكر بكتابة حديث يجمع بين العتاب والرجاء موجّهين إلى الصديق بندر بن عثمان الصالح وإخوانه الكرام، فأمّا العتابُ فسببه أنهم -حفظهم الله- قرّروا فيما يبدو، ولعلة يعلمها الله، (وأد اثنينية) والدهم الصالح -رحمه الله- في ثراه الطاهر لحظة فراقه الدنيا إلى دار الخلود بإذن الله، فحرموا بذلك محبيه ومريديه من المكرمة الثقافية التي كان قد أسسها وأحيا (شعائرها) زمناً طويلاً، ممثلة في (اثنينية الصالح) التي حققت في حياته صيتاً وصدى ثقافيين تحدثت عنهما الركبان في كل مكان.

* * *

- كانت (الاثنينية) بحق من أهم (المحطات الثقافية) في عاصمة المجد الرياض يؤمّها علية القوم وصفوة المثقفين وشرائح من عامة الناس، وكانت منبراً رائعاً تطرح من خلاله بعض هموم الوطن.. في مسارات شتّى، كما اتّخذها مؤسسها الراحل وسيلة رائعة لتكريم بعض الرموز المؤثّرة في صناعة حاضر الوطن ومستقبله.

* * *

- من جهة أخرى، كانت (اثنينية الصالح) مهرجاناً للرصانة والعقل والإبداع، تستقطبُ بطرحها المستنير أطراً قيمة من سدنة الفكر، دينا ودنيا، منهم (السلفي) اعتدالاً والتزاماً، ومنهم (الحداثي) رؤية وتعبيراً، ومنهم الشاعر المتيّم بالقوافي، ومنهم الكاتب المفتون بمباهج النثر، ومنهم أستاذ الجامعة وباحثها وطالبها، كل أولئك وهؤلاء يفرّقهم الاختصاص قولاً ومعنى، ولكن تجمعهم المحبة لصاحب الاثنينية أدباً ومكانةً ونبلاً، وهو الذي وصفته يوماً ب(شيخ المربين ومربي الشيوخ) في إشارة يُدرك معناها كل من عاصر عن كثب سيرة ذلك الرجل، كان كل منهم يأتي إلى ذلك الملتقى ليشنِّف سمعه بفصيح الكلام، ويؤنس عقله ببديع الفكر، ويُمتع خاطره بجميل المعاني! وكان (مايسترو) اللقاء الصديق بندر الصالح قلبه النابض، وعقله المنظّم، ولسانه الناطق!

* * *

- وفجأة.. توقّف نبض القلب المتدفّق بكل معنى جميل.. فبكاه القريب والبعيد، ودعوا له بجنات الخلد لدى عزيز مقتدر، لكنني، ومعي كثيرون جداً ممن شيّعوا عثمان الصالح بالدمع والدعاء يوم رحيله، ما كُنّا نتصور لحظة واحدة أن (اثنينيته) التي ارتبطت باسمه هيبةً وعطاءً (سترحل) معه، وتتحول إلى ذكرى!

* * *

- من جهةٍ أخرى، قرأتُ مؤخراً وقائع لقاءٍ أجرته صحيفة (الندوة) مع الأستاذ بندر الصالح، ونشرته في عددها الصادر بتاريخ 18 رجب 1428 هـ نعى فيه (موت اثنينية) أبيه الصالح، وعزا ذلك إلى شُحّ الدّعم الماديّ الذي يُعيدُ لها الحياة كما كانت في عهد والده -رحمه الله-، مشيراً إلى أنّه لا يستطيع وحده تحمّل العبء المالي المترتّب على استئنافها، وأنّ أشقّاءه الآخرين مشغولون بأمورهم الخاصة.

* * *

- هنا، ألمس مصدراً آخر للعتاب ليس لبندر فحسب، ولكن لأشقائه الكرام وكلِّ من يتشرف بالانتماء إلى هذه الأسرة الكريمة، لأن المربي الفاضل عثمان الصالح خلّف إرثاً ثقافياً رائعاً ما كان يجب أن يودع الثّرى مع صاحبه، وأحسب أن الأبواب لم توصد بعد في وجه طلب العون لإحياء هذا الإرث الجميل، مذكِّراً في الوقت نفسه، بأنّ الذين كان يؤمّون (اثنينية الصالح) لم يكن هاجسهم التمتّع ب(مفاطيح) الكرم في نهاية كل لقاء، بل جاءوا ليفيدوا ويستفيدوا، ولا أرى حاجةً لتحمّل نفقاتٍ لا علاقة لها بروح ومضمون ذلك اللقاء!

* * *

- أخيراً، وبعد أن قلت ما قلته تذكيراً ب(اثنينية الصالح)، أتوجه بالرجاء مجدداً إلى الصديق بندر الصالح وإلى إخوانه الكرام، أن ينفخوا الروح في جسد اثنينية أبيهم الراحل.. لتعود سيرتها الأولى منبراً مشرقاً بذكره وذكراه، ولساناً ناطقاً بهموم هذا الوطن.. التي كانت جزءاً لا يتجزأ من خريطة طريقه، قولاً وعملاً حتى أدركه الأجل، وستظلُّ روح عثمان الصالح ترفرف على هذا المنبر.. وتمنحه أصالة وحيوية وإبداعاً!

* * *

- أجل.. لم تمت اثنينية الصالح.. ولكن طال سباتها، وكل انتظارها، وما أحسب عودتها على أولي العزم بعسير!

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5141» ثم أرسلها إلى الكود 82244

جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة